“عين على السينما” عوالم السينما بنقرة زر
ننشر عنا مقالا جديدا للكاتب المغربي د. مهدي شبو، كشهادة شخصية على موقع “عين على السينما: بمناسبة تجاوز الموقع العشرية الأولى من عمره. وسنوالي نشر باقي الشهادات تباعا.
هل ثمة اليوم حاجة لإصدار دورية موجهة لقراء السينما من العرب؟ وقبل هذا السؤال هل ثمة حاجة أصلا لنقد سينمائي في عالم عربي محكوم بضعف المقروئية؟ وإذا تعامل الناشر بإيجابية مع هكذا مغامرة، فماهو الخط التحريري الذي يمكن اعتماده في عالم رقمي ميزته غزارة المحتويات التي تصيب القارئ بالحيرة والدوار؟
حضرت المجلات السينمائية دائما في مشهدنا الثقافي والإعلامي، وتوزعت بين المجلات ذات الصبغة التجارية التي تقوم على البعدين الإخباري والترويجي، والمجلات الفنية التي تزاوج بين النقد والتنظير للسينما.
على أن القاسم المشترك بين الصنفين؛ أن المجلة عادة ما تبدأ واعدة، لتتوقف بعد بضع أعداد تحث إكراهات عدة؛ مصير محتوم لم تسلم منه إلا بضع مجلات كانت مرتبطة في أغلبها بالهيئات الرسمية العربية كوزارات الثقافة وهيئات الكتاب ومؤسسات السينما .
والحقيقة أن مطبات استمرارية المجلات السينمائية المتخصصة كثيرة، فمن باب الفضيلة، ينبغي الاعتراف بأن قراء السينما موجودون، لكنهم لا يصلون إلى تشكيل كتلة معتبرة باستطاعتها أن تضمن الاستمرارية لدورية ورقية في سوق محكوم بإكراهات النشر من ارتفاع تكاليف الطباعة والنقل وعمولات التوزيع مع ما يصاحب الإصدار من تراكم الخسائر وكثرة المرتجعات.
تجد دوريات السينما قراءها من أهل الاختصاص؛ من فنيي السينما بمختلف تخصصاتهم، ومن النقاد لأن من صميم عملهم متابعة الحركة النقدية، ومن العشاق الذي تواضع عالم السينما على تسميتهم بالسنيفيلين، دون إغفال القراء العرضيين الذين يبحثون عما كتب عن فيلم قبل المشاهدة أو بعدها، عينة جديدة أصبح يراهن عليها متخصصو التسويق لتوسيع قاعدة القراء التقليديين للسينما.
عمليا ثمة طريقتان للإصدار الدوري للسينما، إحداهما طريقة المقاولة الصحافية، وهي أن يصدر الناشر دوريته بطاقم تحرير محترف يتكفل بالمادة النقدية والإخبارية من ألفها إلى يائها، وبالطبع لن نكرر القول إن هكذا محاولة تتطلب رأسمالا وموارد مستدامة تجعل كل مغامر ينكص على عقبيه، بجانبها سادت الطريقة العصامية في الإصدار؛ وهي أن يصدر الناقد أو الباحث أو الهيئة دوريته معتمدا على مجهوده الشخصي ومُعولا من جهة على التسويق لتغطية التكاليف دون أن يمتد طموحه إلى تحقيق ربح، ومُراهِنا من جهة أخرى على شبكة علاقاته وعلى مناضلي السينما الذين يكتبون للفن ولأجله دون أن ينتظروا مقابلا ماديا عن مجهودهم .
مرة، اشتكى ناقد مغربي معروف كان قد ركب مطية الإصدار العصامي، من قلة المادة المكتوبة التي يتلقاها، فحين تعلن عن إصدار جديد، ُيبادرك زملاؤك بالتشجيع وبوعود بالتعاون وبوصايا برفع السقف وعدم التعاون مع الهواة، لكن حين يجِد الجد تجدهم يتبخرون كالهواء، بالمقابل حين تبحث بالصدفة عن أعمال بعض النقاد العرب وأنت تعتقد أنهم كفوا عن الكتابة، تفاجأ بأنهم موجودون في المواقع الخليجية التي تدفع بالدولار، وهذه الملاحظة ليست دعوة للكتابة النضالية ولا تنقيص ممن يثمِنون مجهودهم، ولكن الأمر مجرد الرغبة في تقديم شواهد على صعوبات الإصدار العصامي الذي يراهن على التعاون التطوعي.
أكد أجزم بأن كل هذه الأسئلة لابد أن تكون قد دارت في خلد الناقد الكبير أمير العمري، وهو يعد مشروع موقعه “عين على السينما ” العام 2011، فقد خبر الصحافة المقروءة والمسموعة في المهجر، وهو من أوائل المثقفين العرب الذين تواجدوا على شبكات التواصل الاجتماعي، وربما لهذا السبب أدرك مبكرا بأن المستقبل للنشر الرقمي، وأن الدعامة الورقية آيلة إلى الزوال.
إذا فاضلنا بين الورقي والرقمي، نجد أن دعاة الورق يركزون على الوجود المادي للمادة المكتوبة، بحيث يمكن أن تتحسسها وتتعامل معها بنوع من الحميمية وأنت تقرأها، ويمكن أن تضعها في رف تقع عيونك عليه بخلاف إذا ما ظلت في غياهب سيرفر على الشبكة أو في قرص صلب داخل حاسوب.
على أن هذا المديح للورقي، لا يصمد أمام عيوبه، فإذا تجاوزنا ما سبق التنويه إليه آنفا من الصعوبات المادية التي تعترض الناشر، يبقى عيب الورقي أنه يطوى بعد القراءة ويُجمع من الأكشاك فلا يمكن الوصول إليه بعدها إلا في خزانات الكتب أو الأرشيفات اللهم إذا كان الباحث قد اقتنى نسخة واحتفظ بها، أما ميزة الرقمي فتتمثل في أنه متاح باستمرار؛ حيث تقودك إليه محركات البحث على الشبكة مُوجهة بالكلمات الدلالية.
في خضم التجاذب بين الورقي والرقمي الذي ساد العالم كله حينها، انطلق موقع “عين على السينما “، وسرعان ما استقطب خيرة النقاد في مصر والعالم العربي، فإلى جانب بعض الأسماء التي صنعت صيتها في عالم النقد، ثمة أسماء أخرى تعرف عليها القارئ لأول مرة من خلال الموقع، بل إن بعضها عبرت من هذا الموقع إلى آفاق أرحب في النقد والكتابة.
في غضون عشر سنوات حقق موقع “عين على السينما ” تراكما معتبرا ، يكفي أن ما من باحث يبحث اليوم عما كتب عن فيلم باللغة العربية، إلا وتقوده محركات البحث إلى الموقع.
يسجل للموقع أيضا غلبة بينة للنقدي على الإخباري، وهي ميزة، لأن الإخباري آني وسرعان ما يستهلك ويطويه النسيان بمرور الحدث، فيما يظل النقدي مصدرا يُرجع إليه في كل وقت وحين.
بمراجعة بسيطة للشق النقدي والتنظيري في “عين على السينما”، يلاحظ أن كتاب الموقع خصوا الأفلام الأجنبية بدراسات أكثر من نظيرتها العربية؛ ظاهرة لا يمكن أن تصب إلا في تحقيق رسالة الموقع وخطه التحريري المتمثل في نقل عيون السينما العالمية إلى قراء السينما باللغة العربية، دون أن يعني ذلك إغفالا للسينما العربية التي حظيت في نطاقها الأفلام المصرية بنصيب القدح المعلى من النقد والمتابعة؛ واقع إن كان يزكيه الحضور العددي للنقاد المصريين مقارنة بنظرائهم من العرب، والتأثير السحري الذي ظل الفيلم المصري يمارسه على الوجدان العربي حتى اليوم، إلا أنه ينبغي الاعتراف بأن صدى الأفلام العربية غير المصرية نادرا ما يجاوز حدودها الإقليمية مما يحد من مشاهدتها وتلقيها بالنقد.
قد يؤاخذ البعض على الموقع، تسليط الضوء – حتى دون وعي أو توجيه – على الأفلام الجميلة ذات القيمة الفنية والجمالية أكثر من غيرها، فقد حدث أن حظي فيلم أو عدة أفلام بعشرات الدراسات، فيما مرت أعمال كثيرة دون أن تحظى بالتفاتة من كتاب الموقع.
والحقيقة أن هذه الظاهرة ليست قاصرة على موقع “عين على السينما ” وحده، وإنما هي ظاهرة مشهودة في العالم كله، وإلا لماذا حظيت أفلام من مثل ” المدرعة بوتمكين” أو “المواطن كين” بآلاف الدراسات في الشرق والغرب، ومرت أفلام جيدة هنا وهناك دون أن تثير فضول النقاد والدارسين.
لاشك أن موقع “عين على السينما ” مر مثل غيره بفترات صعود وهبوط ناجمة عن التجاذب بين الحركية والخمول اللذين تشهدهما الحركة النقدية، فقد تمر فترات دون أن تنشر مواد، وتأتي أيام وأسابيع، يعجز فيها القارئ عن متابعة كل ما ينشر من جديد.
يطفئ موقع “عين على السينما ” شمعته العاشرة، وقد حقق المكسب- التحدي الذي هو الاستمرارية في مجال ظل محكوما بكل العوامل التي تحبط أية عزيمة حديدية ، والأكيد أن أشياء كثيرة من تلك التي ميزت بداياته الأولى قد تغيرت، ومنها تمثيلا لا حصرا الهيمنة الملحوظة للسمعي البصري على المكتوب والمقروء، وهنا يمكن أن يتطور الموقع في العشرية المقبلة في هذا الاتجاه خاصة أن مستقبل النقد السينمائي يظل في تقدير كاتب هذه الشهادة في النص المتشعب الذي يكفل قراءة نصية ومشاهدة بصرية متزامنتين .
إذا كانت السينما قد حققت الحلم الأزلي للإنسان في توثيق الحلم والواقع معا، فإن موقع “عين على السينما” حقق حلم هواة السينما العرب في تقريب عوالمها بلغة الضاد بمجرد نقرة زر.
- كاتب من المغرب