رصد ملامح التطور الطبيعي لفيلم المقاولات المصري

Print Friendly, PDF & Email

لا أعلم السر في اطلاق لفظ المقاولات علي هذه الافلام، فهو لفظ غير معبر. وفي اعتقادي أن النقاد او النخبة الثقافية آنذاك اطلقوها تندرا منهم علي ان السوق السينمائي دخله منتجون ليس لهم علاقة بالسينماولما لا والسينما أصبحت صناعة مثل أي صناعة ورجل الأعمال المصري نجيب ساويرس مثال حي علي ذلك، فهو يقسم نشاطاته بين الاقتصادية وبين الفنية وهذا أمر طبيعي بعد دخول رجال من خارج الصناعة بعد رفع الدولة  أيديها عن الانتاج السينمائي منذ فترةوحتي المناصب في وزارة الثقافة أو الرقابة أو غيرها يتقلدها دائما موظفون وليس مبدعون أو فنانين.

أفلام المقاولات ظهرت في فترة مهمة من التاريخ المصري وهي الثمانينيات والتسعينيات وهي الفترة التي كان السفر فيها إلى بلدان الخليج في أوجه، وكما شهدت الفترة انتشار ما عرف بشركات توظيف الأموال والسمسرة أيضا وصعود طبقة اصحاب الحرف البسيطة مثل (السباكة والميكانيكا) وغير ذلك، الذين أصبحوا يتقاضون مبالغ طائلة نظرا لقلة عددهم بعد سفر معظمهم الي بلدان الخليج وليبيا.

قبل هذا نريد ان نعرف فيلم المقاولات تعريفابسيطا وهو فيلم بمعني اصح درجة ثانية مثل افلام الـ( بي موفيز) الأمريكية والتي كانت ومازالت منتشرة في امريكا، وهي افلام تعتمد علي نجوم الصف الثاني دائما أو عارضات (بلاي بوي) مثلا او نجوم هوليود الذين فقدوا بريقهم، وهذه الافلام تعرض في دور عرض درجة ثانية ايضا ومن الممكن ان تكون التذكرة الواحدةلمشاهدة فيلمين. وتدور معظم قصص هذه الأفلام في إطار العنف والجنس والجريمةواستمرت هذه الافلام حتي الآن ولكن علي اسطوانات (دي في دي) أو تم بيعها للفضائيات العربية الكثيرة وهي- بالمناسبة- من اهم نجومها الان جان كلود فان دام الذي اصبحت كل افلامه تعرض مباشرة علي (دي في دي) بعد انحسار الاضواء عنه.

أما أفلامنا المصرية فيبدو نتيجة مرحلة الحراك الاجتماعي التي حدثت في الثمانينيات في مصر وإعلاء قيم الفهلوة والسمسمرة وعودة البعض من دول الخليج محملا بالمال اللازم، ظهر منتجون افلام جدد كان بعضهم يعمل (ريجيسيرات) قدامي او آخرين ارادوا استثمار أموالهم في صناعة السينما، فظهرت افلام المقاولات التي كانت بالفعل افلام درجة ثانية، فمخرجوها لا يفهمون شيئا عن الاخراج، وممثلوها ممنارادوا تحقيق شهرة سريعة وأرباحا مضمونة، وبعض الممثلات اللبنانيات والسوريات اللاتي قدمن لمصر لتقديم أنفسهن  بالاضافة الي الراقصات اللاتي احترفن التمثيل، وكانت هذه الأفلام خير معين لهن.. فهي افلام تحتاج إلى أسبوعين او اكثر قليلا للتصوير وذات ميزانية محدودةوقد قالالفنان سمير غانم في احد حواراته إن أحد المخرجين انتهي من فيلم كامل في اسبوع واحد فقط!

اذن هي افلام صنعت للمتعة فقط ولتسويقها في شرائط فيديو للعرض علي جهاز الفيديو الشهير الذي اتي مع من أتي من دول الخليج أو لتوزيعها للخليج وصنعت لجمهور معين بدأ ينعم بحياة رفاهية سواء بسبب انتشار عمليات السمسرة أو شركات توظيف الأموال او العاملين في مهن بسيطة ويحتاج بعد يوم شاق من العمل للترفيه عن أنفسهم بمشهدة أفلام مضمونها خفيف يعتمد علي خلطة شهيرة  من كوميديا ورقص واغراء واثارة ولامانع من بعض الأكشن الذي في بعض الاحيان يكون كوميديا.

كان من اشهر نجوم هذه الافلام  سعيد صالح ويونس شلبي وسمير غانم ومن النساء هياتم- فتاة احلام الاحياء الشعبية انذاك!- وسميرة صدقي ونبيلة كرم وغادة الشمعة، وهم بنظرة عامة من الممكن ان يمثلوا 4 افلام من هذه النوعية ولكن في افلام النجوم الكبار مثل نادية الجندي او عادل امام يحافظون علي ادوار ثانية وفي بعض الاحيان ثانوية.. هذا بالاضافة الي اسماء مخرجين لم تسمع عنهم من قبل وربما اشهرهم ناصر حسين الذي كنت سمعت في حوار للشاعر الراحل محمد حمزة انه ناقد فني سابق وايضا حسن الصيفي الذي برع في هذه الافلام واخرين مثل مخرج الروائع ابراهيم عفيفي ولا داعي للكلام عن كتاب فمعظم هذه الافلام كان يكتبها مخرجوها أنفسهم توفيرا للنفقات والوقت وطمعا في مال اكثر ربما!

محمد السبكي

في عام 1985 حاول احمد السبكي تغير نشاط عائلته في الجزارة الممتدة منذ سنوات وافتتح محل فيديو أو ماديا للفيديو كما كنا نسميه قبل ذلك فوق محل الجزارة المملوك لعائلته ليسوق من خلاله الافلام الاجنبية نظرا لكثرة الطلب عليها وخاصة افلام بروس لي واميتاب بتشان وجاكي شان، وسرعان ما انضم له اخوه محمد السبكي ليتوسع النشاط ويصبح محلهم هو اكبر شركة لتوزيع الأفلام العربية والأجنبية عن طريق شرائط الفيديو واصبحا هما المتحكمان في هذا السوق داخل مصر ويتم التوزيع من خلالهم البقية نوادي الفيديو كما قاموا بطبع الافلام المصرية التي انتهت فترة عرضها في دور العرض وامتد احتكارهم الي الآن ولكن لاسطوانات (دي في دي) سواء الطبع أو التوزيع.

 بعد هذا  دخل الأخوان السبكي مجال الانتاج بأول أفلامهما (عيون الصقر 1992) الذي كان من بطولة نور الشريف ورغدة واخراج ابراهيم الموجي وهو سيناريست سابق له بعض الافلام اعتقد انها لا تنتمي لأفلام المقاولات وان كان هناك منها، وهنا احب ان اوضح شيئا مهما ان عائلة السبكي (أحمد ومحمد) لا تعتبر افلامهما افلام مقاولات من الناحية الانتاجية والتنفيذية، فهما  – وان كانت افلامهمامتوسطة الميزانية – الا أنهما لم يتخليا عن التعاقد مع مخرجين علي مستوي عال ونجوم معروفين ففي قائمة افلامهما تجد أفلاما لأحمد زكي ونور الشريف ونادية الجندي ومخرجين مثل علي بدرخان ومحمد عبد العزيز، أما من الناحية الفنية فموضوعات افلامهما خفيفة وسطحية ولكنهم منذ بداية مشوارهم الانتاجي لهم افلام مهمة، ومع عام 1997 يبدو انهم تخلوا عن نجوم الصف الاول وبدأوا في الانتاج للشباب انذاك مثل فيلم (حلق حوش 1997) تأليف بشير الديك واخراج محمد عبد العزيز الذي كان اول افلام محمد هنيدي وعلاء ولي الدين، وبعده انطلق محمد هنيدي ومعه جيل كامل سيطر علي السينما.

واستمرت عائلة السبكي علي هذا المنوال حتي فيلمهم الأشهر (اللمبي 2002).. ويبدو أنهما بعد فترة من انتاجهما افلام أحمد زكي ونادية الجندي عرفا سر الخلطة جيدا التي تأتي بالجمهور الشعبي البسيط كما يحب ان يطلق عليه محمد السبكي.

اذا شاهدت فيلم (مستر كاراتيه 1993) ثاني انتاجهم وبطولة احمد زكي من الممكن ان تري ملامح حياتهم أو طريقة اختيارهم للمواضيع، وهو فيلم حاول المخرج محمد خان ومعه الكاتب رؤوف توفيق- (أصحاب فيلم زوجة رجل مهم 1987 – أن يجعلوه اكثر اهمية ويحمله خان ملامح أفلامه السابقة ولكن بلا جدوي، فتأثير عائلة السبكي وأحمد زكي كان أقوي.

في الفيلم البطل منادي سيارات وهي مهنة اصبحت معترف بها في مصر وهي رد فعل طبيعي للارتفاع في عدد السيارات واعتقد انها لم تكن موجودة قبل ذلك ولكنها احدىنتائج الانفتاح الاقتصادي،هذا البطل يحب افلام جاكي شان وبروس لي واميتاب تشان – وهي الافلام التي كان يوزعها السبكي- بل ويحب عاملة في احد محلات تأجير الفيديو،هنا نرى أنه حتي ملامح القصة نفسها قريبة من افلام الكونغوفو والكاراتيه الشهيرة في التسعينات.

وهناك معلومة مهمة هي ان أحمد ومحمد  السبكي انفصلا إنتاجيا وأصبح لكل واحد  شركته الخاصة، وهي معلومة لا أعرف لماذا يتجاهلها نقادنا الذين يصفون افلامهما بأنها أفلام السبكي!

ويبدو ان الأخوين انفصلا مع كبر أبناء كل منهما ودخول الابناء هذه الصناعة مع وجود ارتفاع في المستوي  التعليمي إدي إلى تغيير في نوعية الأفلام التي ينتجوها.. فاحمد السبكي عندما انفصل بدأ ينتج افلاما مهمة مثل الثلاثية: (الفرح وكباريه وساعة ونص)، وبعدها فيلم واحد صحيح” وحققت هذه الافلام نجاحا نقديا كبيرا وهي انتجت من خلال ابنه كريم ولكنه في المقابل حافظ علي افلام سعد الصغير ودينا ومحمد سعد متعللا بأن هذه النوعية هي التي تأتي بأموال لينتج النوعية الجيدة أو أفلام النقاد حتي يستطيع ان يتنوع في انتاج الافلام ويستمر.

أما محمد السبكي فهو مازال يعتمد علي نفس الخلطة السابقة التي تتلخص في قصة هزلية ورقصة وضحكة بل ووجوده هو شخصيا في الفيلم بأفيه او اثنين بدعوى أنه يتفائل بهذا الظهور، ومازال ينتج افلاما سخيفة آخرها الفيلم المرشح لأسوأ فيلم هذا العام مهمة في فيلم قديم“.

اما افلام المقاولات فهي انحسرت بعد ان شاخ معظم ابطالها وبطلت موضة جهاز الفيديو وظهور قنوات الافلام الفضائية التياعتمدت هي الاخري علي هذه الافلام حتي تستطيع أن تبث 24 ساعة، وحاولت بعض القنوات انتاج هذه الافلام ولكن معظمها عرض علي نفس هذه القنوات، ففكرة انتاج فيلم به رقص وكوميديا لم تكن مجدية في زمن انتشرت فيه قنوات الفيديو كليب وقنوات الرقص الشرقي والانترنت الذي اصبح متاحافي جميع البيوت.

بعد عرض هذه الافلام في القنوات الفضائية ومشاهدتها بشكل أوسع انبري معظم ابطالها يدافعون عنها وعن انفسهم متحججين بقلة الاموال وقتها وانها كانت النوع السائد في هذا الوقت وفي بعض الاحيان كانوا يتندرون عليها مثل سمير غانم الذي حكي حكاية شهيرة عن المخرج الذي قال له مساعده سنأخذ هذه اللقطة (امورس) قال له امورس ابو العباس! وهي جملة توضح المستوي الفني لنوعية هؤلاء المخرجين.

وسبب اخر في قلة هذه الافلام هو الاتجاه للمسلسلات والسيت كوم التي تملأ الشاشة لأطول فترة ممكنة وهي لا تختلف عن افلام المقاولات فهي أيضا تعتمد علي نجوم الصف الثاني، ويظل لفظ المقاولات هو اللفظ المناسب لبعض النقاد لوصف الأفلام الهزيلة فنيا ولكن السينما فن تجاري في الأساس غرضه الربح، وكل يري الربح من وجهة نظره.   

Visited 51 times, 1 visit(s) today