رؤية صينية مضادة لفيلم “مولان” الجديد

من فيلم "مولان" الجديد المثير للجدل من فيلم "مولان" الجديد المثير للجدل
Print Friendly, PDF & Email

بقلم: جينجان يونغ

ترجمة: رشا كمال

لن نبالغ بالقول بوقوع الكثير من الأحداث منذ إصدار ديزني الإعلان الدعائي لنسختها الحية الجديدة من فيلم “مولان” العام الماضي، وذلك بعد فترة وجيزة من الزوبعة التي أثارها قانون هونغ كونغ القاضي بتسليم المجرمين، مما أدى إلى اشتعال الاحتجاجات المباشرة.

وتصدرت اعتداءات هونغ كونغ المستمرة على الديمقراطية، وعمليات إلقاء القبض على نشطاء معسكر مناصري الديمقراطية ومحرري الأخبار وكذلك المشرعين الحكوميين عناوين الأخبار العالمية.

ومع تأجيل عرض الفيلم في صالات دور العرض بسبب جائحة كورونا، يشهد عرض الفيلم الآن أجواء سياسية مختلفة تماماً.

قد يبدو الفيلم للوهلة الأولى فرصة ضائعة امام هوليوود لاستكشاف التاريخ والهوية الصينية، فهو عرض سطحي ومشوش عن القومية الصينية بمزيج من ميزانسين تاريخي صيني وحركات من فنون الووشيا القتالية بحس استشراقي ردئ تصاحبه حوارات متكلفة، بل وأصبح أايضا مثار للجدل بسبب خلافه مع معسكر مناصري الديمقراطية ونشطاء حقوق الإنسان حول العالم.

مازلت أعشق بلا خجل نسخة الرسوم المتحركة للفيلم من عام 1998، ومدى انعكاسه لتعقيدات نشأتي كفتاة نصف صينية لأبوين مهاجرين من الصين الأم، وتربيتي في هونغ كونغ المستعمرة البريطانية السابقة حيث كانت مواضيع التأقلم والتصالح مع هويتك الشخصية، والضغوط لتصبح مصدر فخر لعائلتك تمثل حزمة فريدة من نوعها.

من الواضح تجاهل دور الكاتبة الأمريكية الصينية ريتا هسياو ومساهمتها مع فريق كتابة سيناريو الفيلم عام 1998، حين أضافت للفيلم خبرات وتجارب الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين، وذكائها في تضمين إحالات طريفة عن الثقافة الكانتونية في الفيلم.

من فيلم الرسوم القديم

تحافظ النسخة الجديدة من فيلم “مولان” على معظم الخطوط العريضة للنسخة الاصلية مع حذف عناصر رئيسية من فيلم الرسوم المتحركة ومنها شخصية موشو التنين الساخر والعلاقة الرومانسية بين مولان والضابط لي شانغ (الذي أصبح الآن رمزا لازدواجية الميول الجنسية)، فقد تم استبدالهما بشخصية الأخت التي لا جدوى من وجودها، وطائر العنقاء الذي لا يفعل أكثر من إشاعة جمال المنظر، وشخصيتين شريرتين جديدتين هما بوري خان الذي قاد بدوره الممثل جايسون سكوت لي، وشخصية قائد من رجال البدو، وساحرة تدعى زيان ليانغ قامت بدورها الممثلة غونغ لي ووظيفتها تجسيد شخصية مضادة لشخصية مولان. واستطاعت غونغ لي سرقة الفيلم ببراعة عبر ظهورها في عدة مشاهد مشحونة بالتوتر الجنسي بينها وبين مولان ( ليو يي فاي) ومحاولاتها استدراج مولان إلى الجانب المظلم. ولكن يبدو أن هذه المشاهد هي أكثر شيء مثير في الفيلم.

ومن الأمور التي أثارت جدلا كان قرار كتاب السيناريو الأربعة بتجريد بطلتنا من اي عيوب ومنحها قوة غامضة عن طريق إعادة استخدام عنصر من وحي الثقافة الصينية يسمى “تشي” Qi ويترجم إلى “الهواء” أو “النسيم” ويصفه الفلاسفة بأنه نوع من الطاقة أو قوة الحياة الكونية التي توجد داخل جميع الكائنات الحية، وليست قوة فردية غامضة. (قبل وفاته كان أبي المولود في بكين يحتضنني عندما أشعر بالغضب، للتخلص من طاقة تشي السلبية).

نجد في الفيلم أن قوى “تشي” تمنح مولان قوة جسدية خارقة على عكس البطلة العادية المراهقة في فيلم الرسوم المتحركة، والتي كانت تبذل اقصى جهدها لتنجح في أداء مهام الجندي، في حين أن مولان الجديدة ضليعة في هذا الشأن. فمولان الطفلة بارعة بالفعل في استخدام السيف كالمحاربين، بل وتستطيع الطيران ايضاً. وحقيقة امتلاك مولان لتلك القوى تتكرر كثيرا طوال الفيلم رغم عدم استكشاف الفيلم لها بأي شكل.

غونغ لي الساحرة الشريرة في “مولان”

وهناك تعديلات أخرى لا تغتفر في هذه النسخة، فالصين لديها معتقد قديم هوgǔ wéi jīn yòng معناه فليكن الماضي في خدمة الحاضر. تم تناول اسطورة مولان عدة مرات، وقد خضعت أصول الشخصية للتغيير في كل مرة حيث اجمع المؤرخون أن مولان كانت عضوة في شعب شيانبي المنغولي الأصل، ممن كانوا يعيشون في شمال الصين في القرن الخامس الميلادي، وبمرور الوقت خضعت هويتها البدوية للحذف والاستبدال بجعلها تنتمي الى عرق “الهان” المهيمن. لذا من السخرية ادعاء أن شخصية مولان الجديدة هي نسخة طبق الأصل من الاسطورة الحقيقية في نفس الوقت الذي تضيق فيه الصين الخناق على هوية الثقافة المنغولية وسجن وإعادة تأهيل أهالي شينجيانغ الأويغور.

لم ينكر صانعي الفيلم أيضا سعيهم لإرضاء الرقابة الصينية، فقد ذكر مقال في مجلة “هوليوود ريبورتر” أنهم تمادوا كثيرا في حذف وتعديل مشهد عاطفي بالفيلم.

غير أن الخلاف حول النسخة الجديدة من الفيلم بدأ بعد إعلان بطلته الصينية المولد حاملة الجنسية الأمريكية ليو يي فاي، دعمها شرطة هونغ كونغ وذلك بعد ارتكاب الشرطة أعمالا وحشية ضد المتظاهرين في العام الماضي.

ومن هنا انطلقت شرارة حملة “قاطعوا مولان”، والتي اشتعلت مرة أخرى مع عرض الفيلم الاسبوع الماضي في دول أخرى مثل تايوان وتايلند وهونغ كونغ مع تظاهرات في عدة دول اخرى، وهذا يرجع ايضاً لتصوير اجزاء من الفيلم في مقاطعة شينجيانغ.

وتجنب رئيس المكتب الإبداعي في شركة ديزني في احدى مناقشات الطاولة المستديرة مؤخرا سؤالا بخصوص العواقب السياسية لتصريحات بطلة الفيلم معللا “ليس من الصعب التسبب في إزعاج شخص ما في مكان ما، نحن لسنا سياسيين.”

ولكن سواء أعجبهم الأمر أم لا، فإن “مولان” قد أصبح فيلما سياسيا، ورمزا لسياسات هوليوود المستمرة في خطب ود الحزب الشيوعي الصيني من أجل التمويل وعائدات شباك التذاكر، رغم انتهاكات الحكومة الصينية حقوق الإنسان.

لقطة من الفيلم الجديد

ويرجع سبب تميز النسخة الأصلية للفيلم إلى نجاح صناعها في الدمج بين الجانبين التجاري والفني، فالفيلم القديم لم يحاول أن يكون أكثر من كونه فيلما موجه للأطفال، حكاية حميمية عن الشجاعة والهوية بلمسة عالمية ورسالة نسوية قوية.

ولكن من الواضح أن النسخة الجديدة كان هدفها حصاد أكبر قدر من الإيرادات في شباك التذاكر الصيني، وانتهى الأمر بدعمه لسياسات وأهداف الحكومة الصينية.

ومع ذلك وقع الفيلم في أسر مظهره المبهرج وتقليده للحضارة الصينية القديمة- باختصار، فالفيلم قطعة سينمائية مبهمة، تماما “كالجانب المظلم من القمر”!

عن صحيفة “ذي غارديان” البريطانية بتاريخ 7 سبتمبر 2020

Visited 75 times, 1 visit(s) today