حول مهرجان فاتن حمامة السينمائي

Print Friendly, PDF & Email


شهدت مدينة المنصورة المصرية، فعاليات مهرجان فاتن حمامة السينمائي خلال الفترة من 27 يناير إلي 10 فبراير، تحت رئاسة المنتج محمد العدل ومؤسسة المهرجان المخرجة الشابة ماجي أنور.

ضمت الدورة ثلاثة أقسام عهي أولا محتارات من أفلام فاتن حمامة حيث اعتمد علي أعمالها النادرة العرض والقليلة الشهرة عند الجمهور مثل فيلم “أغنية الموت” الذي افتتح به المهرجان وفيلم “كايرو” وفيلم “دعاء الكروان”.

والقسم الثاني الأفلام التسجيلية ومعها أيضا أفلام التحريك (الأنيميشن) من خلال فيلمين، ثم قسم الأفلام الروائية القصيرة.

جدير بالذكر أن المهرجان اعتمد في دورته الثالثة علي حضور الشباب من خلال مشاركة الأعمال الشبابية فنحن أمام موازنة بين الجيل القديم وتمثل في أعمال فاتن حمامة والجيل الحديث، واختيار أعمال فاتن حمامة التي صورت بالأبيض والأسود أظهر فكرة أصالة القديم بين أفلام الشباب الحديثة.

الإفتتاح

افتتح المهرجان بالفيلم التلفزيوني القصير”أغنية الموت” بطولة فاتن حمامة وكريمة مختار وعبد العزيز مخيون، وهو مأخوذ عن مسرحية لتوفيق الحكيم ومن إخراج سعيد مرزق. ويلقي الفيلم الضوء علي قضية الثأر المتأصلة في الصعيد والتحول الذي يفعله العلم في نفوس البشرية، فنور العلم يقتل سلاح الثأر ويحقن الدماء، كذلك يُظهر الفيلم فكرة نقد المتعلم للحياة البدائية الصحراوية البسيطة”، ويجسد الفرق بين الحضر والريف أو “الصعيد” وتحول الشخصية نتيجة اختلاف البيئة.

التفاعل في هذا الفيلم جاء من خلال طريقة إلقاء الحوار وتكثيفه وإخراج اللغة الصعيدية بصورة صحيحة واضحة، وتمثيل الحوار مع الإيقاع الموسيقي، واعتمد الفيلم علي الديكور الواحد للمكان الواحد أيضاً، وهو بيت بطلة الفيلم عساكر “فاتن حمامة”، وينبع جمال العمل من ثلاثة زوايا هي المكان الواحد والحوار الدقيق، والتمثيل بالكلمات لإستخراج الشعور المنوط توصيله، كذلك قلة عدد الشخصيات، فالسيناريو يقوم على ثلاث شخصيات رئيسية هي عساكر وولدها والخالة “مبروكة (كريمة مختار) بجانب صوت غنائي لا يظهر علي الشاشة ولكن له تأثير فعال وقوي، اعتمد المخرج علي مفردات مادية بسيطة لإخراج عمل فني جمالي محكم الأركان.

خُصص اليوم الأول للأفلام التسجيلية القصيرة وأفلام الأنيميشن حيث تم عرضت  ستة أفلام تسجيلية وفيلمان من افلام التحريك:

الأفلام التسجيلية هي “سيرة أمل دنقل، حياة طاهرة، صرخة طفولتي، مخبوط، أوني، حلوان أنا.

1– فيلم “سيرة أمل دنقل” المشترك الإخراج بين المخرج المصري أيمن الجازوي والمخرج الإيطالية كريستينا بوكيليني، يحمل التيمة التقليدية لأفلام السيرة الذاتية حيث استضافة الضيوف للحكي عن الشخصية المحورية  وهي شخصية الشاعر أمل دنقل، والضيوف هم الشاعر عبد الرحمن الأبنودي والدكتور جابر عصفور، والدكتور سيد البحراوي، وكذلك أرملة أمل دنقل الصحفية عبلة الرويني. ويستخدم الفيلم لقطات من الأرشيف عن حياة أمل.

كما تخلل الفيلم أشعار له تترجم ما سرده الضيوف عن الشاعر العظيم  ليكتمل رسم الشخصية أمام المتلقي حيث الإنغماس في بيئة أمل دنقل عن طريق أصدقائه وأهله وصوره وبيئته المكانية وأشعاره بصوته وهذا ما أضفي سمة الحيوية علي السرد أو ما يحكي عنه.

وجدير بالذكر أن هذا ليس أول فيلم عن الشاعر أمل دنقل، بل كانت هناك أفلام أخري كفيلم “سيرة أمل دنقل.. أمير شعراء الرفض” يقوم علي نفس التيمة وغالبا استضاف نفس الضيوف بإختلاف بسيط في بعض الشخصيات.

أمل دنقل

2- الفيلم  الفلسطيني “صرخة طفولتيللمخرج أحمد موقدي:

جسد فيه خروج الأطفال الفلسطينين في قرية النبي صالح، غرب مدينة رام الله بالمظاهرات ضد العدو الصهيوني، وذلك من خلال مناقشة فكر هؤلاء الصغار لما يعايشونه من الاحتلال الغاصب لأراضيهم ولحياتهم، وعدم استسلامهم لما يحدث حولهم، و اصرارهم علي المواجهه بالمظاهرات والأناشيد والشعارات الرنانة لفلسطين، أمام الجنود الأسرائيلين يكاد لا يفصل بينهم فاصل، ينددون باستعمار أراضيهم ويغنون ويعلقون الزينات احتفالا بالمناسبات أمامهم. وكذلك يعرض الفيلم لدور الأهالي في الموافقة على خروج الأطفال في المظاهرات فهم يدعمون قضيتهم ويزرعون فيهم الروح الوطنية وعدم الاستسلام للأمر الراهن مهما طال، وذلك حتي لا ينسي هؤلاء الأطفال قضيتهم ولا ينظرون للأمر أنه أصبح شئ عادي يمكن معايشته.

جميع مشاهد الفيلم حية، تعرض للأطفال في مسيراتهم المختلفة، ترصد أفعالهم، وكأنها تصور الروح الفلسطينية، وهذا ما نجده في معظم الأفلام الفلسطينية التي تعرض قضيتها الوطنية، الجميل بالفعل مشاركة هذا الفيلم في المهرجان حيث أضفي نوع من التنوع الثقافي.

3- فيلم “حياة طاهرة”: يعمل المخرج مهند دياب علي ثلاثية كفاح المرأة، وكان قد شارك بفلمه “حياة كاملة” في الدورة الثانية للمهرجان، وهو يحاول من خلال أفلامه تقديم صور ونماذج مختلفة تستحق المشاهدة لكفاح المرأة المصرية، ففيلم “حياة كاملة” يعرض لشخصية “كاملة” هذه المرأة التي توفي زوجها وترك لها خمس أطفال، واستطاعت تحويل التراب إلي ذهب كما يقولون، فقد أنجزت الكثير من الأعمال البسيطة إلى أن تمكنت من توفير مائة ألف جنيه قسمتهم علي أولادها الذكور الثلاثة وزوجت ابنتها، ومازالت تجوب البلاد لتجهيز ابنتها الصغيرة.

ابتعد المخرج في تقديم رؤيته لكفاح كاملة عن المليودراما وعن تجسيد ما واجتهه كاملة من صعوبات، بل قدمها بمذيج من البهجة والسرور، فهي بطلة الفيلم وهي الراوي العليم/ السارد لكل تفاصيل حياتها، ترك لها المخرج الميكروفون لتخرج بطولاتها حيث اعتمد علي السرد المفتوح وغير المقيد بزوايا للحديث، حتي خرجت كاملة في صورة إمرأة حديدية لن يصدق المشاهد أنها بعد كل هذا العمر وهذا الشقاء، مازالت تتكلم كفتاة في العشرين بكل طلاقة وثقة في النفس.

نجح المخرج مهند دياب في توصيل رسالته للجمهور. وقد أقيمت ندوة بعد العرض وضح فيها صعوبات التصوير في بلدة كاملة الريفية، وأضاف شيئا طريفا هو أن كاملة بعدما فتحت لأولادها الثلاثة مشروعات يرتزقون منها رفضت مشاركتهم فيها وسافرت إلي القاهرة لتعمل في مصنع في دار السلام حتي تستطيع أن تجهز ابنتها الصغيرة.

فيلما التحريك هما ” زير” و”فرخة”.  يناقش الفيلم الثاني وهو من إخراج محمود حميدة وأحمد ثابت وإسلام مظهر، قضية التحرش، ويعتمد علي الرمزية في توضيح فكرته من خلال الدجاجة التي تمثل الأنثي في المجتمع وتعتبر رمز الضعف في المجتمع الذكوري الذي يمثله الخفاش أو الجدي  وغيرهم، ونظرة الذكور للنساء وانغلاقها علي فكرة الجسد فقط، عند مختلف الفئات والطبقات.

والفيلم يرفض فكرة المرأة الضعيفة ويجعل الدجاجة في غاية القوة بل والعنف في مواجهة الماوقف الصعبة، فهي لا تخشي أن تواجهه ثعالب المجتمع بل ولا تتوانى في استخدام العنف للدفاع عن نفسها.

وإذا أمعنا النظر سنجد المرأة تلبس ما تريد ولكن لا تعطي الحق للآخر أن يتعدي علي وجودها، الفكرة قاسية للغاية والحل أكثر قسوة لأننا لا نتحول كنساء إلي هذا العنف للدفاع عن أنفسنا، كذلك نحتاج إلي مقاييس خاصة لنقوم بهذا الحل، ولهذا نجد في المشهد النهائي وهي تجلس في عيادة للطب النفسي تنتظر دورها فتدخل علي الطبيب تجده أحد المتحرشين بها فتقوم بضربه!

الأفلام الروائية القصيرة

خصصت بقية الأيام لعرض الأفلام الروائية القصيرة، فقد شارك في هذه الدورة خمسة وعشرين  فيلما متنوع الاتجاهات والأفكار، يظهر في معظمها بساطة التنفيذ وهي تنقسم الى أفلام اجتماعية: “أكثر إنسانية، الحرامي، هياج عام، 130 كم للجنة، أمراض نسا، ساعة في اليوم، سكر ولاد”، وأفلام تجسد فكرة الصراع النفسي والوجداني مثل “حالة انتظار، ثلاث ساعات إلكترونية، عندما تكون، الدكان، الجواب الأخير” نجم كبير.. وغيرهما.

القيمة في هذه الأفلام هي الفكرة وكيفية تنفيذها بأقل الامكانيات حتي خرجت بهذه الصورة الجيدة، فكرة نضال المخرجين الشباب بدون أي امكانيات لإخراج أفلامهم التي نجد في أغلبها النضج الفني للشكل والمضمون.

“فيلم عندما تكون”إخراج محمد العسكري: يجسد حالة اغتراب فتاة ووحدتها، فهي تجلس في جميع الأماكن المليئة بالبشر لكنها لا تراهم ولا تتفاعل معهم، الفيلم جسد هذه الفكرة البسيطة من خلال فتاة كل ما يحيط بها من شخصيات مجرد تماثيل صماء، الوجوه ليس لها ملامح، ليس هناك تواصل بينها وبين الآخر، ولا تواصل علي الإطلاق بين الآخرين وهذه حالة اغتراب عامة، أيضا التعليق الصوتي في الفيلم للمخرج، تماثل  مع الآخر فالإغتراب ليس حالة شخصية للفتاه بل تجمع بين فئتي الشباب ذكورا وإناثا، وليس هناك تسلسلا زمنيا في أحداث الفيلم.

أما “فيلم 130 كم للجنة” إخراج وتمثيل خالد خلة”، فهو يعرض للشباب المسافرين للعمل في منتجع العين السخنة السياحي، ومناطق سياحية أخرى، ويصور الأماني والأحلام المادية التي سيجدونها هناك، وذلك من خلال  شخصية خالد الذي يعيش مع أخيه الكبير يتعارض معه في معظم الأوقات، يعرض عليه صديقه السفر للعمل في العين السخنة، ويمنيه بالأماني والأحلام، يسافر الاثنان لكي يكتشفان حقيقة العمل وهو حراسة طريق صحراوي تسلخ فيه الشمس جلودهم، وعندما يكتشف خالد الحقيقة يتعارك مع صديقه ولكن المشرف يأتي ويضربهما، فيفران هاربان من المنطقة مع زميل لهما.. ويحاولان خلع الملابس التي أعطاها لهم مشرفهم حتي لا يسجنوا بها، مشهد النهاية متميز، هما يجريان بكل طاقة يحاولان التشبث بأمل جديد في مكان آخر.

حاول خالد خله في هذا الفيلم ابراز الصراع الداخلي لشاب تائه يبحث عن مخرج ليستقر فيه. تتخلل الفيلم حوارات بسيطة ساذجة بين خالد وصديقة تكشف عن تفكير الطبقة الفقيرة ومخاوفهما من بعض الأعمال بيع الخمور وتقديمها والتعامل مع لحم الخنزير وهو ما يكشف عن تناقض الشخصية المصرية، فمصطفي الذي يرفض أن يقدم الخمر يعطي لصديقه علكة نعناع حتي يستطيع التعامل مع الفتيات دون أن تنفر منه.

يناقش فيلم “ثلاث ساعات إلكترونية” إخراج يوسف نعمان” صراع فتاة مع حجابها، هي لا تريد ارتداء الحجاب، ولكن لا تستطيع مواجهة المجتمع إذا خلعته، لذا تقضي ثلاثة أيام في إجازة ترسل إلي الله رسائل  إلكترونية تناجيه فيها وتطلب منه أن يرشدها ويهديها، ولكنها في النهاية لا تستطيع مواجهة الأمر أمام الجميع وتضطر إلي ارتداء الحجاب عند الرجوع للعمل، وتطلب من الله أن يسامحها لخوفها من الناس.

معظم الأفلام تمثيل شباب أغلبهم غير معروف ولكن نجد علي سبيل المثال  فيلم كل من ” نجم كبير إخراج” روجينا بسام بطولة محمود قابيل، يناقش شعور اللفنان بالوحدة عندما يكبر وتختفي عنه الأضواء، يعيش متحسرا علي الماضي، وفيلم “ساعة في اليوم” تأليف وإخراج بيتر صمويل، وهو من  تمثيل المنتصر بالله ولطفي لبيب. ويلعب هذا الفيلم علي فكرة البصيرة عند الإنسان والأمل الذي يجعله يري الدنيا من منظور مغاير عن فكرة التشاؤم والواقع الذي نعيشه، من خلال مريضين يجتمعان في غرفة واحدة في المستشفي، يريد المنتصر بالله أن يري الدنيا التي حجب عنها نتيجة مرضه، فيقرر لطفي لبيب أن يحكي له عما يراه في الشباك، ثم يموت لطفي لبيب ويكتشف منتصر بالله أن زميله كفيف وأن جميع ما حكي له كان خيال في وجدان زميله.

الفيلم لقي استحسان الجمهور علي الرغم من بساطته، فهو نجح في تحريك مشاعر المتلقي، ولي هنا إشارة بسيطة ألا وهي: أي عمل فني يجيد تحريك جانب المشاعر عند الجمهور أو المتلقي فهو يوضع عندهم في جانب الذاكرة العاطفية، بعيدا عن أي تحليل فني للفيلم، وهنا يصبح الناقد في تعارض مع الجمهور، فالجمهور يشعر ويجعل مشاعره سلاحا للدفاع عن العمل وإذا تحدثت مع الجمهور تجده يدافع عن الفيلم لتأثره بشخصياته وتعاطفه معهم وأي جانب تحليلي من قبل الناقد لا يهم علي الرغم أن الناقد والمحلل لا يهاجم  هذه الأفلام بل يضيئها، حتي لا نعيش متأثرين فقط بالأفكار البسيطة.

في حفل الختام الذي أقيم في سينما زاوية في القاهرة، عرض فيلم ماجي أنور، وهو فيلم تسجيلي قصير مدته 15 دقيقة يستضيف فيه كلا من جميل راتب سمير صبري ويسرا ونيلل، وغيرهم” يتحدثون فيه عن الراحلة فاتن حمامة، ومواقفها معهم، يسردون عن شخصياتها على الشاشة، ويتخلل الفيلم لقطات من أعمالها الفنية، ثم اختتم برسالة بصوت فاتن حمامة، وهذه كانت اللحظة المؤثرة في الفيلم.

الأعمال  الفنية التي حصلت علي جوائز المهرجان: “حلوان أنا”، “فرخة ولكن”، “مخبوط”، “ثلاثة أيام إليكرونية”.

Visited 61 times, 1 visit(s) today