فيلم “جدار الصمت” ومحاولة النفاذ إلى المحظور في السينما المغربية
نادرة هي الإنتاجات الفنية التي تسحبك إلى عوالم التأمل، ترغمك على إعمال التفكير وتحليل الخطاب بعيدا عن كل الأحكام الجاهزة و الصور النمطية في التعاطي مع المواضيع.
الفيلم الوثائقي “جدار الصمت” لمخرجه محمد سعيد الدردابي، وعلى امتداد حيز زمني يناهز 55 دقيقة، يعبر بنا الفيلم ليكشف ولأول مرة في تاريخ السينما المغربية ، وفي عمل إبداعي متناسق الأركان، مفهوم التابو أو المحظور في الإنتاج السينمائي المغربي، وتعاطي هذا الأخير مع الموضوعات ذات الحساسية المفرطة، في أفلام تتناول الجنس كمادة قابلة لتحرير الجسد أمام عدسات الكاميرا، أو أفلام تسلط الضوء على حقبة سياسية مظلمة في تاريخ المغرب المعاصر تميزت بقمع الحريات وإخراس الألسن المعارضة (سنوات الرصاص)، أو في مشهد ثالث الأفلام التي تعاطت مع المقدس الديني كمادة فيلمية يمكن من خلالها مسائلة هذا المقدس عن دوره في حياتنا اليومية بأفراحها و آلامها.
وبين هذا الموضوع وذاك، تبرز آراء الفاعلين في الحقل السينمائي المغربي، من مخرجين ومنتجين ونقاد وباحثين أكاديميين، بين من يدافع عن اختياراته الفكرية وتصوره الإخراجي، وأسباب تعاطيه مع الطابو(الجنس- الدين- السياسة) كمادة فيلمية، وبين من يضرب في مثل هذا التعاطي الذي لا يعده سوى معالجة سطحية لهذه المواضيع بغاية تحقيق العوائد المادية أو إثارة المجتمع ومعه وسائل الإعلام للرفع من أسهم الفيلم السينمائي أولا ثم مخرجه ثانيا في بورصة التداول المجتمعي.
وبين كل هذا وذاك، تبرز القيمة الجمالية للفيلم الوثائقي “جدار الصمت” لمخرجه محمد سعيد الدردابي، الذي توفق إلى حد كبير في التوفيق بين الواقفَيْن على طرفي نقيض، وفي التوفيق أيضا في التنقل السلس بين الموضوعات الثلاثة، قلما تجمعت في عمل إبداعي واحد متكامل الأركان، يجمع بين روعة الصورة المنتقاة بعناية من مختلف الأفلام المغربية التي تعاطت مع هذه الموضوعات ، وبين قوة الحضور وغناه لمختلف المتدخلين أغلبهم ممن أسهموا بشكل مباشر في نقاش السينما المغربية حول مفهوم “التابو” وحدوده، فاعلون أمثال: جيلالي فرحاتي، حسن بنجلون، حسن زينون، عبد السلام الكلاعي، محمد الشريف الطريبق، سعد الشرايبي، أحمد بولان، محمد إسماعيل، عزيز السالمي، جمال السويسي، خليل الدامون، علي الصافي، محمد بنسودة، محمد شويكة، محمد الخيتر وعز الدين الوافي، أسماء أثْرت بشهاداتها هذا العمل التوثيقي كاشفة عن حقائق بعضها لأول مرة يتم البوح به كظروف تصوير بعض الاعمال و دوافعها أو حتى نيات اصحاب هذه الاعمال تجاه المتلقي بحد ذاته.
إن فيلم “جدار الصمت”، لا يعدو كونه فيلما وثائقيا وفقط، أو رسالة تخرج من سلك ماستر سينما الوثائقي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل التابعة لجامعة عبد المالك السعدي وحسب، إن الفيلم هو محاولة لإحداث منفذ إلى تابوهات السينما المغربية ، لطرح الأسئلة العميقة حول مدى تجاوب هذه السينما مع الموضوعات ومدى تحليلها للوقائع بعيدا عن الملامسة السطحية للجدار دون إحداث أي شرخ فيه، يمَكِن المجتمع من رؤية نفسه في السينما التي مازالت في بلدنا تقتات من أموال دافعي الضرائب وبالتالي تتحول منتوجاتها الفيلمية إلى موضوع للمسائلة المجتمعية .
* باحث في النقد الفني من المغرب