فيلم “هامنت”.. الحياة مصدر الإبداع
أحمد علاء الشافعي
أخذ الفيلم الإنكليزي الطبع ‘هامنت’ Hamnet وهو من إخراج المخرجة الفائزة بالأوسكار مرتين ‘كلوي تشاو’ أكبر وأفضل الإشادات النقدية والجماهيرية بعد عرضه لأول مرة عالميا بمهرجان تورنتو في سبتمبر الماضي لعام 2025 ، وسوف يتسابق على جوائز السينما الأمريكية لعام 2026 وهو من بطولة نجمين من اكثر النجوم المحبوبين للغاية حاليا وهما بول ميسكال وجيسي باكلي.
تذهب بنا كلوي تشاو في بداية فيلمها إلى أغنيس، وهي فتاة بريطانية تعيش في إحدى المدن القروية بإنجلترا، بين البيت والحقول, وعندما ترى صقرا يطير بالسماء سرعان ما يصبح صديقا لها مما يدعو لشيء غريب رؤيته فهذا يعني بشكل ما أن هذا هو الكائن الذي وجدت فيه الحب بطريقة، ثم يظهر لها ويليام شكسبير الذي يرتبط بها منذ أول اللحظات بسبب هذا الصقر الذي يمثل مظهر نجاة بشكل ما لها.
كلوي تشاو تذهب إلى حيث تعيش أغنيس بعد أن قابلت ويليام لأول مرة فتظهر لنا كيف تعيش داخل منزل تقليدي في القرن السابع عشر، لا ترى سوى الحقول. ومنذ أولى لحظات لقائها مع شكسبير يظهر عليها الخوف والقلق بسبب عدم كثرة تجاربها لمشاعر الحب والدخول إلى مثل تلك المظاهر الإنسانية ولكن ويليام يستخدم قدراته في سرد الحكايات لكسر هذا الحاجز المتواجد عند أغنيس وسرعان ما تعرف أنها بالفعل قد وقعت في حبه.

ومن خلال عدسات كلوي التي تعشق استخلاص جمالية كل ما يحدث عن طريق براعة تصوير الطبيعة التي تفيض في أجواء فيلمها، فهي تستكمل رؤية كل ما يحدث داخل الفيلم بلختيار أفضل مظاهر إنجلترا في هذا الوقت، ومع كل لحظة ما يناسبها من ألوان لكل حدث، فعند تطور علاقة أغنيس بويليام شكسبير تتجسد لحظات الجرأة التي تجعلها تخرج من بيت عائلتها وإصرارها على إنجاب أول أطفالها منه بعد أن تتزوجه. وهكذا تنتهي أولى فصول فيلم “هامنت” بنهاية سعيدة تماما حملت أول مظاهر الجرأة الفنية فنيا وتقنيا وبوجود ممثلين بارعسن مثل “جيسي باكلي” و”بول ميسكال” فصنعت أفضل تمهيد في فيلم من أفلام العام.
حياة أسرية إعتيادية
انتهى فصل التمهيد ودخلنا إلى فصل ما بعد الحياة تحت سقف واحد مع وجود أول طفل، فهذا الفصل قد يخص ويليام أكثر ولكن ليس بالإبتعاد كثيرا عن أغنيس فنحن نشاهد أن مظاهر الحب لا زالت متواجدة بينهماـ ولكن مع حدوث فتور واضح وطبيعي في العلاقة، فهذا ليس فيلما يتابع حياة ويليام شكسبير وعلاقته بزوجته وكواليس خروج أشهر مسرحياته “هاملت” بكل سطحية تامة؛ بل هو أيضا فيلم يذهب بنا إلى تدهور العلاقات وتطورها مع متاعب الإنجاب وتغيراتها وهذا بعيني أغنيس أكثر من أي شخص لأنها هي المحرك الأول لمختلف المشاعر والمظاهر العفوية التي ترتبط بالحب والأمومة خاصة منها وكيف هذا أثر على شكسبير في أن يخلده التاريخ كأهم كاتب مسرحي على الإطلاق.
مع اضمحلال مظاهر الحب وظهور الأطفال في حياة الأزواج كثيرا ما يغيب الأب عن الواجهة لجلب مصدر العيش وكثرة مهام الأم أغنيس في الإهتمام بكل ما يحدث داخل البيت وهذا كله تستكمله كلوي وتجسده في براعة بتصوير كل تلك اللحظات بشكل عفوي وواقعي.
نعود لأغنيس التي ستنجب ثاني أطفالها في غياب الأب المتواجد في لندن التي كانت تفيض بالحياة في ذلك العصر، وصورت كلوي مشهدا قويا للغاية لولادة التوأم الذين سيكونان من يحركان الأحداث لاحقا.
عادت حياة أغنيس وويل الى التفتح والازدهار بظهور التوأم حيث أن مشاعر الحب التي كانت تتواجد في البداية وجدت مرة أخرى في وجود أطفالهم الذين جلبوا لهم عنصر المتعة والسذاجة التي كانت تنقصهم تماما في السنين السابقة خاصة من عن طريق “هامنت” بطل النصف الثاني من الفيلم ومحرك الأحداث الأولي للغاية، فهو وأخته يستطيعان أن يخلقا كل مظاهر السذاجة التي لم تعيشها أغنيس من قبل أو لم يره ويل لكي يتأثر به في فنه من قبل، ولكن ومع ظهور وباء الطاعون، أو الموت الأسود، الذي اجتاح أوروبا في ذلك الوقت، نشاهد معا تطور الحياة في إنجلترا وكيف تغير كل شيء حتى وصل هذا لبيت أغنيس في طفلتها جوديث، تحولت الحياة داخل هذا البيت إلى مأتم يحمل كل الأحزان والقلق المتواجد بالعالم بعد إصابة جوديث بالطاعون الأسود القاتل ومن هنا يظهر عقل وقلب هامنت الذي أصبح بطلا في أعين الكل لينتهي هذا الفصل الملئ بكل السواد المتواجد بالعالم بصراخ أغنيس.
وداع خاص

بعد هذا الفصل لم يعد يوجد إلا تقلبات المشاعر وتدهور العلاقة بأسوأ الطرق بين أغنيس وويل، نحن نشاهد كيف كانت مشاعر الحب والأبوة والفقدان حتى وصلت بنا لمرحلة خلق ويليام شكسبير الذي كانت حياته هي التي خلقت فنه، فالفيلم يقول قالت لنا إن الفن الذي يعيش بين العصور للأبد يأتي من الخيال، وهذا الخيال لا يأتي لوحده فهو يخلق من الحياة الواقعي. وهذا الفصل يرينا إهتمام ويليام الشديد للغاية بخروج تلك المسرحية بدون أي خطأ وبدون أي سلبيات تنقصها فالفن الحقيقي لن يأتي إلا عن طريق الاهتمام بالتفاصيل مع الصدق في تصويرها وتجسيدها.
سرعان ما يبدأ في تقديم مسرحيته للعوام إلى أن يصل الخبر لأغنيس التي ترى إسم “هاملت” اسما للمسرحية ومنذ تلك اللحظة تهتم بمتابعة المسرحية مع المشاهدين.
فيلم “هامنت” تعبير خالص عن جودة الفن في تصويره للحياة الحقيقية وما بين النصوص لخروج مثل تلك المظاهر الفنية المختلفة.
