تعليقا على مقتل بازوليني: ماذا كتب مورافيا وكالفينو ؟
أثار مقتل للشاعر والكاتب والمخرج السينمائي العظيم بيير باولو بازوليني، ابن عصرنا بعنفه وتناقضاته العاصفة، الكثير من الجدل ولايزال يثير حوله التساؤلات. وقد ظهرت أفلام عديدة عن موضوع مقتل بازوليني، أشهرها وأهمها ربما يكون الفيلم الايطالي الوثائقي “جريمة ايطالية”.
وبمناسبة مرور 40 عاما على “اغتيال بازوليني” نقدم هنا ترجمة لما كتبه اثنان من كبار الكتاب الايطاليين في التعليق على مقتل بازوليني، هما الروائي الكبير البرتو مورافيا والكاتب الايطالي ايتالو كالفينو، وكانا من أصدقاء بازوليني المقربين رغم الخلافات الفكرية بين ثلاثتهم.
قتله العنف الجماعي
لم يتنبأ بيير باولو بازوليني بموته الفعلي، لكنه تنبأ بالطريقة العنيفة والفظيعة التي مات بها. لقد تحدث عنها، وايضا كتب أن الرحمة ماتت. لقد استخدم كلمة الرحمة بمعنى العلاقة الدينية مع الواقع، المعنىالمضاد لانعدام التقوى، فقد رأي كيف أصبحت عدم التقوى نوعا من اللذة الجماعية. وكما قلت، فقد تنبأ بالسلوك، وأود أن أضيف أنه تنبأ ايضا بالمكان. لقد ذهبت الىالمكان الذي قتل فيه، وبدا لي أنني شاهدته من قبل، لقد وصفه بازوليني في روايتين له هما «قسوة الحياة» و«حياة عنيفة» وكذلك في فيلمه الأول “أكاتون”.
لقد أعاد بازوليني تجسيد حدود العنف الجماعي، رغم أنه كان ضبابيا غير واضح، بما في ذلك طرق معينة في الحديث، والملبس ، لكنه لم يكن لديه ابدا رؤية محددة له. لقد كان محقا، تماما كما أن المرء محق وهو يتابع ملامح شكل ما في الظلام. لكن هذا العنوع من العنف لم يكن شيئا عرفه أو عانى منه. في قصيدة شهيرة يتحدث رامبو عن الاحساس بالفجر من خلال مئة علامة فضلا عن رؤيته كاملا «في جسده الهائل» الى النهاية. لقد رأى بازوليني العنف تماما كما رأى رامبو الفجر. لقد لمح «جسده الهائل ولكن في اللحظة الأخيرة. يقول رامبو إنه بعد أن اكتشف الفجر مباشرة، فانه سقط في نوم عميق، وعندما استيقظ وجد أنه في منتصف النهار. لقد رأى بازوليني العنف الجماعي مكتملا مرة واحدة فقط. لمحة واحدة مرعبة، ثم كان الظلمة الحالكة، دون استيقاظ.
(ألبرتو موافيا، كوريير ديلا سيرا، 4 نوفمير 1975)
أخلاقية جديدة
لن تتاح لي الفرصة الآن أبدا للاجابة على ذلك الخطاب. ففي عدد 30 أكتوبر (1975) من جريدة «الموندو» نشر بازوليني خطابا مفتوحا الي في موضوع العنف الذي يجتاح العالم اليوم. وفيه وجه نقده لي بسبب ما نشرته في «كوريير ديلا سيرا» حول عملية التدهورالتي نعيشها دون أن أقدم تفسيرا لها، وفضلا عن ذلك، بدون أن أقدم التفسير المفضل اليه والذي يتلخص في «الاستهلاكية» التي تدمر كل القيم القديمة وتحل مكانها عالما شديد القسوة لا مبادئ فيه. لقد كانت ميزة بازوليني الكبرى ككاتب، كان دائما يسعى الى أن يكون فضائحيا وأخلاقيا، أنه رطح اشكالية نمط جديد من الأخلاقية التي تضم تلك الجوانب في التجربة الانسانية التي اعتبرت طويلا غامضة، والتي كانت الأيولوجيا والأخلاقية دائما تميلان الى تجاهلها. انها ليست مهمة سهلة. وكل الطروحات التي قدمت في هذا المجال حتى الآن تبدو متعجلة، بما في ذلك ما تبناه بازوليني وما رفضه.
المؤكد أن على أكثر من جيل أن يعمل فكره من أجل التوصل الى أخلاقية تصلح للجميع، بما في ذلك أولئك المستبعدين حاليا. ولكن طالما اننا سنصل في الوقت المناسب، وهذه الطريقة ستكون الأكثر بلاغة في تقديرنا لأعمال بازوليني واعتبارنا موته شاهدا على العنف في عالمنا.
(ايتالو كالفينو، كوريير ديلا سيرا، 4 نوفمبر 1975)