“المطاريد”.. كوميديا عن الكرة غير كروية

Print Friendly, PDF & Email

محمد كمال

صناعة فيلم كوميدي خفيف الظل لا تعني تجاهل القائمون عليه التفاصيل الدقيقة أو حتى العادية التي هي أساس القضية أو الموضوع الذي يتم طرحه، فهذه الأمور حتى وان كان صناع الكوميديا قد يعتبروها غير أساسية وأن تقديم الكوميديا يجب ان يحتوي على بعض من الخيال أحيانا والمبالغة في تاره أخرى لكن عندما يتعلق الأمر بكرة القدم التي هي اللعبة الشعبية الأولى سواء في العالم أو حتى مصر فمن المفترض ان تلك التفاصيل يجب أن تكون ضرورية لأننا شعب كروي بالفطرة.

وهي النقطة الأساسية التي غابت عن صناع فيلم “المطاريد” خاصة الثنائي كتاب السيناريو صلاح الجهيني وأمين عزت، والفيلم بطولة أحمد حاتم، تارا عماد، إياد نصار، محمد محمود، محمود حافظ، محمود الليثي وطه الدسوقي ومن إخراج ياسر سامي في تجربته الأولى في السينما بعد تقديمه أربعة مسلسلات وعدد من الأغنيات الفيديو كليب.

أحمد حاتم ممثل شاب يسير بخطى ثابتة وواثقة على مستوى البطولة المطلقة منذ فيلم “الهرم الرابع” عام 2016 الذي أعاد له بريق “أوقات فراغ”، وبعد ذلك التركيز في المزج بين اللايت كوميدي والرومانسية بداية من أفضل أفلامه وواحد من أفضل الأفلام الرومانسية في الأعوام الأخيرة “قصة حب” في 2019 مرورا ب “الغسالة ثم “عروستي” في 2021 ثم العودة للبطولة الجماعية في “ليلة قمر 14” العام الماضي.

وتلك التجارب السابقة الجيدة في المجمل كانت السبب الأول للحماس تجاه فيلمه الجديد “المطاريد”، والسبب الثاني المعرفة الشخصية باهتمام أحمد حاتم بكرة القدم سواء ممارس لها أو مشجع ومتابع جيد لكن يبدو أن حاتم ترك مصيره بين أيادي فريق العمل الفيلم الذين مع الأسف يبدو أن علاقتهم بكرة القدم ليست بأفضل حال، وفي حقيقة الأمر من الصعب تحديد هل ما قدم في الفيلم كان تجاهل لتلك التفاصيل الدقيقة الخاصة بكرة القدم للاهتمام بتقديم الكوميديا فقط أم تغافل وعدم معرفة؟

يحتوي الفيلم على جرعة كبيرة من الكوميديا تتراوح في جودتها بين مشاهد وظفت فيها الكوميديا بشكل درامي مقبول وأخرى كانت تحتوي على كوميديا مقحمة بلا أي منطق أو مبرر وتلك التوليفة من الممثلين كان يمكن أن تتم الاستعانة في فيلم يظهر بشكل أفضل ما خرج عليه خاصة وأن الفكرة الأساسية للفيلم يمكن تطويعها لذلك، بدلا من أن تخرج كوميديا عن كرة القدم لكنها ليست كروية.

تتواجد نقطتان الأولى بشكل عام الفكرة الرئيسية للفيلم تقليدية سبق وان قدمت من قبل في أعمال سينمائية أخرى حول الشاب الذي يجد نفسه متورطا في الحصول على ميراث والده يتعلق باهتمام الوالد وعلى النقيض لا يمثل هذا الأمر إعجاب الشاب ثم تبدأ رحلة التصالح بشكل تصاعدي مع هذا الميراث.

والنقطة الثانية الخاصة بفيلم “المطاريد” نفسه فهو خليط من مجموعة أفلام سابقة تناولت كرة القدم في حبكتها الرئيسية مثل “كابتن مصر” عام 2015 حول فكرة فريق كرة قدم من أنصاف الموهوبين أو المهمشين، والمسلسل الأمريكي “Ted Lasso” من خلال فكرة تولي مدرب غير متخصص بكرة القدم مسئولية تدريب فريق كروي.

لكن البداية والالتماس الأكبر كان من خلال فيلم “4 – 2 – 4” للمخرج أحمد فؤاد عام 1981 حيث يجد صلاح العائد من الولايات المتحدة الأمريكية بعد وفاة والده أنه ترك له النادي ميراث له ثم النقطة الثالثة التي تطابقت مع الفيلم رحلة اختيار هؤلاء اللاعبين.

في النقطة الخاصة باختيار لاعبي الفريق كان هناك التماس أيضا مع الجزء الثاني من مسلسل “الكبير قوي” الخاص بتكوين فريق لكرة القدم الأمريكية في المزاريطة وتوظيف مواهب هؤلاء اللاعبين لخدمة الفريق، والتشابة بين العملين ظهر أكثر في اختيار شخصية لص يعتمد في مهنته على الركض لهذا يتم تطويع الأمر للإستفادة به في الملعب، وهو دور “باتا” الذي قدمه في الفيلم طه الدسوقي.

جاء اختيار شخصية الأب الراحل ليكون يونس شلبي (ويحسب للفيلم إهداء الفيلم له) من ناحية موفق جدا حيث الربط بين الفيلم السابق “4 – 2 – 4” الذي ورث فيه النادي من والده أمين الهنيدي، ليكون صلاح في “المطاريد” هو الابن والامتداد لنفس التجربة لكن من ناحية أخرى لم يكن التأسيس للأحداث معبر عن طريق العرض على الشاشة فقد كان هذا الربط الجميل كإطار فقط لكنه كان يحتاج إلى بعد درامي ليخرج بصورة أفضل تكون خير بداية للحبكة الجديدة.

يجد صلاح بعد العودة أن والده ترك له عدد من الممتلكات يأتي في مقدمتهم نادي اتحاد الدلتا أو كما يلقب “المطاريد” الذي يمتلك فريق ينافس في دوري الدرجة الثانية “المظاليم” وهذا النادي كان الاهتمام الأول للأب في الماضي وكان أيضا سبب في توتر العلاقة مع ابنه الذي حضر معه المبارة التي على إثرها هبط الفريق من الدوري الممتاز مما خلق حاجز بين الأب والابن

لم يصبح أمام صلاح أي فرصة سوى أن يعيد بناء الفريق حتى يستطيع بيعه لأحد المستثمرين ويحصل صلاح على المقابل المادي ويعود للسفر مرة أخرى، ويستعين صلاح بفريدة التي تعمل في النادي ويعقد معها اتفاق لتكوين الفريق وجلب لاعبين جدد.

في النصف الأول من الفيلم نجد أنفسنا أمام مشاهد كوميدية نشعر وكأنها مجتزئة أو غير مكتملة السياق رغم أن الشخصيات تم رسمها بشكل جيد واختيارها دقيق كان يمكن أن تخرج منهم الكوميديا بشكل أفضل حتى وان جنحت الحبكة للهزلية بعض الشئ لكن ظل مستوى الكوميديا المقدمة أمامه حاجز كبير للوصول للمشاهد رغم تنوع أفراد اللاعبين المختارين ما بين جابر العجوز وسيد دكة “حارس المرمى صاحب الصفر مباريات” والحافي الذي يلعب الكرة بدون حذاء، وبويكا “العصبي” ويونس “ابن الناس الكويسين” وباتا “اللص” ونبلة “الشبح”، جاء النصف الثاني أفضل سواء على مستوى الأبعاد الدرامية والربط بين تفاصيل الحبكة أو على مستوى الكوميديا المقدمة من الأبطال وفي مقدمتهم أحمد حاتم رغم أن توقع الأحداث لم يكن صعبا.

تظل أزمة الفيلم الكبرى كانت في المشاهد المتعلقة بكرة القدم نفسها والتي هي محور الفيلم حتى لو اتفقنا على الجنوح إلى الهزلية والمبالغة لتقديم الكوميديا وهو أمر مقبول لكن عدم الالتزام بتفاصيل دقيقة تتعلق باللعبة أو قوانينها أو أسلوب إدارتها وما هو الحال في دوري المظاليم أمر لم يكن في صالح التجربة ككل، فتلك المشاههد لم تكن كوميدية لدرجة الإضحاك أو أنها جادة في توظيفها الدرامي لهذا خلقت حالة من الارتباك.

كان الأداء التمثيلي جيد جدا لمعظم الأبطال لكن لم يسعفهم السيناريو لإخراج كل ما لديهم خاصة وأن كل واحد منهم يمتلك قدرات كان يمكن الاستفادة منها في تلك الحبكة خاصة أحمد حاتم الذي جاء أدائه الكوميدي مميز في عدد من المشاهد خاصة التي جمعته بخطوط شخصيات فريدة ونبلة وبويكا تحديدا وأيضا المشاهد المتعلقة باستخدام السحر والشعوذة في المباريات، ونفس الأمر تارا عماد التي قدمت دور جيد على مستوى الكوميديا واجتهدت جدا لتخلق تفاصيل خاصة بالشخصة التي تقدمها.

حاول صناع الفيلم خلق حالة إنسانية من خلال شخصية حارس المرمى سيد دكة وابنته التي لا تسمع ولا تتحدث لكنها أيضا ظهرت بشكل غير مكتمل وكأنها مبتورة، لكن يظل سؤال دكة هو الأهم على مستوى كرة القدم، لماذ اعتدنا على قول خطط المباريات 4 – 4 – 2 بدون ذكر حارس المرمى فمن المفترض أن تبدأ الخطط بالرقم 1 على اعتبار أن حارس المرمى جزء أساسي من خطة أي فريق، ووفق الطرق الجديدة حاليا يعتبر حارس المرمى مشارك أساسي في بناء التحول الهجومي والتدرج بالكرة من المناطق الدفاعية، لهذا فاقتراح سيد دكة واقعي ومنطقي ويستحق التوقف أمامه.

Visited 3 times, 1 visit(s) today