صورة فلسطين في مسلسل “مو” الأمريكي

Print Friendly, PDF & Email

ديانا حكمت فريجة- فلسطين

في شوارع هيوستن الأمريكية، حيث أقيمت دورية تفتيش للشرطة، وبانتظار دوره للعبور بسيارته القديمة التي ورثها عن والده المتوفى، المحملة بحقيبة من الحبوب المخدرة، وبرفقة صديق طفولته الأسود، وصديقه العربي، وفي طور انتظاره القلق، يلمح “مو” جواز سفر معلق على إحدى الكلاب البوليسية، فيدخل في دوامة من المشاعر المتناقضة، فكيف لدولة كأميركا أن تعطي كلباً جواز سفر بينما يعيش “مو” وعائلته الصغيرة المكونة من أمه وأخيه دون أوراق ثبوتية منذ أكثر من عشرين عاماً.

مسلسل “مو” الأمريكي الذي عرض على منصة نتفليكس عام 2022، ويحمل اسم بطله الأساسي محمد، يعرض قصة عائلة فلسطينية تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية وتحاول الحصول على أوراق ثبوتية، والمسلسل من وحي قصة محمد عامر بطل المسلسل وكاتبه، ولكن لنتفق منذ البداية أن المسلسل لا يصلح للمشاهدة العائلية بوجود الأطفال.

إن من حقك كمشاهد أن تختار مشاهدة فيلمٍ أو مسلسلٍ يوائم مزاجك أو حالتك النفسية، ورغبتك في الضحك أو التسلية مع الكوميديا والتشويق، أو التمتع بالرومنسية مثلاً، وربما مشاهدة بعض التراجيديا لتعلم أنك لست وحيداً في معاناتك اليومية، ولكن إذا قررت مشاهدة مسلسل “مو” والتزمت باختيارك، فلم يعد القرار قرارك، فمع نهاية المسلسل وأتحدث هنا عن موسمه الأول، ستجد نفسك قد عشت مجموعة من المشاعر المختلطة والمتناقضة في الوقت ذاته، من خلال قصة رئيسية لبطل المسلسل “مو”، استطاعت في ثناياها أن تصور بشكل واقعي وجذاب حياة أسرة فلسطينية في المهجر، واستحضار القضية الفلسطينية بشكل مؤثر في مفاصل سردها.

فعلى مدار ثماني حلقات من الموسم الأول اصطحبنا “مو” أو حمودي- كما اعتادت أن تناديه أمه- فرح بسيسو- في تجارب اجتماعية وإنسانية لمجموعة من الأقليات القاطنة في أميركا، وعلى رأسها تراجيديا حياة المغترب الفلسطيني اللاشرعي في المهجر، فهو دوناً عن غيره، لا يملك خياراً آخر سوى البقاء بطريقة غير شرعية في الولايات المتحدة، فلا جنسية هنا، ولا جنسية فلسطينية هناك في الوطن، فيصور المسلسل معايشة المغترب الفلسطيني لواقعه الأمريكي وسط التناقضات التي يعيشها بين هويته وديانته، وبين الواقع والمجتمع متعدد الخلفيات الثقافية والأعراق الذي أجبر أن يعيش فيه.

إن اللغة السينمائية وما تحويها من عناصر كالتصوير، والإضاءة، والموسيقى، والديكور، والتكوين، والحركة وغيرها من العناصر امتزجت في واقعية متميزة، تبدو للوهلة الأولى أنها لم تقم بوظيفة إيهامية أساسية، إلا أن منظومتها الواقعية- المستخدمة عادة في هذا النوع من المسلسلات التي تصنف بأنها دراما كوميدية وخفيفة- خدمت بطريقة فعالة القضية الأساسية التي يحملها المسلسل وهي القضية الفلسطينية، لا سيما أنه أول إنتاج فلسطيني- أمريكي يتحدث عن القضية بصورة لم تعهدها الشاشة الصغيرة من قبل.

 في مسلسل “مو” كما يظهر من اسمه، كان الراوي المتمثل بشخصية “مو” هو المهين على آلية البناء الفيلمي، ونمط السرد فيه، ففي الحلقات جميعها كانت الأحداث تدور معه، فيتربع في مكانة الراوي المشارك حيناً، وأحياناً أخرى كانت الأحداث تحيطه عبر الشخصيات التي يتعامل معها لينقل شهادته عن العديد من التجارب الإنسانية والاجتماعية، في سياق درامي متزن، فإلى جانب قصته كفلسطيني يقطن أمريكا بصورة غير شرعية، رأينا قصصاً إنسانية تسلط الضوء على أقليات أخرى مثل حياة السود من خلال صديق طفولته الذي سجن والده وهو صغير، وعمل السود في الأعمال غير المشروعة، والمشاكل الاقتصادية التي تواجه صديقته المكسيكية، علاوة على الأقليات من الجنسيات الأخرى من العرب وغيرهم الذين يشاركون “مو” وعائلته معاناة الحصول على الإقامة والجنسية جراء بيروقراطية الإجراءات التي تلتهم سنوات من أعمارهم، وغيرها الكثير.

أما عن الشخصيات الرئيسة في الفيلم، هناك أولا “مو” وهو الابن الأصغر لعائلة نجار”، ويسرى نجار والدة “مو” وهي فلسطينية من حيفا هجر أهلها إلى بورين، سكنت الكويت، وإبان حرب الخليج انتقلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وسمير وهو الشقيق الأكبر لمحمد أو “مو” ويعاني من أحد أطياف التوحد، وماريا وهي صديقة “مو” وعشيقته المكسيكية المسيحية التي تنتظر عرض الزواج من “مو”، وهناك شخصية غير اعتيادية ظهرت في المسلسل وهي قارورة زيت الزيتون، التي رافقت أبطال المسلسل وحملت دلالات متكررة، ورمزية، ومركبة، بل وأيقونية أحياناً.

من خلال لغة عامية ومختلطة الثقافات (العربية، والإنجليزية والإسبانية)، وألفاظ جارحة وجريئة خدمت الكوميديا السوداء أحياناً، وأضافت الفكاهة أحياناً أخرى- وهذا الحس الكوميدي نابع من شخصية الممثل ومؤلف النص محمد عامر الذي يعمل مؤدياً كوميدياً بالأساس- استطاع “مو” أن يسرد حقائق وأحداثاً ومشاعرَ أجيال من الفلسطينيين في مختلف أماكن تواجدهم، وليس في أمريكا وحدها، كالتهجير، والجدار، والاحتلال، والانتفاضة- وهو ما سنورده لاحقاً- والإقامة غير الشرعية في الولايات المتحدة وغيرها من القضايا، ولعل هذه القضايا وطريقة عرضها ووصولها للجمهور بمختلف خلفياته الثقافية والسياسية، غفر له استخدامه للألفاظ النابية ولغة “الشوارع”.

وربما خلقت هذه المفارقات حالة من الانجذاب لمتابعة شخصية “مو” كونها خرجت عن نطاق المألوف حول ما يتعلق بالشخصيات الفلسطينية في السينما وما يحيطها من قدسية أو تدنيس، فوازن المسلسل في شخصية “مو” فها هو “مو” القاطن في أمريكا، يعاشر فتاة مكسيكية، يطلق النكات البذيئة، يبيع البضائع المزورة، وينجر لشرب المهدئات، ويضطر للعمل في نادٍ ليلي للتعري وفي نقل المخدرات، لكنه ما زال محمد الفلسطيني، الابن المسؤول المرتبط بعائلته وأمه وعاداته وتقاليده، وقضيته، وتاريخه، ووطنه، ودينه في ثنائيات متناقضة تشكل أدوات جذب للمشاهد بعيداً عن النمطية التقليدية التي تحاكي الواقع.

فكيف خدمت واقعية المسلسل القضية الفلسطينية؟

بينما يحاول بعض السينمائيين الغوص في بطولات الفلسطينيين، أو تسليط الضوء على المعاناة وظروف الاحتلال والحرب بطريقة مباشرة، شكّل “مو” مرآة موضوعية غير محرفة للعالم الفعلي، وهو أساس الواقعية في السينما، فيكفي القضية الفلسطينية عدالة أن تصور يوماً عادياً لمواطن فلسطيني في أي مكان يتواجد فيه.

هناك حالة من التعايش بين الجمهور وبطل المسلسل تنشأ جرّاء مرافقة البطل في أحداث يومية، فالأزمات تظهر منذ الحلقة الأولى وتستمر الأحداث بالتصاعد حلقة تلو الأخرى لتصبح أكثر تعقيداً وتنتهي بنهاية مفتوحة، تلوح بموسم ثانٍ من المسلسل، والأهم من ذلك كله انسيابية حضور فلسطين في العمل وسلاسة طرح القضية كمحور رئيس فيه.

إن أهم ما يمكن تناوله نقداً وتحليلاً في مسلسل “مو” هو الحوار المحمل بالعديد من الرسائل البينية، كونها تخرج عن إطار التباكي والسرد التقليدي المباشر حول تفاصيل القضية الفلسطينية، بل أن المسلسل وعبر العديد من القصص الفرعية أوجد حالة من التنوع، في منظومة درامية ذات أزمات متصاعدة مع شخصيات المسلسل تكسر أي جمود محتمل بالحديث عن قضية منفردة، فبدأ وفي الحلقة الأولى بفصل محمد من عمله بالرغم من أن صاحب العمل عربي، ومن ثم في الحلقة الثانية رفض مو لتلقي الرعاية الصحية بعد تعرضه لإطلاق النار لعدم وجود تأمين صحي له، والثالثة اضطراره للعمل في نادٍ ليلي للتعري، عدا عن بيروقراطية المعاملات القانونية في الحصول على الجنسية، وعدم وجود ضريح لأبيه في المقبرة كونه توفى ولم يحصل على أوراق ثبوتية، إلخ…وهكذا يسرد معاناة العرب المقيمين بطريقة غير شرعية في الولايات المتحدة.

ومن خلال علاقة “مو” بصديقته المكسيكية، أظهر المسلسل التناقض الذي يعيشه المغترب، بين مجاراته لنمط الحياة الأمريكي، ومحاولته الحفاظ على عاداته وتقاليده، فهو لا ينوي الزواج بها حتى ترضى عن اختياره عائلته، أو أن تتغير صديقته وتحول ديانتها، وهو ما أظهر ارتباطه بعائلته وقيودها رغم نشأته في الولايات المتحدة وقضائه أكثر من عشرين عام فيها، فما زالت الثقافة السائدة فلسطينية وإسلامية رغم كل التناقضات.

وأظهر العمل بعض المواقف التي يتعرض لها المغتربون، بمشاهد خفيفة وأعدها ملح المسلسل، وهي عبارة عن مواقف حقيقة تحصل للفلسطيني في الولايات المتحدة، مثل عدم التفريق بين (Palestine) و(Pakistan)، وتكررت كثيراً في المسلسل، وعدم معرفة الناس بفلسطين وبالمقابل معرفتهم بإسرائيل، ونسب بعض الأكلات الفلسطينية لثقافات أخرى، والمبادرة بالتحدث للفلسطيني بلغة إسبانية ظناً بأنه مكسيكي، وربط الإرهاب بالمسلمين والعرب ما يدفعهم لتجنب التحدث بالعربية أمام غيرهم، وغيرها من المواقف المشابهة.

أما فيما يتعلق بالمواضيع الأكثر عمقاً فحاول المسلسل أن يقاربها ويسقطها على مواقف مشابهة من بيئة العمل، فدعونا لا ننسى أن اختلاف الثقافات في المسلسل، سينعكس على اختلاف ثقافات متابعيه، ما يحتم أن يكون الطرح بسيطاً على المشاهدين من غير العرب، فربط المسلسل بين عملية سرقة أشجار الزيتون من المزارع الأمريكي، بسرقة الاحتلال الاسرائيلي للأشجار في فلسطين، وحول جدار الفصل وتهريب المهاجرين المكسيكيين، بجدار الفصل العنصري الذي يفصل العائلات الفلسطينية عن بعضها، بل وفي مشهد آخر وعندما كان محمد يحفز ابن أخته في لعبة البيسبول، استحضر بكلماته التحفيزية له مشهداً للأطفال الفلسطينيين الذين يتصدون لقنابل غاز الاحتلال، ومقاومتهم له برمي الحجارة وذلك في دلالة مركبة، فالمعنى الأعمق الذي أراد أن يؤكده المسلسل أن الفلسطينيين متمسكون بهويتهم وتاريخهم ونضالهم، وإن اختلطت الجنسيات ( فزوج أخته كندي الجنسية)، وفي مشهد آخر جمع مو بطفل مكسيكي، اختار العمل أن يتكرر مشهد عائلة “مو” وهي تتحضر للرحيل من الكويت، بمشهد عائلة مكسيكية تنتظر دورها للهجرة بالتهريب إلى أمريكا فكان الطفل بعمر محمد وقتها ويلعب الكرة، وقدم مو للطفل المكسيكي نصيحة والده حينها بأن يعتني بعائلته في ربط مباشر بين معاناة الفلسطينيين الهاربين من حرب الخليج، وبين المكسيكيين الهاربين من الاضطهاد والفقر، وغيرها من المشاهد التي تبدو في تعدادها سهلة، إلا أن ترابطها في أحداث المسلسل وانسيابها بين أحداثه، من خلال إيجاد مبررات درامية تعد من السهل الممتنع.

وقد يرى بعض المشاهدين أن شخصية “مو” لا تمثل كل مغترب فلسطيني أو عربي، وأتفق مع هذه الرؤية، وهذا ما أدركه العمل أيضاً، فأوجد نماذج أخرى في المسلسل كشخصيات ثانوية ساهمت في رسم صورة متكاملة للعمل الذي يتحدث عن الفلسطينيين في المهجر مثل شقيقة “مو” التي اختارت أن تتزوج من كندي الجنسية وبالتالي الحصول على الجنسية والحياة المثالية، وكذلك صديقه العربي حميد بزواجه من أمريكية، ورحمن المصري مالك متجر الهواتف الذي يقيم ويعمل بشكل قانوني في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي محاولة لإيجاد توازن في الطرح الواقعي لتجنب الانجراف نحو التعميم، وعلى ما يبدو أنها محاولة ناجحة، وحتى إذا ما دققنا في مجريات الأحداث في قصة “مو” فنرى جوانب عدة من شخصيته، فدخوله في أعمال منافية لثقافته العربية وديانته الإسلامية جاءت في إطار الوقوع في المشكلات ومحاولة حلها، والندم عليها فيما بعد، على عكس الصورة النمطية في أفلام هوليوود حول حياة السود مثلاً، بل أن المسلسل أوجد التوازن على مستوى العائلة، فمثلت الأم الشخصية المتوازنة والمحافظة، وقد يرى البعض أن أداءها كان فاتراً، ولعل ذلك جاء في سبيل خلق التوازن بين شخصية “مو” المتسرعة والمغامرة، وبين شخصيتها المتزنة والتقليدية، للهروب من معضلة التعميم، واتهامات التشويه، وكأننا نرى من خلال مسلسل “مو” نسيجاً اجتماعياً فلسطينياً مصغراً يقطن في أمريكا.

انعكست واقعية القصة على اللغة السينمائية في المسلسل، فالألوان والإضاءة مثلاً عنصران مهمان وعادة ما تحمل استخداماتهما دلالات مرجوة تساهم في تعزيز معنى المشهد، وفي مسلسل “مو” اتسمت الألوان والإنارة بالطبيعية، ويمكن تبرير ذلك بكون معظم التصوير كان خارجياً أو في أماكن عامة، وطبيعة حركة المشاهد وتنقلاتها الكثيرة في مواقع التصوير، لكن ذلك لا يمنع من الاتكاء على بعض الألوان في مشاهد مختارة ومنها الألوان الدافئة واعتماد الإنارة الصفراء في المشاهد التي تجمع عائلة محمد، لتضفي شعوراً بالدفء والتلاحم الأسري، وخاصة مع تناسب الإنارة مع ديكور المنزل الدافئ بلمسات عربية وفلسطينية، وفي مشاهد أخرى وخاصة في “الفلاش باك” نرى الصبغة الزرقاء الباردة المائلة إلى اللون الرمادي تطغى على مشاهد ذكريات طفولة محمد سواء في الكويت أو في أميركا، في تغريب واضحٍ للحنين أو الاشتياق وبالتالي ولدت تلك المشاهد حالة البرود بالإضافة إلى مشاعر الاكتئاب والبؤس التي خدمت السياق الدرامي للمسلسل.

لم تحمل الموسيقى والمؤثرات الصوتية المستخدمة في المسلسلهوية واحدة، وهذا ما يتناسب مع المسلسل وثقافاته المختلفة، فالمسلسل مصور في هيوستن/ إليف المعروفة بتعدد الأقليات وخلفياتهم الثقافية، وتدور أحداثه مع شخصيات فلسطينية، وأخرى مكسيكية، وعربية، وأمريكية، وأمريكيين من أصول إفريقية، وآسيويين هذه التوليفة انعكست على الأغاني والموسيقى المستخدمة في المسلسل، وفيما يخص الموسيقى والأغاني العربية والفلسطينية، فتم توظيفها دون مغالاة، مثل أغنية “يامو” لدريد لحام أثناء صنع يسرى لزيت الزيتون، ومشهد الزفة العربية للعريس حميد، وغيرها من النغمات العربية التي ظهرت على شكل فواصل.

يحمل قارورة زيت زيتون في جيبه… يحمل جزءاً من وطنه… يحمل هوية

لا يختلف أحد على رمزية شجرة الزيتون، التي تعبر عن ارتباط الفلسطيني بأرضه وهويته، في الصراع الوجودي الذي يخوضه منذ عقود، فتلك الشجرة المقدسة، يستهدفها الاحتلال الإسرائيلي بكل ما أوتي من قوة، ويدافع الفلسطيني عنها بأغلى ما يملك، فكم من شهيد ارتقى في سبيل أرضه وزيتونه!

في مسلسل “مو” خرجت دلالات الزيتون عن المألوف في الطرح السينمائي، فليست هي تلك الوجبة أو المكون الغذائي التي تجتمع حوله العائلة المهاجرة على مائدة العشاء في المناسبات، في طرح سطحي وبسيط عن الأصل والهوية، فالزيتون سواءٌ أكان شجرةً أو ثماراً أو زيتاً تكرر في كل حلقة من حلقات المسلسل بدلالات مختلفة تشير جميعها إلى فلسطين.

لم تفارق قارورة زيت الزيتون جيب “مو” أو حقيبة يد والدته، فمنذ الحلقة الأولى ظهر زيت الزيتون وكأنه إحدى الشخصيات الرئيسة في المسلسل، فبدأ ظهوره ليعزز شعور النوستالجيا لدى يسرى وذلك أثناء طلبها لزيت الزيتون عبر الهاتف من أخواتها في فلسطين، وهذه كانت البداية فقط، لهذا البطل الأخضر الذي احتل مساحة واسعة من المسلسل، وأخبر الكثير في كل موقف ظهر فيه، فكانت قوت “مو” عندما يشعر بالجوع، تلازمه في كل وقت، ورأيناها رقيبةً على “مو” في أحد المشاهد التي يتناول فيها شراب الكودايين الذي أدمن عليه إثر إصابته بالرصاص ولجوئه إليه كمسكن، فحملت قارورة الزيت دلالة فريدة فكانت بمثابة الضمير الذي يلوم “مو” على إدمانه ودفعه للعزوف عنه فيما بعد، أما بالعودة إلى يسرى التي جمعها المسلسل مع الزيتون في مشاهد رائعة تظهر مدى ارتباط المرأة الفلسطينية بتراثها وتقاليدها فكانت حبات الزيتون مصدر دخل لها تستخدمه لتبتاع حاجياتها به مقايضةً، وهادته لماريا -صديقة “مو” المكسيكية- في إشارة لقبولها بها.

في مشهد آخر حملت تلك القارورة دلالة رمزية مختلفة فكانت يسرى تستخدمه علاجاً شافياً من كل مرض إذا ما اقترن بالدعاء وآيات من القرآن، في إشارة إلى قدسيتها النابعة من موطنها فلسطين، ذلك الوطن الذي لا يشبهه شيء، حتى حقل أشجار الزيتون الذي عمل به “مو” عندما انسدت أمامه سبل العيش، إلا أن وجود الزيتون فيه جعله ملاذاً آمنا ل”مو” وصديقته للهروب من ضغوطات الحياة ومصاعبها، وفي مشاهد أخرى ظهرت قارورة زيت الزيتون وكأنها ملاكاً حارساً لمحمد عندما استخدمها لفتح باب الشاحنة الصدئ التي علق بها، وظهرت وكأنها تنجيه من انفجار نفق كان سوف يسلكه للرجوع من المكسيك إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ولا ننسى أن “ورطة” مو نفسها جاءت لملاحقته شجرة الزيتون المسروقة التي قطعت به حدود الولايات المتحدة الأمريكية نحو المكسيك، فظهر محمد في حلقات المسلسل كلها وكأنه يحمل قطعة من وطنه، وفي الحلقة الأخيرة وكأنه يلاحق سارقي ذلك الوطن.

إن مسلسل “مو” استطاع أن ينقل للجمهور تجربة صادقة، ورسالة هادفة حول الفلسطيني الذي يعيش في المهجر، فإن اختلف المكان والزمان تبقى القضية الفلسطينية ثابتة ونابضة في قلوب أصحابها مهما اختلفت ظروفهم وسماتهم، فلا حاجة لتزييف الواقع، ووضع الضوابط، واستخدام المفرط للمؤثرات المرئية والسمعية، فمادة المسلسل الخام والتي تشكل في مسلسل “مو” واقع اللاجئ الفلسطيني في الولايات المتحدة الأمريكية،  تعد أرضاً خصبة زاخرة بالمفاصل المهمة التي يجمعها عامل مشترك واحد وهو الهوية الفلسطينية، وهذا ما نجح به مسلسل “مو” من خلال واقعيته.

Visited 1 times, 1 visit(s) today