فيلم “إيدا”: الصراع بين الالتزام الديني والغريزة
فيلم “إيدا” أحد الأفلام الأجنبية المرشحة للأوسكار هذا العام. وقد حصل على خمس جوائز في مسابقة أكاديمية الفيلم الأوروبي، هي جائزة أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل سيناريو وأفضل تصوير سينمائي إضافة إلى جائزة الجمهور كما حصل على جائزة الأكاديمية البريطانية “بافتا” كأفضل فيلم أجنبي.
تدور أحداث الفيلم في بولندا بعد خمس عشرة سنة من نهاية الحرب العالمية الثانية.. وتدور أحداثه حول ايدا.. الفتاة التي تربت منذ طفولتها في أحد الأديرة. ويصور الفيلم رحله بحث إيدا وخالتها فاندا، عن رفات والد ووالدة ايدا وابن فاندا.
من اللوحة الدعائية للفيلم يتضح الخطين الدراميين الذي يسير الفيلم عليهما: الفيلم مصور بالأبيض والاسود، اما اللون الوردي فهو يمثل ايدا ليس في شخصيتها هي بل سنها فهو لون يرمز للفتيات في هذا السن وهو ما يمثلة الخط الدرامي الثاني.
الخط الدرامي الأول يمثل الشكل العام للفيلم من خلال رحله ايدا وخالتها في البحث ومن خلالها تظهر معاناه اليهود في تلك الفترة وتظهر أيضا نوعيه شخصيتي ايدا و فاندا.
الخط الثاني هو الصراع الداخلي لإيدا ( الغريزة) والتي تتحول منه الشخصية من خلال تفاصيل في رحله البحث ( الخط الدرامي الاول) وهو يمثل الرسم الفعلي للمشاهد الذي تتطور منه القصة والشخصية.
هذا الخط مبني على احداث الخط الأول ويسير الاثنان معا بشكل متوازي، فذهاب ايدا لخالتها مبني على اخبار الراهبة لها بأنها يجب ان تذهب لخالتها لإحضارها من اجل حضور حفل نذر البتولة الخاص بها لأنها الوحيدة الباقية من بين أفراد عائلتها، ثم ما تطلعها عليه من أنها تنتمي لأسرة يهودية، ومن هنا تبدا رحله البحث عن رفات والديها فكما قالت فاندا لا احد من اليهود لديه قبوروفي الطريق يبدأ التمهيد للخط الثاني من خلال الحوار بينهما.
فاندا : أنتِ حلوة.. لديك غمازة جميلة.. ها هي عندما تبتسمين.. الرجال سيجن جنونهم.. أتراودك خواطر مٌحرمة في بعض الأحيان؟
ايدا: نعم
فاندا: اتصال جنسي؟
ايدا : لا
فاندا : للأسف.. عليكِ تجربة ذلك وإلا فأي تضحية هي تلك التي في نذرك البتولي؟
شخصيه فاندا على النقيض من ايدا تماماً فهي تشرب الخمر من سن صغير، وتدخن السجائر ولها علاقات جنسيه متعددة وشخصيتها قوية أو تُظهر ذلك، فهي تعمل قاضيه ولكنها من داخلها على النقيض، وتمارس أسلوب حياتها للهروب من صراعها الداخلي المؤثر عليها نفسياً. أما إيدا فهي فتاه تربت في الدير، شخصيتها ضعيفة، بإستثناء ما يخص ما تربت عليه في الدير يظهر ذلك في احد المواقف عند ذهاب ايدا للكنيسة وامساكها صورة المسيح المشهد التالي فاندا في احد البارات وتمسك كأس الخمر وتشرب بشراهة.
تتوقف فاندا لشابعلى الطريق من هنا يبدأ الخط الثاني حيث يجلس الشاب في السيارة وتنظر اليه ايدا من خلال المرآة الامامية للسيارة.
يَظهر الصراع الداخلي النفسي وشخصيه ايدا بين التزامها وغريزتها وضغط فاندا عليها بترك مبادئها يظهر ذلك كله في عدة مواقف مثل وقوف فاندا بالسيارة امام منصة صغيره عليها صليب لكي تنزل ايدا وتقف من اجل اداء طقوسها الدينية امامة، أو ذهابها للكنيسة وامساكها صورة المسيح، صلاتها عند دخولها الى غرفه الفندق مع صوت جرس الكنيسة، بحثها عن صورة المسيح ووضعها داخل الانجيل في نفس لحظة سؤال فاندا لها أي من الفستانين سوف ترتدي من اجل حضور الحفل فترفض ايدا الفكرة.
الحوار هنا اظهر المضمون بشكل مباشر:
فاندا: أي واحدة تريدين؟
ايدا :لا هذه ولا تلك
فاندا: لن تتوقفي عن التصرف كراهبة.. يسوعك لم يختبئ في كهف مع الكتب بل خرج للعالم..
ايدا: لن أذهب إلى أي مكان..
نوم ايدا بملابس الراهبة اثناء ذهاب فاندا للحفل يعكس تمسكها بمبادئها وخوفها من أن تضعف. بعد انتهاء الحفل تدخل فانداعليها:
فاندا : لن أدعكِ تضيعين حياتك..
فاندا: أنا عاهرة وأنتِ قديسة.. يسوعك هذا فُتن بمن هم مثلي كمريم المجدلية
من هنا تبدأ المرحلة الأولى لتحول ايدا، فخالتها عرفت كيف تدخل لها من منطقها لكي تقنعها برأيها. تنزل ايدا وتجلس مع ذلك الشاب ويتبادلان الحديث بعد سماعها للموسيقى التي يعزفها ولكن ملابس ايدا مازالت كما هي، فالصراع لم ينتهي بعد، فهي ذهبت مرة اخرى للملهى الليلي بنفس الملابس بعد مشهد حديثها مع الرجل الذي قتل والديها، ففي نهاية هذا المشهد نسمع موسيقى الشاب القادمة من الملهى كأنها تنادي عليها فتذهب له وهنا تبدأ مرحلة جديدة من الصراع عندما تقابل الشاب ويقول لها: ليست لديك فكرة عن مدى تأثيرك؟ أليس كذلك؟ يليه مشهد إيدا وهي تقف أمام المرآة وتخلع غطاء رأسها.
عند عوده ايدا للدير يتغلب عليها الصراع وتقرر الرجوع مره اخرى والدخول في التجربة الجديدة، ويظهر ذلك عند وقوفها امام تمثال المسيح لتخبره لأنها غير مستعدة، ثم نراها في الحفل وهي تبكي.
تذهب ايدا لمنزل خالتها بعد انتحار الخالة، وعند تشغيلها للموسيقى تحل ايدا محل خالتها في الشخصية فهي الآن تشرب الخمر وتدخن السجائر وتلبس الملابس التي رفضتها قبل ذلك، وتقيم علاقه مع ذلك الشاب. والان قامت ايدا بالتجربة كاملة، وهي هنا اصبحت صاحبة القراراما أن تكمل أو تعود للدير مرة اخرى. وبالفعل تعود بعد عدم اقتناعها بتلك الحياة من خلال حوارها مع ذلك الشاب.
استخدام حركة الكاميرا والموسيقى والايقاعكل ذلك مبني دراميا على الشخصية وتحولها وصراعها، فشخصية ايدا تتسم بالجمود لذلك جاء ايقاع الفيلم بطيئا نسبيا باستخدام لقطات ثابتو طويلة مع الكثير من لحظات صمت.
هناك لقطتان ومشهدان استخدم المخرج فيهما حركة الكاميرا بشكل درامي ناتج من الشخصية. اللقطة الأولى من وجهة نظر ايدا وهي في الحافلة ذاهبة إلى خالتها تتطلع الى الحياة التي لم ترها من قبل وهي تتحرك امامها. واللقطة الثانية من وجهة نظرها ايضا وهي في السيارة مع خالتها تنظر للحياة وهي تتحرك ويبدو عليها التفكير.
المشهدان الاخيران بعد تحول الشخصية أي بعد أن اصبحت إيدا صاحبة قرار تتحرك الكاميرا مع ايدا بإيقاعها السريع في المشي مع موسيقى تسمع لأول مره بالفيلم وليس من داخله.