فيلم “كازابلانكا” بين البطولة الشعبية وصناعة الأساطير

Print Friendly, PDF & Email

منذ الجزء الأول من مسلسل “كلابش” عثر كل من بيتر ميمى وأمير كرارة على ضالته في الآخر. فميمى، مثل نيازى مصطفى الذى صنع أسطورة فريد شوقى، كان يبحث عن البطل الشعبى الذى يحقق له النجاح الجماهيرى الكاسح، وكرارة كان يمتلك مقومات هذا البطل لكن كان ينقصه المخرج الذى يجيد صناعة الأساطير والملاحم الشعبية عبر الشاشة الفضية.



 وبالرغم من أن مسلسل “كلابش” كان بمثابة التربة التى نبت فيها كرارة كبطل شعبى، إلا أن فيلم “حرب كرموز” هو الذى حقق الأسطورة، خاصة فى ظل الاستعانة بنجم الحركة العالمى “سكوت أدكنز” الذى كانت معركته مع كرارة فى نهاية الفيلم حديث الجماهير على مدار العام الماضى. أضف إلى ذلك الإيرادات الضخمة التى حققها الفيلم عندما عرض فى موسم العيد من ذلك العام.



منذ ذلك التاريخ عرف كل من ميمى وكرارة وجهتهما، ومضيا إليها بكل قوة، النجاح الجماهيرى من ناحية، والإيرادات الضخمة من ناحية أخرى. وعلى ذلك، على المشاهد ألا يتوقع مضموناً فكرياً أو رسالة اجتماعية أو نقداً سياسياً، فقط تشويق وإثارة وجرعة كبيرة من الإبهار السينمائى المصروف عليه بسخاء.



البداية كانت فى فيلم “هروب اضطرارى” غير أن وجود أحمد السقا، نجم الأكشن على مدار العشرين عاماً الماضية على حد تعبير كرارة نفسه، كبطل أول للفيلم وضع كرارة فى المرتبة الثانية، وإن كان هذا الدور بمثابة نقطة الانطلاق لكرارة التى أوصلته سريعاً إلى نجومية الصف الأول.



فى هذا السياق أتى فيلم “كازابلانكا” الذى تجاوز فى نجاحه الجماهيرى وإيراداته الضخمة الكثير من الأفلام الجماهيرية ذات النجاح المدوى فى تاريخ السينما المصرية.



و”كازابلانكا” هو خطوة أخرى ناجحة يؤكد بها ميمى قدرته على تقديم أفلام حركة تقترب كثيراً من مستوى الأفلام العالمية، وهو أيضاً خطوة كبيرة فى مشوار كرارة نحو نجومية الأكشن، يؤكد بها أنه نجم الحركة القادم بعد قرب انتهاء زمن السقا، وأنه الأسطورة الشعبية الجديدة، وربما الوحيدة، التى يمكن أن توقف أسطورة محمد رمضان المستفزة للمثقفين، خاصة أن كرارة يتمتع بكاريزما تحظى بالقبول لدى كل الفئات فى المجتمع، وليس فئات بعينها كما فى حالة محمد رمضان.



أسطورة بصرية
تعتمد أسطورة ميمى البصرية، كما عودنا منذ فيلم “هروب اضطرارى” على المبالغة فى التصعيد الدرامى لمشاهد الحركة. فالفيلم يزخر بكم هائل من المطاردات التى استخدم فيها ميمى الموتوسيكلات والسيارات والسفن، كما دار الصراع بين أطراف عديدة، كلهم من الأشرار، بما فيهم أمير كرارة.



يتضح ذلك منذ الدقائق الأولى للفيلم عندما يقفز عمر المر (أمير كرارة) بسيارة ملاكى، تحمل قطعاً من الماس، من فوق سفينة ضخمة فى عرض البحر إلى مرسى صغير فوق أحد اللنشات التى يقودها عرابى (عمرو عبد الجليل) ورشيد (إياد نصار). كما يتضح فى الدقائق قبل الأخيرة عندما يحاول “المر” إنقاذ أخية الأصغر من الموت، وهو محشور داخل سيارة تتأرجح فوق قمة جبل شاهق.
 


وتعتبر الحبكة السينمائية من أهم عناصر الأسطورة فى أفلام بيتر ميمى. والحبكة عند ميمى تعتمد كثيراً على المبالغة فى تعقيد الحدث الرئيسى بحيث ينطوى الحل على تحد كبير لشخصيات العمل، ومحنة قاسية ينبغى تجاوزها حتى لو كلفهم ذلك حياتهم نفسها.



وضح ذلك فى فيلم “حرب كرموز” عندما وقف ضابط مصرى ومجموعة من العساكر والمساجين الموجودين داخل قسم كرموز، بأسلحتهم المتواضعة، فى مواجهة الجيش الإنجليزى بدباباته ومدفعياته، دفاعاً عن مجموعة من الشباب المصريين الذين تصدوا لانحرافات بعض عساكر الاحتلال. وفى “كازابلانكا” يغدر عرابى “عمرو عبد الجليل” بأصدقائه، “المر” و”رشيد” (هجامين البحر)، فى واحدة من العمليات التى كانت المافيا طرفاً فيها، ويهرب بغنيمة من الماس إلى المغرب ليفتتح ملهى ليلى ويحيط نفسه بعصابة كبيرة، مصطحباً معه الأخ الأصغر لعمر المر، الذى قضى فترة عقوبة فى السجن وخرج للانتقام، مع رشيد وضد عرابى والمافيا.


عن الممثلين
 

لم يضف الدور جديداً لعمرو عبد الجليل، لكن عبد الجليل أضاف للفيلم قدراً من البهجة وخفة الظل التى ساهمت فى نجاحه جماهيرياً.



 قدم إياد نصار لوناً جديداً من أدوار الشر أضاف لتاريخه، ولأعماله المتميزه هذا العام، فهو نجم 2019 إذا أضفنا إلى “كازابلانكا” دوره فى فيلم “الممر”، الذى حقق نجاحاً كبيراً على المستويين، الجماهيرى والنقدى، وفيلم “الفيل الأزرق2” المزمع عرضه فى موسم عيد الأضحى القادم.



ربما يكون دور غادة عادل تقليدياً، لكن قيادتها الدراجة البخارية والمشاركة بها فى مطاردات الفيلم المبهرة، هو مشهد لم نره فى السينما المصرية، على ما أذكر، منذ سماح أنور فى “حالة تلبس” الذى أنتج عام 1988. الممثل التركى خالد أرجنش كان من الممكن أن يقوم بدوره أى ممثل مصرى ويجيد الدور، غير أن وجود نجم أجنبى بشهرة أرجنش، يلعب دوراً شريراً ويواجه كرارة فى معركة الحسم النهائية من شأنه أن يشعل الصراع، وينتزع الآهات من جمهور الصالة، الذى سينحاز بالضرورة لبطله المصرى على حساب الأجنبى الشرير، وهى نفس التيمة التى اشتغل عليها ميمى فى “حرب كرموز” مع سكوت أدكنز، وأتت بنتائج مبهرة مع الجمهور.



والحقيقة أن المنطق الدرامى، لا منطق السوق، كان يحتم أن تكون المواجهة الأخيرة بين كرارة وعبد الجليل، وهى المواجهة التى تأجلت لما بعد قضاء كرارة على أرجنش، فجاءت باهتة ومفتعلة، خاصة أن السيناريو أراد أن يبرر أفعال عبد الجليل الشريرة، عن طريق الفلاش باك، ليكشف عن البعد الخير فى شخصيته، ما أضعف الشخصية والحبكة فى آن واحد.
 


بالرغم من الأداء النمطى لكرارة، إلا إنه سيستمر لسنوات قادمة قبل أن يمله الجمهور ويشعر بالإفلاس، كما يحدث عادة مع نجوم الشباك الذين لا يتعلمون من الدرس ويعملون على تطوير أدائهم.



ولأن كرارة لا يمتلك مهارة السقا ولا رشاقة رمضان، فسيظل حبيس نوع خاص من الأكشن، قدمه ستيفن سيجال ببراعة، يعتمد على حركة اليدين والرأس فقط. وإذا كان سيجال يتحرك على خلفية من لعبة الأيكيدو التى كان يمارسها، فإن كرارة سيعتمد أكثر على قامته المهيبة وحركته العشوائية المستمدة من معارك الشوارع، وهى لون من الأكشن يناسب ذائقة المشاهد العربى الذى تربى على أفلام فريد شوقى ورشدى أباظة.
 


النهاية التى اختتم بها الفيلم أحداثه توحى بإمكانية وجود جزء ثان. وهو منطق يتسق مع الطريقة التى يفكر بها كل من ميمى وكرارة، والتى جعلتهما يقدمان ثلاثة أجزاء من مسلسل “كلابش” ذى النجاح التليفزيونى المدوى، ويعتزمان تقديم جزء رابع. وبالرغم من أن استثمار النجاح لا يؤدى دائماً إلى نجاح، إلا أن جعبة ميمى مازالت مليئة بالأساطير، وشعبية كرارة لم تفقد ألقها بعد.
 

Visited 156 times, 1 visit(s) today