فيلم “الممر”.. الإغراق في النمطية أضاع المحتوى
لم تنصف السينما المصرية فترات الحروب التي خاضتها مصر،لهذا استبشر الجميع خيرا بطرح فيلم “الممر” لوجود الميزانية الكبيرة من المنتج هشام عبد الخالق التي تحتاجها هذه النوعية من الأفلام، واقتران اسم العمل بواحد من أهم مخرجي السينما المصرية هو شريف عرفة، والدعم الكبير الذي قدمته القوات المسلحة المصرية للفيلم الذي ضم أحد أبرز نجوم الشباك، أحمد عز، مع مجموعة من الممثلين الموهوبين. فهل نجحت هذه التوليفة في تقديم فيلم درامي جيد عن الحرب؟
أولا يجب ألا نخلط بين انتقاد فيلم حربي أو اعتباره ضعيف المستوى وبين إهانة الدولة المصرية وجيشها لأن الفيلم- أي فيلم- هو في النهاية عمل فني، خاصة إن كان ينتمى للنوع الروائي الذى يفترض أن تكون الحرب التي يصورها مجرد إطار تدور من خلاله الأحداث، لكن الأساس هو الحبكة الدرامية وكيفية توظيفها بصريا بالتوازي مع الحدث الحربي التاريخي وكيف استطاع المبدع تقديمها.
أما من يريد أن يتعامل معه على أنه فيلم عن الحرب أو أنه مقصود منه أن تعرف الأجيال الجديدة من خلاله معلومات لا تعرفها عن تلك الملحمة الحربية المصرية فعليه مشاهدة الأفلام الوثائقية أو قراءة كتب التاريخ فطبيعتهما تجبر المبدع أو الراوي بالالتزام بسرد الأحداث الحقيقية والوقائع التاريخية كما وقعت، أي عكس السينما الروائية التي من بين قواعدها أن المبدع يطلق العنان لتوظيف الحدث أو المعلومة التاريخية فى إطار درامي مبني على جانب سردي محكم.
من هنا يرتبط أساس النجاح بسيناريو يستغل الحدث التاريخي الحربي ويغلفه بقالب درامي بصري على الشاشة وهو أحد العناصر الغائبة عن فيلم “الممر” الذي ظهر وكأنه فارغ المحتوى بداية من بناء ورسم الشخصيات برغم كثرة النماذج، لكنها على مستوى الحبكة مبتورة بلا أي أبعاد أو خيوط خصوصا في النصف الأول.
يبدأ الفيلم بمشهد هزيمة الجيش المصري فى 67 وبرغم احتواء الفيلم لعدد من المشاهد الحربية لكن يظل أفضلها فى التنفيذ هذا المشهد، ويحسب لصناع الفيلم أنه الأكثر على مستوى المساحة للمرة الأولى فى أفلامنا المصرية التى وصفت مشاعر الهزيمة ليس على مستوى الشعب فقط بل فى نفوس الضباط والجنود.
نجد المقدم نور(أحمد عز) البطل الرئيسي للعمل وحالة الإنكسار التي يعاني منها أمام زوجته (هند صبري) وابنه، وفقدان الثقة تماما، والمجند هلال (محمد فراج) وعلاقته المتوترة مع والده لدرجة تجعله يرفض النزول فى إجازة لعدم مقابلته، والمهندس أحمد (محمد الشرنوبي) وقصة حبه التي كادت الهزيمة أن تكتب نهايتها، و(أمير عيد) الجندى النوبي الذى هرب بعد الهزيمة ويرفض العودة، ورمزي ضابط البحرية (أحمد صلاح حسني) وخالته التي تبحث عن ابنها محمود (أحمد فلوكس) الذي وقع فى الأسر ولم يعد.
انتقل المخرج بين حياة الشخصيات خارج الجيش عن طريق حشو تفاصيل وحكايات لم يكن لها تأثير في الأحداث، منها شخصيات ظهرت دون أبعاد درامية مثل العريف عامر (محمود حافظ) أو بشكل هزلي مثل الصحفي إحسان (أحمد رزق)، وكان يمكناستبعاد أي شخصية من هذه الشخصيات من العمل دون أن يتأثر.
كل هذه الشخصيات تربط بينها مشاعر الهزيمة ثم المهمة التي تم تكليفهم بها وهي القضاء على أكبر موقع للعدو الإسرائيلى فى سيناء، وأثناء تنفيذ العملية تصل معلومة للجنود المصريين بأن الموقع الإسرائيلي به أسرى مصريين وهذا يجعل المهمة تحت الإلغاء والعودة للمواقع المصرية لكن المقدم نور يعرض على القيادة خطة بديلة لاستكمال المهمة ضامنا عودة الأسرى المصريين.
أما الحوار فقد جاء شديد التكلف والافتعال بجمل حوارية مثل التى ترددت فى أفلام سابقة سواء على الجانب المصرى او حتى الجمل المحفوظة عند الشخصيات الإسرائيلية لدرجة تجعل “الممر” خليطا من أفلام حربية سابقة منها ما أخرجه لشريف عرفة نفسه.
أما الأمر الأكثر احباطا في “الممر” فهو استخدام المخرج كادرات وزوايا تصوير سبق أن قدمها في أفلام سابقة له، ففي مشهد اختباء الجنود المصريين داخل الموقع العسكري، استخدم عرفة نفس الحركة الدائرية للكاميرا في مشهد من فيلم “مافيا” يدور في مخزن الجزار الذي يختبئ فيه السقا ومصطفى شعبان ومنى زكى!
ويشبه مشهد المواجهة بين الضابط المصرى والضابط الإسرائيلى الى حد كبير مشهد المواجهة بين كريم عبد العزيز وشريف منير في فيلم “ولاد العم” وكذلك في نهاية المشهد عندما يقوم الضابط المصري بجر الإسرائيلي.
ورغم تميز شريف عرفة الذي قدم صورة سينمائية مبهرة وحرفية عالية فى إخراج مشاهد المعارك بتقنية متقنة لأول مرة في الأفلام المصرية، الا ان مشهد اقتحام الموقع الإسرائيلي رغم أهميته، جاء تنفيذه ضعيفا أقرب الى مواجهة في “عراك” وليس اقتحاما من طرف جيش نظامي، حيث تتركز الكاميرا على كل شخصية من شخصيات “الأبطال” بشكل منفصل وكل منهم ينفذ جانبا من الخطة بشكل فردى، وهو مشهد قريب من مشاهد المواجهات في فيلم “شمس الزناتي” لسمير سيف.
المشهد الوحيد في الفيلم الذي وظف دراميا على نحو صحيح هو عندما يسخر الجنود من أحمد (محمد الشرنوبي) ويطلبون منه أغنية عاطفية نظرا لوجود قصة حب تنمو بينه وبين فرحة (أسماء أبو اليزيد) وهو أحد الأدوار المقحمة على الفيلم أيضا.
غرق فيلم “الممر” في الشكل النمطي التقليدي للأفلام الحربية وأفلام عمليات المخابرات، التي قدمت من قبل، بداية من البناء السردي المفكك والحوار الخطابي والخيوط المنفصلة بين الأحداث والشخصيات. الفارق الوحيد تمثل في تقدم مستوى الصنعة (التقنية).
جاء الأداء أيضا تقليديا باستثناء أداء محمد فراج (القناص هلال) ومحمود حافظ (العريف عامر) بالإضافة الى إياد نصار في دور “ديفيد” رغم نمطية الضابط الإسرائيلي الشرير الا ان أداء إياد نفسه كان جيدا.
قبل نهاية الفيلم بعشر دقائق برز التساؤل” أين الممر بعد أن تجاوز الفيلم الساعتين ولا وجود لأي ممر، وللحظات شردت فى المعنى المجازى للعنوان بأن الممر يعبر عن الفترة الشاقة التي تجاوزها الجيش المصري قبل الانتصار والعودة للحرب وسعدت كثيرا بهذا التفسير. لكن سعادتي لم تدم طويلا بعد أن أعطى المقدم نور (أحمد عز) تعليماته بعمل ممر تعبر من خلاله الدبابة المصرية وسط صفوف دبابات العدو فى مشهد ختامي هزلي غير منطقي ولا يليق حتى بالقواعد العسكرية.