فيلم “المبكى” الكوري.. معاً إلى يوم القيامة

فيلم المبكى (نحيب) The Wailingمن كوريا الجنوبية انتاج عام 2016، عُرض بمهرجان كان في قسم خارج المنافسة بجانب ثلاث أفلام من بينهم فيلم The BFG للمخرج ستيفن سبيلبرغوحصل على عدة جوائز وترشيحات من مهرجانات مختلفة.


أشار المخرج البريطاني ريدلي سكوت من خلال شركته  Scott Free Production  مطلع عام 2017  أنه يُريد القيام  بإعادة صنع الفيلم (Remake) بنسخة امريكية.

مخرج و كاتب الفيلم ( نا هونغ جين ) صاحب فيلم المطارد والبحر الأصفر، يعود بعد غياب ست سنوات بفيلم المبكي بإسلوبة المتميز من خلال فكرة أبدية  صنع منها دراما مشوقة بإسلوب مختلف سوف تجعل العقل يعيد التفكير بها حتى  بعد انتهاء الفيلم.

ينتمي الفيلم إلى نوعية الدراما والرعب والفانتازيا ولكن الرعب هنا ليس كأغلب افلام الرعب الامريكية التي تمتلئ بتلك المشاهد فهو يطرح صورة مختلفة يغلب عليها الجزء الدرامي (رعب نفسي ).

 قصة الفيلم بشكل عام تميل الى أحد أنواع الحكايات الشعبية المشوقة التي تتحدث عن الجن والسحر والتي تُروى داخل بعض القرى المنتشرة في بعض البلدان وهذا ما ميز الفيلم  فالقصة أصبحت على مستوى عام و ليست خاصة ببلد محدد بالإضافة لكونها مطروحة بأسلوب غير معقد عند النظر إليها بشكل عام  وتصبح  ذات بُعد  فلسفي  عند النظر إليها  بشكل خاص من خلال المستوى الثاني من السيناريو والتدقيق في التفاصيل وبعض الجُمل الحِوارية.

تدور القصة داخل قرية في كوريا الجنوبية حول شرطي يعمل بالتحقيق في سلسلة من جرائم القتل يتخللها شيء من الغموض والقسوة وبجانب ذلك تجد الشرطة الأشخاص الذين على قيد الحياة في  وقت وموقع الحادث متحولين لشخصيات فاقدة للعقل قريبه للجنون بعد التحقيق يعتقدون أن سبب سلب عقولهم وارتكابهم للجريمة مرض  متفشي ولكن بعد ذلك يكتشفون أنه بسبب أكلهم لفطر بري سام ولكن في النهاية يصلون إلى  الحقيقة فهي شيء أخر

 بعد انتشار الاشاعات عن تورط رجل من اليابان غريب عن القرية ومقيم بغابة قريبة منها هو المتسبب في سلسلة الجرائم بعد ظهوره. هذا الرجل يحول حياة رجل الشرطة واسرته والقرية الهادئة لنحيب. فالنحيب هنا مستمر وهو ناتج عن الصراع الأزلي والأبدي بين الإنسان والشيطان والمستمر الى يوم القيامة.

التفاني والاسترخاء والمساعدة

ثلاث شخصيات متباعدة في الفكر والطباع.. شخصيتان متناقضتان في النوايا الشيطان والملاك تقع بينهم شخصية رجل الشرطة المتسمة بالاسترخاء، وتتابع الأحداث وتناول الشخصيات في النصف الأول من الفيلم يتسم بالإيقاع الهادئ الإيجابي وذلك لخلق مساحة لرسم الشخصيات وخلق حالة من التشويق بسبب الغموض في الأحداث وبعض الشخصيات (الرجل الياباني والفتاة) والتي تظهر حقيقتهما  في النهاية.

المشهد الافتتاحي شروق الشمس: رجل مُسن (الزائر الياباني – قام بالدور دجون كيناميرا) يقوم بإصطياد السمك سعيد بما يفعله  فبالتالي صبور في الحصول على هدفه وهو ما يتفانى به الشيطان رمي الطُّعم وانتظار ضحيته, يليه مشهد في يوم اخر لمنزل رجل الشرطة (قام بالدور كواك دو ون ) يقوم في الصباح الباكر للذهاب لعملة فهناك جريمة قتل حدثت تستوقفه والدة زوجته التي تقيم معهم في المنزل وتطلب منة بإلحاح ان يأتي لتناول الإفطار قبل ذهابه لنرى بعد ذلك ان الشمس اشرقت ومازال يقوم بالإفطار ويذهب بعد ذلك لمسرح الجريمة ليجد أنه متأخر فهو يقوم بعملة بشكل روتيني وهو بذلك على النقيض من شخصية الرجل الياباني.

إلى بجانب ذلك تظهر صفات شخصيته بشكل  تدريجي وأوضح  من خلال عدة مواقف من احداث القتل والمصابين بالقرية فهي لا تسمح بالتعامل مع المواقف الصعبة أو الاعتقاد في الأشياء الخارقة للطبيعة وهوما يميز الشخصية لإظهار تحولها بعد ذلك  فهي ليست بقوية او مغامرة للوقوف امام الخطر ومواجهته ومن خلالها تظهر شخصية الزائر الياباني وما يميزها الغموض وهو الملائم لجعل المشاهد يتشكك بها فهي غير واضحة في النصف الاول من الفيلم فهو يظهر بأنه إنسان غريب الأطوار من تصرفاته والقصص التي تُروى عنة في الجانب الاخر الفتاة المساعدة (قامت بالدور  تشون وو هي)  لرجل الشرطة التي تحاول لفت انتباهه وتوجيهه إلى مصدر الخطر وألتي تظهر هويتها بنهاية الفيلم مع شخصية الرجل الياباني.


تمرض ابنة رجل الشرطة وتظهر عليها أعراض كتلك التي ظهرت على من كانوا بموقع أحداث القتل يبدأ من هنا تغير مسار الفيلم وتبدأ شخصية رجل الشرطة في التحول من خلال البحث عن الرجل الياباني لإيقافه و طرده وفي نفس الوقت تخبره ام زوجته انها ستحضر الشامان (من يقوم بطرد الارواح الشريرة والتحكم بها )  لإنقاذ حفيدتها.

الشامان والمراوغة
في النصف الثاني من الفيلم يبدأ تبديل الأدوار في التركيز على الشخصيات فتبدأ شخصية الرجل الياباني بالتبلور مع ظهور شخصية الشامان (قام بالدور هوانغ جونغ مين) وهو ما يزيد من التشويق وبالتالي يزيد الإيقاع سرعة في فيلم مدته ساعتين ونصف.


من خلال الشامان يتم كشف بعض الغموض لفتح مسارات لحل المشكلة ولكنها تذهب بالمتفرج في لغز جديد عندما يخبر الشرطي بأن الرجل الياباني ما هو الا شبح لروح شريرة.

 تبدأ المواجهة بين الشرطي والرجل الياباني من خلال الشامان من اجل إنقاذ ابنته من الموت فهو رأى ما حل بمن في مثل حالتها فتتحول شخصيته من الخوف والاسترخاء بشكل تدريجي منطقي وصادق بسبب نقطة ضعفه وهي ابنته لتصبح غايته هي ابعاد شر الزائر عنها  والوقوف امام الروح الشريرة  وهو الى الأن لا يعلم بأنه شيطان.


 يعتمد السيناريو والاخراج على قلب توقعات المتفرج للإبتعاد عن شخصية الرجل الياباني والتشكيك في أنه ليس الجاني ويذهب إلى أبعد من ذلك بإيهام المتفرج للحظات بأنه يحاول مساعدة الشرطي وابنته وذلك باسلوب التوجيه الغير مباشر للمتفرج.

بعض التفاصيل التالية توضح ذلك الانقلاب الدرامي (twist) المبني بحرفيه فهو ناتج عن شخصية وهوية الرجل الياباني. المواقف تتغير فالشيطان يراوغ وهو ما فعلة مع المتفرج يراوغه بإظهار انه مجرد ساحر و انه انسان من تألمه عند سقوطه وعند قيام الشرطي بقتل كلبة وتدمير بيته يُفهم من ردة فعلة وتعابير وجهة بصمتة على أهانته انه رجل طيب ومتسامح  وذلك من أجل النيل من ضحيته وهو ما سوف يتم.


 رؤية المخرج في طريقة استخدامه  لأدواته اتى من خلال الشخصية فهي نابعة منها وليست مقحمة على الدراما وبذلك يكون توجيه المتفرج بطريقة غير مباشرة  وهي من الأساليب الذكية في التنفيذ والمقنعة والممتعة للمشاهد.


 الشيطان والملاك وتجسدهم في هيئة انسان أفعال الانسان الظاهرة بأنها خير من خلال الشامان، التشتت بين الثلاث شخصيات لرجل الشرطة والمتفرج نتيجته عدم معرفة من تواجه و هو المفتاح الحقيقي للشيطان المراوغة في تصوير الخير شر والشر خير تهيئة ذلك من خلاله او من خلال شخص مثل الشامان للوصول لضحيته وهو ما تم بشكل دقيق من خلال السيناريو.

 عدم التوازن بين الخير والشر في ظهور الشخصيتين (عدد المشاهد لكل شخصية منهما على الشاشة)   ظهور الفتاة المساعدة معدود فهو  دائما يأتي في المواقف الحرجة التي تستدعي ظهورها وظهور الرجل الياباني بشكل أكبر يمكن من خلاله  اظهار الخير والشر معاً للإيهام بفعلة للخير ظاهرياً ولو للحظات  ولكن النية عكس ذلك جعل المتفرج في ارتباك وهو بمعنى ايجابي والمقصود من خلاله شد انتباه المتفرج فقد صنع ذلك بإتقان ومنطق شديد التوازن.

الصراع في اللحظة الفارقة في المشهد ما قبل الاخير  يتم التلاعب بالشرطي و المتفرج هل الفتاة هي الشيطان ام الرجل الياباني ؟ , الشامان ما هو الا أداة للشيطان مراوغ مثله اوهم الشرطي بأن الفتاة هي الشيطان بعد ان التقط الشرطي الطُّعم الذي رماة له الرجل الياباني  بأنه مات ومن بعدها تحسنت حالة ابنته الصحية بالإضافة لملابس الضحايا التي كانت مع الفتاة فالحذاء الذي وجدة الشرطي بمنزل الرجل الياباني ما كان الا طُعم اخر لهذه اللحظة ,ارتباك الشرطي في هذا المشهد منطقي فهو في صراع داخلي محاصر بين شخصيتين من الأرواح  ولا يستطيع التصديق ان تتمثل الروح امامة  بشكل انسان من لحم ودم عندما قامت الفتاة بلمسه ( وهو نص كُتب في بداية الفيلم) وليس هو بمفردة  فعند ذهاب الشماس ( خادم الكنيسة – كان يصاحب الشرطي عند الذهاب للرجل الياباني للترجمة له ) لكي يتأكد من شخصية الرجل الياباني  فتحول له من هيئة الانسان الى هيئة الشيطان.

 التفاصيل الخاصة بالشامان توضح هويته المغايرة للحقيقة عندما قالت ابنة الشرطي انها في منامها ترى رجل يطرق الباب ويريد الدخول عندما اتى الشامان بعدها بدأت الحالة الصحية لابنة الشرطي في السوء وبعد ذلك حدثت وفيات أخرى في القرية فالباب قد فُتح بمجيئه وهو تعبير مجازي.


في أحد المشاهد عندما كان يتحدث أحد الشهود ويصف ما كان يرتديه الرجل الياباني علق على الجزء الاسفل من ملابسة الداخلية والتي كانت غريبة عليهم لأنها خاصة باليابانيين من خلال أحد المشاهد والشامان يُبدل ملابسة كان يرتدي ملابس داخلية مماثلة لتلك التي ظهر بها الرجل الياباني.

 
 قيام الشامان بالتقاط الصور للضحايا في المشهد الاخير وسقوط الصندوق من سيارته الذي فُتح وبداخلة صور لضحايا سابقين وهو ما كان يفعله الرجل الياباني.

في نهاية الفيلم الشرطي (البطل) لا يصل لهدفة. المغزى من ذلك يتضح عند ربط المشهد الاخير بالمشهد الاول فأول لقطه في المشهد الاول شروق الشمس يليه الرجل الياباني يقوم بالصيد وهي صورة رمزية لما قاله الشامان بأن الشيطان يرمي الطُّعم ليصطاد ضحيته المشهد الاخير ليلاً الضحية تموت وينتصر الشيطان فإذا تم إعادة المشهد الأول مرة اخرى بعد المشهد الأخير إذا في الصباح التالي يقوم الشيطان باصطياد ضحية اخرى وهو المستمر ليوم القيامة.


Visited 162 times, 1 visit(s) today