عندما يكون الاقتراب مميتا والابتعاد مستحيلا

لقطة لبطلي الفيلم لقطة لبطلي الفيلم

يلائم هذا الفيلم أجواء هذه الفترة التي يعيشها العالم جراء كوفيد 19 ابتداء من عنوانه “خمسة أقدام بيننا” Five Feet Apart الذي يرغّب في الإبقاء على المسافات الآمنة بين الناس حتى وهو يعني بشكل خاص توجيهات الأطباء للمرضى الذين يعانون من التليف الكيسي والذين يجب أن يتباعدوا على الأقل 5 أقدام عن بعضهم البعض لتقليل خطر الإصابة بالعدوى كما يلائم هذه الأجواء بالنظر إلى أنّ معظم مشاهد الفيلم تم تصويرها في المستشفى بغرفه وأروقته وأطبائه وممرضيه. الفيلم الذي كتبه توبياس لاكونيس وميكي دوتري وأخرجه جاستن بالدوني (2019) في تجربته الأولى مع الأفلام الطويلة بعد تجارب قليلة في المسلسلات التلفزيونية والأفلام القصيرة يستمر خلال 112 دقيقة في تقديم قصة رومانسية درامية بين مراهقين مقيمين في المستشفى.

يبدأ الفيلم ببضع كلمات حول أهمية اللمس، سواء كانت مداعبة أو قبلة ويصف الفيلم بأنها أول شكل من أشكال التواصل لدينا، إيماءات بسيطة في الحياة لا تستطيع ستيلا غرانت (هالي لو ريتشاردسون) التي تقضي أيامها في تنظيم أدويتها، وإنشاء مقاطع فيديو على اليوتيوب لمشاركة حياتها اليومية أن تتشاركها مع صديقتها المفضلة أو مع ويل نيومان (كول سبراوس) بسبب مرضها. هذه العلاقة بالذات هي ما يعطي للقصة بعدها العميق إنه فيلم يتحدث عن الحياة والموت والأسرة والتضحية، كل ما يجعل الأصحاء ممتنين كثيرا للصحة التي ينعمون بها.  

ستيلا شجاعة للغاية وقوية، لا تشعر بالأسف على مرضها ولا تشكو وبالطبع، فهي تجمع بشكل رائع بين الإرادة الشابة والجميلة. ويل مراهق لا يهتم بمرضه، ويخاطر، ولا ينجح علاجه، لذلك يستغل اللحظات الأخيرة التي بقيت له في بمقابلة ستيلا سيكون له الحق في حبها شريطة أن يأخذ علاجه وهذا ما سيفعله. كلاهما سيقع بجنون في حب الآخر دون الحق في اللمس أو التقبيل. لا يُسمح لهما بالتواجد معًا إلا إذا كانا على مسافة آمنة، سيعيشان مغامراتهما المجنونة وعندما تتاح لـستيلا فرصة الحصول على رئتين جديدتين، سوف يتعلم أن علاجه لا يأتي بأية نتيجة إيجابية

يا له من درس عظيم في الحياة، الشجاعة، الإرادة، قتال كل ثانية مع جسدك! الممثلان الرئيسيان يقدمان لنا خدمة استثنائية هنا! تحفة! وهذا يوضح لنا أنه يجب علينا الاستمتاع بكل لحظة من الحياة ، سواء مع العائلة أو مع أصدقائنا أو مع “حبنا الكبير” يظهر لنا الفيلم قليلاً عن الحياة اليومية للمرضى ، ويظهر لنا العلاج الذي يجب أن يأخذوه ، ومخاطر التقارب مع شخص يعاني من نفس المرض وهو يتمتع بميزة المعالجة بأمانة وصراحة، يبدو من خلالها اطلاع كافٍ للكاتبين حول المرض من خلال قصة حب دون أن تتحول إلى رثاء ولا إلى درس وموعظة ، للإشارة فإنّ المخرج جاستن بالدوني سبق له أن قدم سلسلة من الأفلام الوثائقية بعنوان “أيامي الأخيرة” “My Last Days” والتي أنتج منها أيضًا العديد من الحلقات تتبع فيها الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة وبعد أن منحهم صوتًا في أعماله السابقة عاد وأشاد بهم بطريقة أو بأخرى في هذا الفيلم جنبا إلى جنب مع الأطباء وطاقم التمريض. والفيلم يحكي لنا كيف أن المرض لا يرحم ويأخذ الحياة من الإنسان وهو في زهرة عمره وفي الوقت ذاته يقول لنا أنّ في حياتنا دقائق يمكن أن تتمدد شعوريا لتكون بديلا عن سنوات. تلك الدقائق هي بلا شك دقائق القلب وهو ينبض بالحب.

الفيلم كُتب بجمالية وحرفية عالية. الفهم الجيد للمرض وأساليب الوقاية ومحاولات العلاج، دور الأطباء وفريق التمريض، دور المريض نفسه وعائلته، أشار لها الفيلم بوعي وحساسية فائقة. التوعية التي مارسها الفيلم، ليس بالنسبة لهذا المرض وحده ولكن لأي مرض يمكن أن يتعرض له الإنسان، كانت إلى جانب قصة الحب مزيج جميل أخرج لنا عملا موفقا يمكن مشاهدته عدة مرات واكتشاف مناطقه المشعة الكثيرة في كل مرة.

Visited 103 times, 1 visit(s) today