تساؤلات حول صورة المسيحى فى الدراما المصرية

ثار انتباهى مؤخرا دعوى قضائية رفعها محام مسيحى من الخطأ طبعا ذكر إسمه،على فريق عمل مسلسل دوران شبرا، بتهمة إهانة المسيحية وتصوير السيدات المسيحيات على أنهن منحلات أخلاقيا.. لماذا؟ لأن سلوك إحدى الشخصيات فى العمل لم يعجب سيادته!

وطبعا لأنه لم يرض عنها فمعنى ذلك أن المخرج والمؤلف أهانا الدين الذى تتبعه تلك الشخصية وهذه ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة نذكر بالطبع أزمة فيلم (بحب السيما) و(واحد صفر) ومن قبلهما مسلسل (أوان الورد) لعمنا وحيد حامد وشيء من الغضب على فيلم (فيلم هندى) فلماذا يكون المسيحى هو المهزوز مسلوب الإرادة ولماذا يسرق الشقة من صديقه المسلم ولماذا يكون المسلم هو الجدع الذى يضحى بحبه الكبير من أجل صديقه المسيحى؟!

وبعض هذا الغضب يتحول إلى مظاهرات داخل وخارج الكنيسة ودعاوى قضائية تطالب بوقف العمل الذى بين قوسين (إزدرى المسيحية) وهكذا يتحول عمل درامى إبداعى واقعى من قبل بعض المنتفعين أوالمتخلفين أو طالبى الشهرة إلى شوكة فى جنب الوطن الجريح ومسمارا فى نعش المرحومة المأسوف على شبابها الوحدة الوطنية. 

وهكذا أيضا نرى أن البعض يسكبون عفن السلوك الفردى لشخص ما على ديانة هذا الشخص والأمر يكون حساسا جدا ومعقدا لو كان هذا الشخص مسيحيا، فإن قدمت الدراما شخصية زوجة مسيحية خائنة سارع البعض من المسيحيين إلى إتهام صناع الدراما بإزدراء المسيحية بأكملها وكأنه لا يوجد زناة مسيحيون ولا قتله ولا لصوص وأفاقون ونصابون منتسبون إلى المسيحية… ولابد دائما أن يكون (حاتم رشيد) فى عمارة يعقوبيان مسلما لأنه لا يوجد شواذ جنسيا من المسيحيين ولابد أن يكون (مبروك) المتاجر بالدين فى الزوجة الثانية و(عرابى) فى “كلمنى شكرا” مسلمين لأنه لا يوجد رجال دين مسيحيين متاجرين بالدين!

إذن فالقاعدة الدرامية فى هذا الشأن هى “هانى” فى “الإرهابى”،والشذوذ هو عدلى فى “بحب السيما”.. القاعدة هى المقدس متى فى “الزوجة الثاني”، والشذوذ هو عاطف فى “فيلم هندى”، أو يوسف داوود فى “حلم الجنوبى”، وسميحة أيوب فى “أوان الورد”وأنا لا أذكر أسماء الشخصيات فى تلك الأعمال..

القاعدة الدرامية أن يكون المسيحى مثالى – ملاك – جدع – طيب القلب – متسامح، والشذوذ هو أى صفة سيئة أو حال مضطرب.

أحمد راتب (المسيحي) في فيلم “عمارة يعقوبيان”

ولكنى أنا المسيحى لست هكذا فأنا إنسان أخطىء كثيرا وأصيب، بداخلى ملاك يصارع شيطانا ككل البشر..أحيانا ينتصر، وأحيانا ينكس، والخير بداخلى يمتد وينحسر.. أنا لست هانى (مصطفى متولى) فى فيلم “الإرهابى” ولست (مرقس) فى “حسن ومرقس”، ولست المقدس فى “خالتى صفية والدير”.. أنا لست ملاكا ولا شيطانا أنا إنسان.   

الكثيرون منا إذن لا يفصلون بين سلوك الشخص كنتاج مجتمعى وتربوى وشهوانى وبين دينه.. أعرف مسيحيين فى قمة التعصب ما أن يروا مسلما فاسدا حتى يصرحوا وقاحة بأن كل المسلمين هكذا ودينهم هكذا، وأعرف مسلمين فى قمة التعصب والتشدد ما أن يروا مسيحيا منحرفا حتى يؤكدوا بثقة غبية أن كل المسيحيين هكذا ودينهم يبيح لهم هذا، فلو كانت متبرجة مسيحية ذات سلوك سيء قيل من البعض عن كل المسيحيات أنهن هكذا، ولو كانت منتقبة أو محجبة ذات سلوك بطال قيل من الطرف الآخر أن كل المسلمات هكذا.

 إن تلك الثقافة التى تغلغلت فى أرواح الكثيرين منا،هى من أدبيات العهد البائد أراها كانت أمرا مقصودا وموجها من نظام كهل متصابى كان يظن أنه مخلد لا يفنى، والهدف منها زيادة حالة الإحتقان بشكل غير مباشر فتترسب الكراهية فى القلوب وتتوارثها الأجيال فننشغل بالصراع فيما بيننا عن هذا الكهل الغبى.

أذكر أول مرة شاهدت فيها فيلم “الإرهابى” عندما عرض فى التليفزيون فى منتصف التسعينيات تقريبا، وكان يشاهده معى صديقى المسلم مدحت، وهو أخ لم تلده أمى. وفوجئت به يقول لى بعد أن شاهد شخصية هانى: هو لابد أن تكونوا ملائكة فى كل الأفلام ونحن الشياطين؟

ولم أنتبه وقتها لمغزى الكلمات فقد كنا مراهقين نرى الحياة ملونة بألوان الطيف وما أجمل الدنيا عندما نراها بعيون المراهقين لكن تلك الجملة لم تغب عن بالى وكنت أتذكرها كلما شاهدت الفيلم فيما بعد.

ووقتها لم أكن أعرف من القنوات سوى الأولى والثانية وأحيانا الثالثة فلا فضائيات ولا دش ولا وش فكنت مجبرا على رؤية الفيلم الواحد عدة مرات فى الشهر وهو يذاع على نفس القناة، ولاحقا ومع تكرار المرار الطافح بين المسلمين والمسيحيين فى بلدنا أدركت مغزى كلمات صديقى التى لم يكن يقصد من وراءها شيء وإنما كان يعبر عما بداخله من إحساس.. مجرد إحساس.. فإن كنا أخوة يا أخى وإن كنا نسيج واحد وشركاء فى الوطن كما يفترض بنا أن نكون فلماذا لابد دائما أن تكون أنت الطيب وأنا الشرس والقبيح؟

 لماذا يجب دائما أن تكون ملاكا أو نصف ملاك وأنا شيطان أو نصف شيطان؟ لماذا لا نتعامل مع الإنسان على أنه إنسان وليس دين ومعتقد ولماذا لا نفهم أن شخصا سيئا لا يعنى دينا سيئا، ورجل دين فاسد لا يعنى دين فاسد؟ لماذا لا نترك من يبدع يبدع ومن يفكر يفكر؟ لماذا لا نتركهم يعبرون عنا ويواجهوننا بمشاكلنا علنا نستطيع حلها بدلا من أن نزيدها تعقيدا؟

لماذا ولماذا ولماذا مليون سؤال ولا إجابة مليون صرخة ولا سامع مليون إستغاثة وما من مغيث.. يا مغيث.. كفاكم تربصا ببعضكم إن كنتم تريدون خيرا لهذا البلد إرحمونا.. إستقيموا وإعتدلوا يرحمكم الله.   

Visited 21 times, 1 visit(s) today