عصا “شابلن” وقفص “الديكتاتور”

“البداية” عنوان فيلم  كتبه لينين الرملي وأخرجه صلاح أبو سيف عام 1986، ورغم أن الفيلم ينتمي للفانتازيا، إلا أن واقعيته لا مهرب منها، لم تكن تمر خمس سنوات على تولي مبارك السلطة في مصر، حتى قام أبو سيف بعمل هذا الفيلم.

وهناك مفارقة غريبة لا تحدث إلا من مخرج يتمتع بدرجة كبيرة من الذكاء، إضافة إلى حِس السخرية الحاد. عُرض الفيلم بمهرجان فيفاى بسويسرا عام 1987، وفاز بـ”عصا شارلي شابلن الذهبية” كأحسن فيلم كوميدي في رأى الجمهور. فما كان من صلاح أبو سيف إلا أن قام باهداء هذه الجائزة إلى الرئيس المخلوع، الذي كان وقتها يحبو فوق بلاط الرئاسة!

 لم يلتفت مبارك، الذي يفكر بعقلية العسكر للفخ الذي نصبه له فنان السينما الكبير، ربما شاهد الفيلم، دون أن يفقهه، وربما وضع العصا في ركن منزوٍ من أركان القصر الرئاسي الشاسع، لكن المؤكد أنه لم يفهم مغزى الرسالة.

 الفيلم يتحدث عن مجموعة متباينة من الأشخاص تجمعهم طائرة محلقة في السماء، ولسبب ما تتعطل الطائرة وتسقط بهم في الصحراء، وينتظرون إغاثتهم بلا جدوى، فكان لابد من ترتيب الحياة، وإنشاء مجتمع ووضع قوانين له، وهي الصورة المصغرة لطبيعة تقسيمات سلطة الدولة، هذه السلطة الذي استأثر بها رجل الأعمال، ونصّب نفسه رئيساً، بحجة أنه الأكبر سناً، والأكثر خبرة. وأجرى انتخابات شبه صورية، مع وعودة بتوفير الراحة للجميع، الذين صدقوه وأعطوه أصواتهم المُنهكة، في مقابل الشاب الذي يحاول تحقيق العدالة بكل موضوعية، ولكنهم يكرهون المنطق، ويستسلمون لعواطفهم.

لم يكن هناك سوى “البلح” الثروة الموجودة في الواحة التي هبطوا عليها، ويبدأ الرئيس في ممارسة سلطاته القمعية، ويأمرهم بإقامة تمثال له من “البلح” يكون شعاراً لمجتمعهم الجديد. ويبدأ الجميع في اكتشاف مساوئ الرجل، وبما أنه كان يمتلك سلاحاً، فقد أصبحت سلطته مطلقة، حتى ثاروا عليه في النهاية، وتركوه وحيداً في صحراء سلطته القاحلة، عندما جاءتهم في النهاية طائرة الإنقاذ.

 هذه الوحدة القاسية هي نفسها وحدة الرئيس المخلوع، الذي طالعناه ــ دون أن يطالعنا ــ في قفصه الحديدي، تاركاً واحة خياله، دون أن يبقى منه سوى عصا “شابلن” المنزوية بأحد أركان القصر الرئاسي، تميل مُستدة إلى الحائط، كوقفة صاحبها الذي طالما سخر من كل سلطة فوق الأرض.

Visited 10 times, 1 visit(s) today