روعة آل أمبرسون باقية رغم مرور الزمن

لا يتوقف الزمن الإنساني عن المرور، فإن لم يمر الإنسان معه ربما دهس تحت عجلاته التي ستمر به أو دون إرادته فتجرفه تحتها إن ظل مصرا أن لا يمضي معه، فهناك عصور تلتهم أزمانا سبقتها وإن كانت ثابتة راسخة، ومن الأفلام التي صورت هذا المعنى فيلم ” آل أمبرسون الرائعون” The Magnificen Ambersons للمخرج الشهير أورسون ويلز، وفيه نرى مبارزة بين عائلة تمثل زمنا وتقاليد متحجرة هي عائلة “آل أمبرسون” وبين الزمن الذي يأبى إلا أن يمضي ويفرض قوانينه الجديدة.

ظل هذا الفيلم الذي أنتج عام 1942 وعرض عام 1943 مرجعا أساسيا في تاريخ صناعة السينما ومحسوبا من ضمن أفضل عشرة أفلام في العالم، كما حول أيضا إلى مسلسل تلفزيوني عام 2000 من إخراج ألفونسو أرو.

والفيلم بالأساس مأخوذ عن رواية “آل أمبرسون الرائعون” الجزء الثاني من الرواية الثلاثية “النمو” للكاتب الروائي التاريخي الأمريكي”نيوتن بوث تاركينغتون” الذي كانت كتبه الأكثر رواجاً وشعبية في عصره والذي فاز بجائزتي بوليتزر، أولهما عام 1918 عن روايته “آل أمبرسونز الرائعون”، والثانية عام 1921 عن روايته “آليس أدمز”.

ورواية “النمو” ترصد تغيرات الحياة في إحدى مقاطعات الولايات المتحدة خلال مرحلة التوسع الصناعي، وفي جزئها الثاني “آل أمبرسون الرائعون” وهو موضوع الفيلم، تبين تلاشي القيم مع تحول المنطقة إلى مدينة، وفي الرواية بشكل تدور في مدينة وسط أميركا الغربية، متزامنة أحداثها مع التغيرات التي تطرأ على ثلاثة أجيال لإحدى أكبر العائلات الأميركية الأرستقراطية في فترة الانتقال من القرن التاسع عشر إلى القرن العشرين، وضمن ذلك ترصد التحولات الاجتماعية مع تدهور نفوذ العائلة ومركزها الاجتماعي وسط اجتياح عصر الصناعة الذي يغير كل شيء، فتتحول موازين القوى إلى كفة الصناعيين والتجار بينما تلاشى تأثير ونفوذ العائلات المرموقة.

بطل الرواية

شخصية بطل هذه الرواية هو “جورج أمبرسون مينافير”، حفيد كبير عائلة أمبرسون الثرية المرموقة ، وهو شاب مرفه متغطرس، وفي هذا الفيلم الذي يمثل الجزء الثاني من الرواية الثلاثية نرى نفوذ العائلة وقد بدأ يتقلص وبدأت مكانتهم المادية تتراجع ، فالواقع من حولهم يتغير لكنهم لا يشعرون أو يرفضون التعامل معه ، ويتضح ذلك من خلال عدة أشخاص في الرواية يقدسون التقاليد ومكانة العائلة ويقدمون ذلك على أي شي عداه. وبالعودة لـ ” جورج” فهو ابن وحيد لزوجين هما الأم إيزابيل أمبرسون مينافير وزوجها ويلبور مينافير اللذان يجمعهما الاحترام فقط لا الحب ، وجورج شاب لا يعمل فهو الوريث الوحيد للعائلة ومن يحمل عمادها بعد والده ، فيحظى بتدليل عائلته ومنها عمه “جاك” وخالته “فاني” وجده.

تبدأ الأحداث بزيارة في أحد أيام الشتاء وخلال حفل كبير، يصل إلى منزل أمبرسون زائران جديدان من محدثي الثروة، هما الوالد الأرمل أوجين وابنته لوسي ذات الـ 18 عاما، وتحدث الأزمة حين نعرف أن أوجين كان الحبيب القديم والأوحد لإيزابيل والدة جورج بينما يقع جورج في حب “لوسي” ابنة أوجين وتعجب الخالة بأوجين، وتتعقد الأحداث ونصل لأزمة الفيلم  حين يموت والد جورج ويطلب يوجين الزواج من إيزابيل ليصطدمان بتقاليد العائلة التي يتصدر تمثيلها جورج واقفا بكل قوته أمام هذا الزواج ومضحيا كذلك بحبه للوسي، وإزاء ذلك ترضخ إيزابيل وتضحي بحبها لأجل ابنها وتقاليد العائلة قاهرة مشاعرها حتى المرض الذي يسلمها للموت دون أن يغير ذلك شيئا في موقف جورج.

كانت الإضاءة في الفيلم أكثر إشراقا وأعلى في النصف الأول من الفيلم حينما كانت الأسرة ما زالت في قمة بذخها ونفوذها بينما تغير الأمر لتخفت تدريجيا مع تبدل الحال وتدهور وضع الأسرة فصارت اللقطات اكثر إظلاما وأقل إضاءة.

تغير المجتمع

وبينما يعرض الفيلم مظاهر الثراء وحياة العائلة الثرية وأصدقائها، يرينا في لقطات خارجية موفقة، وتحديدا أثناء تنقل أفرادها وسير العربة التي ترمز للزمن وحركته، مظاهر تغير المجتمع مع حديث بين الأشخاص عن التطور الصناعي المذهل وتأثير ذلك على حياة الأشخاص. فالفيلم بالإضافة لرصده تداعيات جمود البعض أمام عجلة التطور الجارفة يرينا أيضا كيف أنها تبتلع معها معان عدة، لكن في النهاية لا بد للزمن أن يمر ويأخذ مجراه ولابد من السير معه بتوازن مع سرعته، فالجمود حرم جورج لوسي وتسبب في موت الأم، وبعد رحلة من العناد والمقاومة يرضخ جورج ويبدأ في العمل بعدما تبددت ثروة العائلة سعيا للاستمرار في مظاهر حياتها البذخة في ظل تراجع الثروة مع تغير العصر.

يعمل جورج بأجر محدود معيلا نفسه وخالته بينما أوجين الذي يملك مساعدته بالعمل في إحدى شركاته يرفض تماما مساعدته ويأبى نسيان الألم الذي سببه له وحرمانه ممن يحب ، لنرى زاوية أخرى في الفيلم وهي أن عاقبة الجمود في الحقيقة طالت الجميع وتسببت في تعاستهم .

Visited 35 times, 1 visit(s) today