ردود فعل على تصريحات السيسي بخصوص “أفلام العشوائيات”
«بعتذر للناس لو مقدرتش أقدم حياتهم زى ما شفتها بصراحة لاقيت الواقع أكثر قسوة من اللى اتقدم على الشاشة».. كلمات أسدل بها المخرج خالد يوسف الستار على فيلمه «حين ميسرة»، انتاج عام 2007 لتدور الأيام ويستعين بها مرة اخرى عدد من القائمين على صناعة السينما للرد على تصريحات الرئيس السيسى قبل ايام والتى اشار فيها إلى أن البعض يريد تصدير صورة غير حقيقية عن ساكنى الأحياء العشوائية فى مصر.«الناس دى طيبين ورجالة وتصدير أفلام عن صورة سكان المناطق دى إنهم بؤر لتصدير المشاكل للمجتمع ادعاء يهدف لرسم صورة سلبية عنهم»، جزء مما قاله رئيس الجمهورية خلال افتتاحه المرحلتين الأولى والثانية من مشروع إسكان تحيا مصر وقد خلقت تلك التصريحات حالة من الجدل بين جميع عناصر منظومة السينما المصرية من مخرجين وكتاب سيناريو ونقاد فنيين، حاورت «الشروق»، عددا منهم لاستبيان مدى الخطورة ان وجدت من افلام العشوائيات على المجتمع المصرى وهل بالفعل الواقع أسوأ مما نشاهده على الشاشة الفضية؟ وهل تلك التصريحات تعنى وجود أمر مباشر من الرئيس للمسئولين عن الرقابة والمصنفات الفنية بالتفتيش فى الأفلام الجديدة التى تتحدث عن العشوائيات. مدحت العدل
السيناريست الدكتور مدحت العدل يتفق مع ما قاله الرئيس السيسى قائلا«صحيح أن الأحياء العشوائية مرتع للمخدرات ولكن فى نفس الوقت تحتوى تلك الأماكن على اطباء ومهندسين ونماذج جيدة ونحن كسينمائيين ذكرنا ما قاله الرئيس قبل اندلاع ثورة يناير عندما شاهدت فيلم حين ميسرة وذكرت أن هناك 13 او 14 مليون مصرى يقيم فى العشوائيات وهل هذا يعنى أن الـ14 مليون مصرى المقيمين فى تلك الأحياء مجرمون وتجار مخدرات؟!
وأوضح مدحت العدل فى حديثه لـ«الشروق»، أن «الطبقة المتوسطة التى كانت موجودة منذ زمن بعيد لم يعد لها وجود الآن ومن تبقى من تلك الطبقة اضطرتهم الظروف المعيشية الصعبة للإقامة فى تلك الحياء العشوائية ومنهم بالمناسبة من هو من فئات المهندسين والصحفيين، والمحامين فلماذا لا يتم التركيز على تلك النماذج الجيدة فيما يقدم من أفلام سينمائية من هذا النوع».
واستطرد العدل فى حديثه «مع كامل احترامى لحرية الإبداع والتعبير فى مصر إلا ان ما شاهدناه خلال الآونة الأخيرة فى السينما المصرية عن العشوائيات اعطى صورة مشوهة وليست حقيقية عن مصر لأنها ركزت على القبيح فقط وتلقى الضوء على النماذج الجيدة».
وتابع «لن يحدث فى القريب معالجة سينمائية للأفلام المتعلقة بالعشوائيات وهذا هو الواقع ولذلك كان يسعى رئيس الجمهورية لحث السينمائيين على التركيز على النقاط المضيئة فى تلك المناطق وليس فقط اختيار الأمور السلبية بمعنى اذا سلط الضوء كمخرج على من يتعاطون المخدرات ويمارسون اعمال العنف والبلطجة فى العشوائيات فيجب ايضا أن تسرد من خلال الفيلم السينمائى عن مراحل انهيار الطبقة المتوسطة فى اخر 40 عاما وكيف وصل الحال إلى اضطرار طبيب أو أى من حملة المؤهلات العليا للذهاب والعيش فى تلك الأحياء تحت مظلة ضيق اليد وقلة الحيلة».
وأشار مدحت العدل إلى أن «تقديم العشوائيات فى السينما على انها مرتع وارض خصبة للبلطجة والأعمال الإجرامية فهذا يعنى ظلم مصر والإساءة إلى سمعتها لأن الغرب والعالم الخارجى وصلت إليه صورة سلبية عن مصر بأنها تأوى زنا المحارم والسحاق والمخدرات وهذا الأمر غير حقيقى».
وقال السيناريست «إن تأثير الفيلم السنيمائى قوى بالنسبة للشعب المصرى ولذلك يجب على المنتجين والمخرجين القائمين على صناعة تلك الأفلام مراعاة البعد الإنسانى فالسيسى لم يحجر على فكرة فنية أو يريد تحجيم الإبداع بشكل عام ولكنه يتمنى نقل صورة حقيقية عما يدور هناك ليس اكثر ولا اقل».
ويرى العدل ان البعض يريد الصيد فى الماء العكر من خلال ادعائهم بأن رئيس الجمهورية يريد أن يحجر على حرية الفكر والتعبير قائلا«هذا الكلام غير صحيح نحن كسينمائيين عندما نحتك بالمواطنين فى الشارع يقولوا لنا «يا جماعة حرام عليكم افلام زى عبده موته» لأنهم يعتبروننا جزءا من الوسط السينمائى وبالفعل ليس من المعقول أن مصر عبده موته ويجب ألا تكون جميع الأفلام عبارة عن فنان يحمل سنجة ومعه راقصة ولذلك الرئيس يتحدث فى هذا الشأن كمواطن قبل أن يكون رئيسا للجمهورية».طارق الشناوى
من جهة اخرى يرى الناقد الفنى طارق الشناوى أن «الواقع فى العشوائيات أسوأ بكثير مما يقدم على الشاشة الفضية فالرئيس يعتقد أن الشاشة هى سر العنف والانفلات والمخدرات والواقع أن الفساد فى الدولة على مدار السنوات الماضية هو السبب فى تردى أحوال العشوائيات ولذلك من السهل أن نتهم الشاشة لكن من الصعب أن نوفر الحلول لتلك الفئة المهمشة فى المجتمع والتحدى الحقيقى فى كيفية مواجهة الأزمة والقضاء على العشوائيات نهائيا فى مصر وليس الهجوم غير المبرر على صناع تلك الأفلام».
واستطرد الشناوى بأن الدراما حتى الآن لم تستطع ايصال الحقيقة للشعب عما يدور فى العشوائيات فضلا عن أن ما قدم فى السينما عن تلك الأحياء الفقيرة فى مصر سواء فيلم حين ميسرة او غيره بمثابة نسبة ضئيلة للغاية ولا تعكس الواقع المخيف للعشوائيات وهو ما يجب أن تنتبه اليه الدولة بدلا من توجيه النقد للقائمين على صناعة تلك الأفلام».
وتابع «أتمنى من كتاب الدراما وصناع الأفلام ألا ينساقوا وراء ما قيل من الرئيس وألا يعتبروا ما قاله الرئيس عليهم الالتزام به فإذا حدث هذا يعد كارثة كبرى على السينما المصرية لأن معناه قتل روح الإبداع والحرمان من نقل جزء بسيط من الحياة الواقعية لتلك الفئة المظلومة فى مصر والتى تقبع العشوائيات منذ سنوات طويلة وفى نهاية المطاف أرى أن ما يقدم فى الدراما هزيل بالنسبة لما يحدث فى الواقع».
لقطة من فيلم “الألماني”علاء الشريف
علاء الشريف مخرج فيلم الألمانى من بطولة الفنان محمد رمضان يرى أن فكرة الحث على عدم تقديم الأفلام التى تبرز ما يدور فى العشوائيات بمثابة تخطى للأعراف السينمائية فضلا عن أن القائمين على صناعة الأفلام يحتكمون فى النهاية إلى قوانين الرقابة على المصنفات الفنية بما لا يخالف الآداب العامة واذا اردنا تعديل فى نوعية الأفلام المقدمة عن العشوائيات يجب ألا تكون من خلال فرمان رئاسى ولكن من خلال تعديل قانون نفسه».
وتابع «فكرة أن العشوائيات مليئة بالجدعان هو أمر غير حقيقى ولا يعكس ما يدور فى الواقع والحقيقة تقول إن العشوائيات هى مصدر خطورة شديدة وتمثل تهديد على الأمن العام وقد حاولت فى فيلم الألمانى تخفيف ما يحدث فى الواقع بشكل غير طبيعى فالعشوائيات بها كل انواع البشر وإذا كان هناك طيبون فهناك أيضا بؤر اجرامية نتيجة لتكوينها العمرانى وتركيبتها الفقيرة فضلا عن وجود اماكن يستعصى على الشرطة دخولها وهو ما حاولنا أن ننقله من خلال الفيلم بصورة مبسطة للمشاهد».
وأوضح «من يتهموننا بأننا نشوه سمعة الأحياء العشوائية فى مصر أريد أن أقول لهم إننا نعمل من خلال أفلامنا على تنبيه الدولة لخطورة ما يحدث فى هذه الأحياء وليس لنا مصلحة غير مصر وأكبر دليل على ذلك أن فيلم الألمانى كان خاسرا فى السينما ولم يحقق ربحا ماديا وتمت محاربتنا من خلال الكيانات الكبرى ولكن تصدينا للموقف وعرضنا الفيلم لنجعل الجميع يشعر بخطورة العيش فى العشوائيات».
وختم علاء الشريف حديثه «كان يجب علينا مراجعة تجربة السينما الأمريكية التى ألقت الضوء على الأماكن المليئة بالبؤر الإجرامية فى الولايات المتحدة ولم نجد من يقول إن تلك الأفلام تصدر سمعة سيئة عن امريكا».
حنان شومان
وفى سياق متصل قالت الناقدة حنان شومان «ما سمعته من الرئيس السيسى يعنى اننا فى دولة موظفين ومن المفترض أن هذا الأمر لا ينطبق على المنظومة السينمائية التى تعد منبعا للإبداع فالفنان يستقى أفلامه من الواقع وجزء منها من الخيال ولو كانت العشوائيات غير موجودة فى مصر لم نر لتلك الأفلام وجودا على الشاشة الفضية ولكن الواقع يقول غير ذلك».
وأوضحت شومان لـ«الشروق»، «كل ما اخشاه أن يكون حديث الرئيس السيسى هو اشارة لموظفى الرقابة والمصنفات الفنية للتربص بنوعية الأفلام التى تلقى الضوء على العشوائيات فالأفلام هى علاقة بين الفنان وجمهوره واذا كان الفيلم سيئا فالجمهور سوف يعاقب القائم على الفيلم وينبذه».