تجربتي مع مهرجان القاهرة السينمائي (2 من 2)

Print Friendly, PDF & Email

بعد أن أعلنت قبولي رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي في يونيو 2013 كنت أعرف جيدا أن ثائرة البعض ستثور لمجرد إسناد المهرجان إلى أنا الذي أقيم معظم الوقت خارج مصر، وأن البعض سوف ينبري بالفعل للتشكيك في القرار والقول بأنني لا أعرف الواقع المصري وأنني بعيد عنه وعن أجوائه لأنني أقيم في الخارج (تماما كما حدث مع الدكتور محمد البرادعي) ويحاولون تصويري وكأنني هبطت بـ”باراشوت” على سقف ذلك المهرجان العجوز، وهو ما حدث بالفعل من جانب بعض الصحفيين الصغار من المرتزقة والذين اعتادوا التطفل على مهرجانات السينما، أي ذلك النوع من الصحفيين المغرمين بالتطفل على موائد الطعام في الفنادق التي يقيم فيها ضيوف المهرجانات في مصر، فهؤلاء لا يشاهدون الأفلام بل يتلصصون على ما يجري حولهم فربما يعثرون على خبر من نوع النميمة أو على أي شيء يمكن استخدامه للاثارة أو التشهير.

كان أمثال هؤلاء يعرفون جيدا أن معنى أنني أتولى مسؤولية المهرجان أنهم لن يستطيعوا أن يتمتعوا بالتدليل الذي كانوا يتمتعون به من قبل. وكانت هناك حوادث معينة وقعت في هذا المجال لا أريد أن أذكرها هنا نظرا لتفاهة الأشخاص الذين “تورطوا” فيها وتمكنت من كشفهم وقتها. لكن المشكلة أن كبار الموظفين في وزارة الثقافة كانوا أيضا يعرفونني ويعرفون أنني لم أسمح لهم بالتجاوزات ولا بالحصول على المال من المهرجان كمكافآت على عمل لم يقوموا به بل كنوع من الاتاوة المفروضة على جميع المهرجانات التي تنزمها وزارة الثقافة، وهو ما حدث بالفعل. فقد تضامن الصغار معا ومع غيرهم كما سنرى.

بوجه عام يشعر بعض “المقيمين” بنوع من الضغينة والحقد على الذين يتمتعون بحرية الانتقال بين عواصم الدنيا ومصر، فهم يعتقدون أن من يقيمون بالخارج يعيشون في نعيم، ويرون بالتالي، أن المقيمين في الداخل المصري (أي في الشقاء- وهو شقاء من صنع البشر أنفسهم في الحقيقة) أولى بالعمل والمناصب من القادمين من الخارج، حتى لو كان هؤلاء يتمتعون بخبرة قاموا بتحصيلها عبر سنوات من الجهد الشاق والجاد، دفعوا خلالها الثمن مضاعفا: غربة وجهدا مضاعفا للتحصيل والمعرفة. وبدلا من الاحتفاء بمن درسوا وتعلموا في الخارج على نفقتهم الخاصة وليس من خلال بعثات حكومية ممولة من أموال الفقراء، اصبح “الاحباط الاجتماعي” يجعل الأكثرية ناقمين على هؤلاء الذين يشعرون بتفوقهم عليهم. وهذه بالطبع مأساة بلد ينحدر نحو أعماق التخلف بقوة!

صورة من رسالة أمل الجمل

بعد أن نشر خبر تكليفي برئاسة المهرجان تلقيت رسالة من الكاتبة أمل الجمل تقول لي فيها:


“ألف مبروك لنا – أولاً – على قبولك أن تكون رئيسا لمهرجان القاهرة السينمائي. وبالتأكيد أقول لك: كان الله في عونك.. فلا يمكنني أن أهنئك على مثل هذه المهمة الانتحارية.. حقيقة أجمل ما في هذا الخبر المبهج أنه جدد إحساسي باستمرار المقاومة وأنه لابد للظلام من أن يُهزم”.

ولكن ستعود “أمل الجمل” نفسها بعد فترة، لكي تنضم إلى شلة المهاجمين والناقمين من خلال هجوم “شخصي” مباشر وتطاول يعكس عنفا وغضبا لا أعرف له سببا. وقال لي البعض إنها كانت تحاول التودد والتقرب من “المؤسسة” الثقافية الرسمية التي تعتبرني عدوا لها. وهو ما يفعله غيرها أيضا. ولكني على أي حال أغلقت ملف أمل الجمل تماما.

أعتبر نفسي ممن يعرفون جيدا خبايا المهرجان رغم أنني لم أكن مقيما بشكل دائم في القاهرة ولكني أقمت لسنوات في فترة ما وتوليت مهام معروفة مثل رئاسة جمعية نقاد السينما المصريين وجهدي في إحياء الجمعية يشهد له العدو قبل الصديق.

كنت أعلم تماما أنني بقبولي المهمة، سأدخل “عش الدبابير” أو بالأحرى “جحر الأفاعي” كما ثبت بعد قليل. فهذا المكان الذي قام على سياسة معينة تمارسها سيدة صعدت من القاع من سكرتيرة في مكتب سعد الدين وهبة الى الحاكمة بأمرها في المهرجان، تعلمت أن تستند دائما الى عصا السلطة والى علاقات كثيرة متشابكة بأجهزة ومسؤولين، ولا يخلو الأمر بالطبع من من شبهة “تبادل المنافع” بل وفساد واضح، وكان المهرجان يبدو كيانا مغلقا له ألغازه وأسراره، وكلها ترتبط بهيمنة تلك السيدة المعروفة التي كان بامكانها أن تستبعد بطريقة فظة كل من لا يستجيب لمشيئتها، وتقرب من ينفذ تعليماتها، وأولها أن يكون الشخص عينا على ما يجري في المكان، يبلغها به أولا باول!

وقد سمعت أو روي لي بعض العاملين في المهرجان منذ سنوات،  الكثير من القصص التي تصل الى حد الاستعانة بأشخاص للاعتداء بالضرب على موظف ما رفض تنفيذ التعليمات والاستجابة لتعليمات السيدة سهير عبد القادر التي أطلق عليها في وقت ما (الحديدية)، وكانت النتيجة أن كسر ذراع هذا الشخص، ووصل الأمر إلى القضاء ثم تمت تسويته. واطلعت – ومازلت أحتفظ- بما زودني به عاملون آخرون- من أوراق وصور لمحاضر ودعاوى قضائية قاموا برفعها ضد تجاوزات “السيدة الحديدية” التي كانت تهيمن على الأمور.

وبعد أن دخلت مكتب المهرجان ظلت أغلبية العاملين بالمهرجان (وعددهم 26 موظفا وموظفة) يرتعدون من مجرد ذكر إسم تلك السيدة، ويعتقدون أنها عائدة لا محالة لتولي قيادة الأمور، وكانت تلك “العقدة” من أكثر ما واجهت من مشاكل فجميعهم يتكاسلون ويتباطئون في تنفيذ المهام التي كنت أكلفهم بها (بتعليمات من السيدة). وكانت هي قد جربت في العام السابق الدخول في مواجهة صدامية استخدمت فيها محور (ممدوح الليثي- منيب شافعي) ضد الجمعية التي أسسها الناقد يوسف شريف رزق الله باسم المهرجان وحصلت على مليون جنيه من وزارة الثقافة أنفقتها في الاعداد للدورة الجديدة، لكن الوزير صابر عرب جاء في اغسطس 2012 أي قبل المهرجان بشهر واحد لكي يقضي على الجمعية ويعيد اسناد المهرجان الى السيدة سهير عبد القادر وفريقها، أي إلى الإدارة القديمة.

أثارت تلك الفضيحة ثائرة الكثيرين في الوسط الثقافي لكنها لم تؤد أبدا الى تدفق “المثقفين والسينمائيين” الى مكتب الوزير لاحتلاله والاعتصام بداخله على نحو ما حدث بعد ذلك مع الوزير علاء عبد العزيز في أكبر وأقذر لعبة خططت لها وشجعتها ودعمتها أجهزة الأمن، وللأسف فقد شارك بعض “الأبرياء” بحسن نية في هذه المهزلة باسم الدفاع عن الثقافة المصرية ضد ما أطلقوا عليه “الأخونة” بعد أن ألغى علاء عبد العزيز انتداب اثنين من كبار موظفي الوزارة في دار الأوبرا وهيئة الكتاب بموجب مستندات تدينهما بالفساد والكسب غير المشروع واستغلال النفوذ.

ولدي شخصيا رسائل عدة من نقاد وكتاب معروفين يهنئونني فيها بتولي المنصب ويشيدون بقرار الوزير علاء عبد العزيز، إلا ان نفس هؤلاء الذي طلبوا التعاون معي في العمل، عادوا فانضموا الى الاعتصام سيء السمعة في مقر وزارة الثقافة بعد ذلك والتقطوا الصور هناك وأخذوا يهنؤون بعضهم البعض، فقد كان المجال مجالا للمزايدات، ومن لم يذهب للاعتصام كان يصور على أنه موالٍ للاخوان، تماما كما يحدث حتى اليوم من الادعاء بأن من لم يذهب الى ميدان التحرير في يناير 2011 ليس ثوريا، وهو نوع من المراهقة الفكرية والمزايدة المتدنية بالطبع، فليس كل من وقفوا في “الميدان” ثوار بحق، وليس كل من اعتصموا في مقر الوزارة “أبرياء”!

الموقف من الرقابة

لا يعرف كثيرون أنني لم أقابل علاء عبد العزيز سوى مرة واحدة من قبل حينما اشتركت معه كمتحدث رئيسي على المنصة مع آخرين هم الدكتور يحيى عزمي والراحل السيد سعيد والدكتور ناجي فوزي في ندوة أقامها المجلس الأعلى للثقافة. كان ذلك على ما أزن في 2008.

علاء عبد العزيز

ولا يعرف كثيرون أنني لم أطرق باب علاء ولا غيره من الوزراء والمسؤولين الكبار في الدولة المصرية التي انفصلت عنها تماما منذ أن اخترت طريق العمل الحر في الخارج بل وفي الداخل، وأنني عندما توليت مسؤولية مهرجان الاسماعيلية في 2001 ثم 2012 كنت أؤدي مهمة مؤقتة كمحترف أقدم خبرة معينة وليس كموظف في الدولة.

في مايو 2013 كنت أحضر في مهرجان كان السينمائي. وقتها بدأت الاتصالات معي بشأن تولي مسؤولية رئاسة المهرجان واستمرت المفاوضات. ووضعت شروطا قاسية وصلاحيات كاملة قبلت كلها بل ووصل الحديث الى حد أنني رفضت أي رقابة على أفلام المهرجان. وقد قبل علاء عبد العزيز هذا الشرط وتعهد بأنه سيتصدى لوقف الرقابة عند حدها إذا تدخلت. وأود هنا أن أذكر الواقعة التالية للتاريخ:

أثناء عملي كمدير للدورة الـ15 من مهرجان الاسماعيلية السينمائي في 2012 جاءني الصحفي إياد إبراهيم من صحيفة “الشروق” المصرية لإجراء مقابلة صحفية معي. وكان من ضمن الأسئلة التي وجهها إلي سؤال يتعلق بموقفي من الرقابة إذا أرادت مراقبة أفلام المهرجان، فكان ردي أنني أرفض إرسال الأفلام للرقابة وأرفض تدخل الرقابة في المهرجانات السينمائية في مصر. وقد نشرت المقابلة وكان عنوانها الرئيسي: “مدير مهرجان الإسماعيلية: لن أسمح للرقابة أن تشاهد أى فيلم” (الشروق- بتاريخ 11 مارس 2012).

رابط المقال هنا

بعد نشر الموضوع بيومين جاء الى مكتبي في المركز القومي للسينما موظف يحمل خطابا موجها لرئيس المركز من مدير عام الرقابة على المصنفات الفنية (سيد خطاب) يشير فيه إلى تصريحاتي الصحفية الأخيرة، ثم يطلب من رئيس المركز “التنبيه” على “الزميل الفنان”- الدكتور أمير العمري، بضرورة احترام قانون الرقابة وعدم اصدار أي تصريحات من شأنها التحريض ضده (!!).

لم أشعر بالغضب لكون الخطاب لم يكن موجها لي بشكل مباشر (فلم أكن- كما أوضحت- موظفا من موظفي الدولة، وبالتالي فعتاة البيروقراطيين يعتبرونني “محترفا” يؤدي عملا، وليس “مسؤولا” يخضع للوائح الادارية) أما أكثر ما أشعرني بالضيق فكان وصف مدير الرقابة لي بأنني “الزميل الفنان” فلم أكن زميلا، كما أنني لا أعتبر نفسي فنانا!

وقعت على الخطاب باستلامه دون أي إشارة تفيد التعهد بالالتزام بما فيه، فقط “علم وشكرا”. واحتفظت بصورة منه كوثيقة من وثائق البيروقراطية المصرية.

مساء نفس اليوم جاء الى مكتبي رئيس المركز القومي وقتذاك، المخرج مجدي أحمد علي لكي يناقشني في أمر “خطاب الرقيب” وسألني: ماذا سنفعل؟ فقلت إنني أرفض مراقبة أفلام المهرجان. فقال إنه كمسؤول حكومي يجب عليه الامثتال للأمر. فقلت له ببساطة: لماذا نتطوع بإرسال الأفلام إليه؟ دعه يطالبنا رسميا بارسالها، وعندها ننظر في كيفية التعامل معه. فاقتنع مجدي بهذا الرد. ولم يطلب الرقيب ارسال الأفلام، كما لم نرسل نحن إليه أيا منها. وعرضنا بالمهرجان فيلما مثيرا للجدل هو فيلم “العذراء والأقباط وأنا” (الذي فاز بعدد من جوائز المهرجان) وعندما أرادوا عرضه ضمن مختارات من المهرجان في مركز الابداع بدار الأوبرا المصرية، طالبتهم المسؤولة عن النشاط السينمائي (وهي مخرجة) بالحصول اولا على موافقة الرقابة كتابة على عرض هذا الفيلم.

هذا نموذج حقيقي وعملي أسوقه لكي ندرك مغزى اتفاقي مع الدكتور علاء عبد العزيز. يمكنك أن تقل عنه ما تشاء وأن تختلف كما تشاء مع توجهاته الفكرية وقناعاته السياسية، إلا أنك لا تستطيع أن تتهمه بالجبن والانصياع لتعليمات رجال السلطة والأمن، لقد كان أول وزير للثقافة من داخل اللعبة السينمائية، ولم يكن رجل سلطة في النظام القديم الذي يحكم عن طريق عملاء الأمن في الوسط الثقافي حتى يومنا هذا. هل كان هذا- إذا ما كتب له أن يتحقق- مكسبا للثقافة السينمائية في مصر أم لا؟ أترك الجواب على هذا للزملاء المحترمين.

وافق علاء عبد العزيز على أن ينص  (كتابة في العقد- وليس من خلال قرار عام مقتضب كما يحدث حتى اليوم) على أن أحصل على حق اختيار الأفلام ولجان التحكيم بالاشتراك في الرأي مع معاوني الذين أختارهم طبقا للكفاءة. ولم أتجاوز سلطتي حينما تعاقدت مع مجموعة من خيرة النقاد الشباب في مصر. وقد حددت لهم بموجب عقود واضحة، التخصصات والمسؤولين التي سيتحملونها فقد قررت وقتها أن أفكك المهرجان الى مجموعة من البرامج والأقسام وتحديد شخص واحد كمسؤول عن كل قسم، والاستعانة بمدير تنفيذي ينسق العمل ويتابعه بين شتى المسؤولين عن تلك الأقسام. لكن جاء الوزير العائد صابر عرب لكي يشن ضدي حملة قذرة افتتحها بقوله إنني قمت بتجاوزات وصلت حد أنني تعاقدت مع مجموعة ممن وصفهم بالـ “مستشارين” وهم لم يكونوا مستشارين بل مسؤولين عن أقسام المهرجان. ووضعنا خطة شاملة لتكوين فريق كامل للمهرجان يبلغ نحو 40 شخصا (إلى جانب الـ26 موظفا). وحددنا الأسماء والاختصاصات. ولكن هل كان مناخ الكراهية والهجوم والعداء والتشكيك القائم سواء داخل مقر العمل أو خارجه، يسمح لنا بأن نتقدم في مهمتنا؟ لقد وصل الأمر الى الاتصال بالشركات التي اعتزمنا التعاقد معها مثل شركة أنيس عيبد للاستعانة لأجهزة الترجمة الالكترونية، لتحذيرهم من التعامل معنا وبالتالي تراجع مسؤول الشركة وتوقف عن الرد للمكالمات الهاتفية!

جاء “الصحفي النكرة” الذي يخرج الأفلام أحيانا (أخرج ثلاثة أو أربعة أفلام ذهبت كلها طي النسيان!) وكنا قد ذكرنا اسمه في مقال سابق غير أنه اعترض على ذكر اسمه لذلك سنكتفي بأن نلقبه بـ”الصحفي النكرة” بناء على طلبه، جاء هذا الصحفي الذي كنت أعرفه منذ سنوات (الطريف أنه بلغ الرابعة والأربعين ولايزال مصرا على وصف نفسه بالمخرج الشاب وشرحت له أننا إزاء وضع جديد تماما الآن.. فها قد أصبح هناك رئيس للمهرجان اعتاد أن يعمل بنفسه، وليس مجرد رئيس شرفي يستند على مدير فني يحتكر كل الخيوط في يده، ويبقي منصب الرئيس منصبا شكليا، يوقع على الأوراق فقط.

كنت في الحقيقة معترضا من الأصل والأساس في كل كتاباتي على ازدواجية الرئيس والمدير التي هي آفة من آفات البيروقراطية المصرية في مهرجانات السينما.. فقد كنت أرى أن الشخصية الأولى التي ترجع إليها الأمور في كل جوانب المهرجان يجب أن تكون شخصية مدير المهرجان أما الرئيس فيظل دائما منصبا شرفيا. أما في مصر وبعد تجربتي في العمل كمدير للمهرجان فرغم أنني فرضت بشخصيتي وأسلوبي وخبرتي، الاحترام لهذه الفكرة، إلا أنني أعترف بوقوع الكثير من التجاوزات من جانب “الرئيس” الذي تعاملت معه، أقصد أنه كان لابد وأن يعتدي الرئيس أحيانا على دور مدير المهرجان، فرئيس المهرجان يكون عادة من رجال السلطة أو موظفي الدولة أو المحسوبين عليها أو يكون رئيسا غائبا يترك كل الامور في يد “الست”!

تفاديا لكل هذه المشاكل قررت أن أصبح رئيسا يعمل عمل المدير وأن أكتفي باختيار مدير تنفيذي ينسق ويساعد كمساعد لرئيس المهرجان. لكن صاحبنا هذا، الذي جاء في البداية يقدم لي فروض الطاعة والولاء ويخاطبني بـ”سيدتك وحضرتك” رغم زوال الكلفة بيننا منذ زمن، وافق في البداية على العمل دون شروط بل ودون مقابل، ثم طلب أن يكون “مديرا للمهرجان” بدعوى أن هذا “حقه”- وهي كلمة ظل يرددها كثيرا على مسامعي الأمر الذي أدهشني وجعلني أتساءل: بموجب أي حق ياترى يتكلم؟ المهم أنني طلبت منه أن يكتب لي المهام التي يقوم بها المدير في وجود رئيس سيكون له دور مباشر في الجوانب الفنية. فأرسل إلي قائمة تصل إلى 35 بندا تشمل كل صلاحياتي وغيرها كثير جدا واشياء لا يمكن لأي انسان القيام بها بمفرده بل تحتاج الى طاقم كامل من العاملين كنت بصدد تكوينه وقتها.

قمت بتحرير عقد له حددت فيه 5 او 6 مهام، لكنه كان دائما يراوغ، ويحاول بشتى الطرق التملص والتسويف ويقول إنه مستعد للعمل بدون أجر، ومن أكثر من يخيفني ويثير نفوري أن يزعم أحد أنه يريد العمل دون مقابل، فلابد في هذه الحالة أن يكون له هدف آخر، وكان الهدف الحصول على الصفة التي يريدها كمدير للمهرجان تكفل له حتى بعد تغير الوزير أن يطالب بتنفيذها، والادعاء أمام العالم كله أنه هو الذي يدير الأمور، واستخدام شبكة العلاقات التي يكونها بالضرورة في تحقيق منافع أخرى شخصية ربما. وقد رفض توقيع العقد بدعوى أنه لا يريد أجرا، ثم اتصل يطالبني مجددا بأن يكون “مدير المهرجان” وليس المدير التنفيذي، وطالب بمقابل مالي ضعف المبلغ الذي حددته تقريبا لتعجيزي، ثم انقطع عن التردد على المكتب ثم أرسل استقالته بتاريخ 5 أو 6 يوليو أي بعد أن أيقن أن الوزير سيختفي وسيأتي وزير جديد وستنجح قوى الضغط في الاطاحة بي، وبالتالي تصبح أمامه فرصة للعمل مع الوزير الجديد، وربما أيضا مع “السيدة الحديدية” إذا عادت، وكانت تثور شبهات قوية لعودتها إلا أنني أعلنت أمام كل العاملين  في آخر اجتماع عقدته معهم في مقر المهرجان بعد أن قابلت السيدة سهير عبد القادر الوزير العائد صابر عرب، أن “الادارة القديمة” لن تعود في كل الأحوال سواء بقيت انا ام رحلت، وأنني على ثقة من هذا. وقد أدهشهم جميعا قولي هذا كما صدم بعضهم. ولم تكن هناك مشكلة في استقالة ذلك الشخص لكنه لجأ إلى سلوك يشي بالتدني الأخلاقي فاتصل بالزملاء الذين كانوا يتعاونون معي وقام بتحريضهم على ترك العمل معي (والقفز من المركب الغارق) بل وهدد أحدهم بأنه سوف يحرمه من العمل معه بعد عودته، في حالة استمراره في التعاون معي!

ثنائي وثلاثي

 كان هناك ثنائي يمارس الضغوط من أجل فرض رئيس جديد للمهرجان، كان هذا الثنائي يتكون من ممثلي “جبهة ابداع” بزعامة خالد يوسف ومحمد العدل ومجدي أحمد علي، و”جبهة الثلاثي المرح”: السيدة سهير عبد القادر (التي كانت تعتقد أيضا أن المهرجان إرث خاص لها بموجب مبدأ التفويض الإلهي مثل ملوك أوروبا في القرون الوسطى وهو ما يسمح به نظام فاسد يقوم على التوريث في جميع مجالات الحياة حتى يومنا هذا)، بالاضافة الى السيد (الراحل) منيب شافعي رئيس ما يسمى بغرفة صناعة السينما، ورئيس اتحاد النقابات الفنية، مع “كومبارس” صغير هو المصور السينمائي السابق الذي أصبح رئيسا للمركز القومي للسينما في تلك الفترة ولم يستمر طويلا بل سرعان ما سيخرج متهما بتجاوزات مالية شأن ما سيأتي بعده أيضا!

سهير عبد القادر

كان ممثلو حركة “إبداع” يرغبون في الانتقام مني بالطبع لما يتصورونه عصيانا من جانبي وخروجا عن طاعة العصبة التي أصبحت في وقت ما تمارس الإرهاب الثقافي باسم “إبداع” بحثا عن نفوذ ووجود فاعل وتأثير واشباعا لمصالح شخصية ضيقة.

ما حدث فعلا هو أن الثنائي (إبداع والثلاثي المرح) تناقض مع بعضه البعض، فهناك من دعم عودة السيدة سهير مع حسين فهمي. وهناك من دعم فكرة اسناد رئاسة المهرجان الى الممثلة يسرا، وهناك ما طالب باسناد المنصب الى الممثلة ليلى علوي، وطرحت ناقدة سينمائية من جيل سابق إسم الممثل محمود قابيل..  وأرادت جماعة “إبداع” على ما يبدو فرض الناقد سمير فريد (باقتراحات من أصدقاء له داخل اللجنة) حتى لا يقال أنهم أطاحوا بناقد معروف وأتوا بشخصية لا علاقة لها بالموضوع. وقد أخبرني سمير فريد نفسه أنه عندما اقتُرح اسمه في أحد الاجتماعات مع الوزير، تساءل هانى مهنى رئيس اتحاد النقابات الفنية: “ما علاقة سمير فريد بالمهرجانات السينمائية”!

كانت جماعة ابداع تريد أن تحصل على مكافأة عن موقفها في الاعتصام ضد علاء عبد العزيز، أي أن تكون لها قوة وسلطة على الوزير. وقد عين الوزير خالد يوسف رئيسا للجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة، وضم إلى الجنة أعضاء قياديين آخرين في الحركة. وحصل آخرون على مواقع ومنافع أخرى، وظل البعض الآخر يسعى حتى لمنصب الوزير نفسه. والطريف أن خالد يوسف كان قد تقدم بطلب للوزير السابق علاء عبد العزيز لكي يسافر لمرافقة اسبوع للافلام المصرية كان سيقام في فيينا على نفقة وزارة الثقافة. وقد اطلعت بنفسي على طلبه هذا في مكتب علاء عبد العزيز- الذي وصفوه بالوزير الاخواني الذي جاء بهدف “أخونة الثقافة” بعد استغنائه عن اثنين من أصدقائهم وأعضاء دائرة مصالحهم الضيقة!

استمرت الاجتماعات بين الأطراف المختلفة ومع الوزير العائد في كل العصور: صابر عرب، لاختيار رئيس جديد للمهرجان، في حين كنت أذهب يوميا الى مقر المهرجان أمارس العمل وكأن شيئا لم يكن. ولم يحدث أي اتصال بيني وبين الوزير وكان هذا مما أثار سخط مدير قطاع مكتبه محمد أبو سعدة الذي سأل بحدة المستشار القانوني الذي كان يتعاون معي: لماذا لم يتصل ويطلب مقابلة الوزير؟ فقال له: إن هذا رجل يحترم نفسه وهو لن يسمح لنفسه بأن يتصل أو يأتي لكي يستجدي البقاء في منصبه!

تصريحات سيئة السمعة

أطلق الوزير تصريحات سيئة السمعة، لتشويه صورتي أمام الرأي العام وارغامي على تقديم استقالتي أو تبرير قرار الاقالة الذي استغرق أكثر من اسبوعين لكي يتوصلوا اليه في مكتب الوزير، بعد أن فشلوا في العثور على ثغرة واحدة، سواء في العقد، أو في تصرفاتي وقيادتي للمهرجان في تلك الفترة القصيرة. وقد روى لي المستشار القانوني للمهرجان (الذي كانت الوزارة قد أرسلته للعمل معي قبل أن يعود صابر عرب، أن مدير مكتب الوزير اتصل به وسأله عما إذا كنا قد وقعنا عقودا مع شركات أو فنادق، فقال له إننا لم نوقع شيئا (كنت قد أجلت توقيع أي عقود الى حين انجلاء الموقف) فلما قال إنه ليست هناك عقود سوى عقود الزملاء رؤساء الأقسام، قال له الرجل بشكل مباشر: حاول أن تعثر لنا على شيء هنا أو هناك، يقصد بالطبع العثور على مخالفة يمكن الاستناد إليها في طردي لكن الرجل الفاضل قال إنه ليس هناك شيء على الاطلاق بل إن رئيس المهرجان رجل محترم يعمل بجدية ونزاهة تامة. وقد أبلغت بهذا الحوار في حينه.

 والحقيقة أن الرجل دفع ثمن موقفه الشريف فيما بعد فسرعان ما تم اعفاؤه من المهمة واستبعاده من العمل بالمهرجان بعد أن أخضعوه لتحقيق مرهق سئل خلاله باستنكار عن رأيه فيما وقعته من عقود وضع هو صياغتها بنفسه، مع رؤساء الأقسام بالمهرجان، وقيل له ان هذا الاسلوب ليس متبعا في الوزارة، ولكنه أكد لهم أنني لم أتجاوز سلطاتي في ذلك، وأنها عقود سليمة مائة في المائة. ورفض بالتالي أن ينضم لجوقة المشككين والمتآمرين.

طبيعي أن يكون هذا موقف عصبة مكتب الوزير الذي عادوا معه بعد ان كان علاء عبد العزيز قد أطاح بهم لفسادهم، ولم يكن في نيتي بالطبع أن أخصص لهم أي مكافآت مالية من المهرجان.

ثم جاءت تصريحات الوزير التي نشرتها بعض الصحف وتقول إن هناك “أنباء” عن  “اختفاء بعض الأصول من مقر المهرجان” وشبهات بوجود مخالفات مالية، وانني تعاقدت مع المستشار المالي للمهرجان مقابل أربعة آلاف جنيه شهريا (هذه المعلومة غير حقيقية سمعها “الصحفي النكرة” مني، فقام بعد ذلك بنقلها الى مكتب صابر عرب عقب عودته. وقد كنت بسبب عدم ثقتي به، أتعمد أن أذكر أمامه بعض المعلومات الخاطئة. وقد وقع هو الفخ وانكشف دوره.. لكنه أيضا.. إنتهى).

لم تكن هناك أي مخالفات مالية كما سيثبت لهم أو كا يعلمون بالتأكيد، كما لم تختف أي من أصول المهرجان بعد أن شكل الوزير لجنة قامت بجرد المكان ولم تعثر على أي شيء يمكنهم التذرع به، ولم يذهب ملف المهرجان الى النائب العام كما ادعى الوزير الكاذب، ولم يتم استدعائي للتحقيق. ولكن كل هذه الأقوال المرسلة كان الهدف الحقيقي منها الضغط علي وارهابي لكي أتقدم باستقالتي، بعد أن رأوا أن عقدي ليس من المكن مخالفته الا بعد دفع شرط جزائي مالي كبير. لكن الوزير اضطر في النهاية الى الغاء العقد وجاء في قرار الالغاء أكثر شيء مضحك يمكن العثور عليه في إرث البيروقراطية المصرية فقد نص القرار على: “يعتبر العقد لاغيا بسبب بطلانه، ويبطل العمل بكل ما ترتب عليه من عقود”!

وكأنه يقول: العقد لاغ. فلما تسأله: وما السبب؟ يقول لك: لأنه باطل. وهو تهريج لا نظير له من قبل. لكننا كنا قد دخلنا مرحلة أصبحت فيها المدرعات والمدافع هي التي تفرض الأمر الواقع. أليس كذلك؟ فماذا يمكنك أن تفعل. وقد كتب سمير فريد بعد ذلك أنه أصر عندما كلف بالمنصب أن يعرف من الوزير السبب في اقالة أمير العمري. لكنه لم يكتب السبب. وعندنا التقينا سألته: ولكن ماذا كان رد الوزير: فقال ببساطة: القرار سياسي وأن الوزير قال (لأنني تعاونت مع علاء عبد العزيز) أي أنني كنت ضحية الصراع السياسي المتلقب أو المنقلبـ وأننا أصبحنا نعيش فترة تصفيات على أسس سياسية في حين أن الموضوع بأكمله لم تكن له أدنى علاقة بالسياسة.

وقد أعلنت- وعلاء عبد العزيز لايزال في منصبه- أنني سأستقيل في حالة وجود أي ضغوط علي من أي نوع أو محاولة فرض أي نوع من الرقابة على عملي بالمهرجان. قلت هذا بالصوت والصورة في برنامج “مواجهات” في قناة النيل الثقافية بتاريخ 28 يونيو 2013. وهو برنامج مسجل ومحفوظ. بل وقلت بالحرف أنني كنت ضد مبارك وأنا الآن ضد مرسي وسأكون مستقبلا ضد الرئيس القادم. فذهلت المذيعة السيدة هبة فهمي من قولي هذا وسألتني لماذا.. وهل يمكن أن تكون ضد الجميع؟ فقلت ان المثقف يجب أن يترك بينه وبين السلطة مسافة لكي يتمتع بحرية النقد ولا يقترب من السلطة أو يصبح ابدا طرفا فيها حتى لو اتفق معها. وهذا هو موقفي المسجل ويمكن العودة إليه بالطبع.

أما سمير فريد فقد كتب كلاما طيبا عني في عموده بـ “المصري اليوم”، ورفض أي تشكيك في نزاهتي، وهو موقف محترم دون شك،

في نهاية يوليو وأظنه كان يوم الثلاثين منه، لم أذهب الى مقر المهرجان كالمعتاد بعد أن علمت باقالة الدكتور المحترم جمال التلاوي من رئاسة هيئة الكتاب في تصرف وضيع من جانب الوزير العائد. والغريب أنه بعد فترة قصيرة بدأت الصحف المصرية في نشر ملفات ووثائق تثبت فساد الرئيس السابق لهيئة الكتاب أحمد مجاهد والدكتورة كاميليا صبحي رئيسة ما قطاع العلاقات الثقافية الخارجية في وزارة الثقافة. والمضحك المبكي أن الاثنين رشحا لمنصب وزير الثقافة في الحكومة التي أعقبت حكومة 30 يونيو.. صحيح أنهما لم يحصلا على المنصب، إلا أن مجرد ترشيحهما يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن كل حديث عن “ثورة حدثت” أو عن “ثورتين”، هو مجرد لغو فارغ.. فلا شيء يتغير في مصر. ورغم نشر الملفات في صحف الحكومة إلا أن “الحكومة” لم تتخذ أي قرار سواء بشأن أحمد مجاهد أو الست كاميليا، ولو مجرد تحويلهما للتحقيق في الوقائع المنسوبة إليهما. فحكومات مصر المتعاقبة (بعد الثورتين) مهمتها الأساسية التستر على فساد عهود ماضية مستمرة منذ 1954!

اعتبرت اقالة الدكتور جمال التلاوي وهو رجل جليل يتمتع باحترام بالغ في الوسط الثقافي والأكاديمي، مؤشرا على أنني أيضا سألقى نفس المصير وأن المسألة مسألة ساعات، وهو ما كنت . وبعد أن فشل الوزير في دفعي للاستقالة بشتى الطرق أفتى له مساعدوه باللجوء إلى وسيلة “قاسية” في إهانتي عن طريق ارسال ضابط أمن مكتبه في الوزارة لكي يغلق باب مقر المهرجان ويمنعني أنا ومن معي من زملائي الشباب من الدخول. ولكني لم أتعرض لهذا الموقف بل تعرض له بكل أسف، زملاء محترمون ممن كانوا يعملون معي. وقد أصدر الصحفي بـ “الأهرام العربي”، أسامة عبد الفتاح  بيانا (نشرناه على هذا الموقع) يروي فيه قصة استعانة الوزير بالشرطة لاغلاق المقر ومنعه وزملائه من الدخول في ذلك اليوم الأسود.

هنا مقال أسامة عبد الفتاح (اضغط الرابط)

جمعية النقاد

كنت قد اعتزمت أن أخصص اسبوعا للنقاد على غرار ما يحدث في مهرجاني كان وفينيسيا واتصلت قبل عودتي من لندن بنائب رئيس جمعية نقاد السينما (التي كنت عضوا فيها منذ 1974 ورئيسا لها) وطلبت الاجتماع مع مجلس الادارة وهو ما حدث بالفعل بعد عودتي وشرحت الفكرة على أن تقوم الجمعية بتنظيم الاسبوع ودعوة الافلام والمخرجين وأن يتكفل المهرجان بالتمويل. وطلبت مشروع ميزانية للأسبوع قبل أن أعتمد الفكرة وأضمها الى لائحة المهرجان.  ولكن ما حدث بعد 3 يوليو أن أصدقاءنا في الجمعية اختفوا ولم يعودوا بأي أفكار، بل وعندما نجحت في التحدث الى رئيس الجمعية أخذ يناور ويراوغ وقال بوضوح ان هناك من يرغبون في تعيين بديل لي وذكر الاسم البديل فعلا.

لم تتخذ جمعية النقاد التي قدمت لها الكثير طوال تاريخ علاقتي بها التي امتدت نحو أربعين سنة، موقفا ولو صغيرا ورمزيا، باصدار بيان واحد فقط في الدفاع عن سمعتي ضد اتهامات الوزير باعتباري عضوا من أعضائها على الأقل، ولم تعلن بأي صورة من الصور وقوفها معي، بل كان كل ما يهم مجلس ادارتها التحول الى الرئيس الجديد لكي يعرضوا عليه فكرة “اسبوع النقاد” التي جئتهم بها.

موقف جمعية نقاد السينما المخزي، دفعني إلى تقديم استقالتي من الجمعية كلها خاصة أنها فقدت دورها القديم الذي قامت على أساسه وأصبحت كيانا تابعا للحكومة على نحو ما. واعتبرت أن هذا الفصل قد أغلق إلى الأبد.

اعادة تنظيم المهرجان

كنت قد اتفقت أيضا على تنظيم تظاهرة خاصة باسم “أول مرة” للأفلام الأولى لخريجي معاهد السينما كلفت بها مخرجة شابة على أن تتعاون في ذلك مع معهد السينما.

وابتدعت قسما أطلقت عليه “منتدى الأفلام القصيرة” كلفت الناقد أحمد شوقي بالاشراف عليه واتصل الرجل فعلا وحصل على الكثير من الأفلام الخاصة بهذا القسم الذي كان سيقام للمرة الأولى في مهرجان القاهرة. كما اتفقت مع شوقي على تنسيق قسم كلاسيكيات السينما المرممة ودرس السينما.

واتفقت بشكل مباشر مع المخرج الإيراني أصغر فرهادي على عرض فيلم “الماضي” في افتتاج المهرجان خارج المسابقة بمعاونة الصديق الناقد المغربي حمادي كيروم. وكانت الشركة الفرنسية المنتجة سترسل إلينا الفيلم قبل أن أبلغهم بتأجيل المهرجان بعد أن تركته.

وكان مما أدهشني أن تصدر تصريحات صحفية منسوبة الى سمير فريد الذي تولى رئاسة المهرجان من بعدي، يبدي فيها رفضه للفيلم ويقول إنه يراه فيلما رديئا وإنه لم يكمل مشاهدته في مهرجان كان، كما قال إنه لا يريد عرض أفلام “إيرانية” في المهرجان (علما بأن الفيلم فرنسي) وهي دولة تتخذ موقف عدائيا من مصر- أو شيئا من هذا القبيل، أما أغرب ما ورد في تلك التصريحات فكان قوله إنه لم يعثر على نسخة الفيلم بين الأفلام التي وصلت لادارة المهرجان، وكان الفيلم سيصل بالطبع غير أن الوقت لم يمهلنا. وقد قام الصديق حمادي كيروم – كما قال لي فيما بعد- باقتباس الفكرة وجاء بالفيلم للعرض في افتتاح مهرجان الرباط السينمائي الذي عاد حمادي إلى تولى ادارته مجددا في دورة 2013 وقد حضرت الدورة واستمتعت أيما استمتاع سواء بفيلم الافتتاح أو بغيره من الأفلام.

سمير فريد

من تصريحات سمير فريد التي أدهشتني أيضا أنه، وهو الذي ظل لسنوات يدعو إلى ضرورة أن تتخلى وزارة الثقافة عن تنظيم المهرجانات السينماية وتتركها لمنظمات المجتمع المدني بعد أن “فشلت”- كما يرى في تنظيم تلك المهرجانات، عاد فقال وأكد غير ذي مرة، بأن أهم قضية لديه تتمثل في أن يجعل مهرجان القاهرة السينمائي “مؤسسة من مؤسسات وزارة الثقافة نفسها”، لدرجة أنه اعتبر أن فشله في تحقيق ذلك سيكون السبب الوحيد الذي يجعله يستقيل من رئاسة المهرجان، وهو انقلاب كامل في موقفه لم أستطع أن أجد له تفسيرا!

وقد حافظ سمير فريد على فكرة “أسبوع النقاد” وبنى عليها، كما حافظ على فكرة أفلام معهد السينما، واسند فكرة مسابقة الأفلام العربية إلى نقابة السينمائيين، وسعى لكسب ود القائمين على المؤسسات السينمائية في مصر مثل غرفة صناعة السينما واتحاد الفنانين والمركز القومي للسينما، كما خصص مكافآت مالية لعدد من العاملين في وزارة الثقافة ومكتب الوزير لضمان تعاونهم مع المهرجان على رأسهم محمد يوسف، مدير المكتب الفني. لكن محمد يوسف تحديدا الذي عرف بفساده وتجاوزاته وحصوله على الكثير من المكافآت بغير وجه حق، سيختلف مع سمير وينشر استقالته من المهرجان ويطعن في ذمة سمير المالية، وسيتسع الأمر ويصل الى قمته عندما يضطر سمير فريد نفسه الى تقديم استقالته ويخرج مثخنا بالجراح من معارك “المستنقع” الذي حذرته من السقوط فيه عندما اتصل بي ذات ليلة ليخبرني بما كام يجري معه من اتصالات لكي يحل محلي!

عودة الى “المستنقع”.. كنا سنقيم الدورة في موعدها رغم كل الظروف كما سبق أن نجحت في اقامة دورتي مهرجان الاسماعيلية في 2001 أي بعد هجمات 11 سبتمبر، ثم في 2012 في ظل الانتخابات الرئاسية،  ولكن المسألة لم تخلو من عقبات وانتقادات شرسة، وكان من بين الذين هاجموني عازف الأورج السابق هانى مهنى (تطرقت الى هذا في الحلقة الأولى من هذا الموضوع) عرفت أنه قضى ثماني سنوات يعالج من إدمان الكوكايين لكنه سيسقط بعد ذلك مباشرة في قضية احتيال ويصدر عليه حكم قضائي بالسجن لخمس سنوات وبعد أن يقضي ستة أشهر ثم تحدث تسوية ويدفع المال الذي احتال وسرقه ويخرج من السجن، كما هاجمني أيضا وقتها كاتب سيناريو خرج من العمل بالسينما نهائيا قبل سنوات بسبب إدمانه الخمر ودخوله المستمر في مشاجرات مع جميع خلق الله بسبب وبدون أي سبب في معظم الأحيان. وقد غادر حياتنا لذلك لا نملك سوى الترحم عليه وطلب المغفرة له.

خبر الحكم بالسجن على نقيب الفنانين في مصر هاني مهنا

في نهاية الأمر وبعد كل ما جرى: هل أنا أخطأت بقبولي المنصب؟

نعم أعترف أنني أخطأت خطأ كبيرا. ولكن ليس للسبب الذي يدور في خلد البعض، أي بالعمل مع ما يدعونه “الوزير الاخواني” الذي أوضحت أنه وافق على ما لا يوافق عليه رئيس قسم في ادارة السينما بالهيئة العامة لقصور الثقافة، أي الغاء الرقابة على أفلام المهرجان. وبالمناسبة عندما طالبته بحرية اتيار الأفلام ووافقني على تحييد الرقابة نظرت إليه وقد أسقط في يدي وقلت له: أنت توافق على كل ما أطلبه منك.. فكيف سنهاجمك إذن؟

قلت إنني أخطأت. نعم وكان خطأي أنني وثقت في أن مصر بلد قابل للتغيير أو أنه كان قابلا للتغيير في تلك الفترة المشحونة، وأن مصر ستصبح بلدا ديمقراطيا وأن حكومة الاخوان مؤقتة وستفرز الثورة قوى أخرى تنقل كصر الى الأمام وتنتزع الحكم من الاخوان الذين لم يكن لديهم اصلا أي كوادر ثقافية حقيقية مشرفة تصلح لتولي المناصب لكي يقال انهم كانوا يؤخونون الثقافة… فالاخوان رصيدهم في ميدان الثقافة صفر كبير.

أما رهاني على مصر والتغيير والدولة المصرية العريقة- لا العميقة- فقد كان مجرد وهم وكان يجب أن أدرك أن مصر لن تتغير وأن القوة الأكبر والمتغلغلة في الدولة هي التي ستستولي في نهاية المطاف على مقادير اقوة.. لا اخوان.. ولا قوى وطنية ديمقراطية.. ولا “تجمعات ثقافية” أو قوى ضغط باسم ثورة يناير.. ولا حتى “باسم يوسف”!

لم يعد هناك في مصر صوت لجماعة “إبداع” بعد أن تم تدجينها، وفر خالد يوسف خارج البلاد بعد أن لفقت له السلطة قضية كفيلة بسجنه في سياق المطاردات والحملات المستمرة ضد “الأتباع القدامى” الذين تصوروا في لحظة ما أنهم يمكن أن يكونوا “شركاء”، وخرص عاني مهنى تماما بعد خروجه من السجن وفضيحته المدوية، وخرج المصور كمال عبد العزيز من المركز القومي للسينما مصحوبا بالشكاوى ومطاردا بالمخالفات بعد أن أعفاه الوزير اللاحق جابر عصفور بطريقة مهينة، ونقل محمد يوسف من الوزراة بعد صدامه مع الدكتور جابر عصفور الذي قام تصفيته كمركز قوة اعتبر نفسه في وقت ما، فوق الوزير نفسه، واستقال سمير فريد بعد أن رفض الوزير جابر عصفور صديقه المقرب لسنوات، أن يدعم موقفه ويصدر بيانا بتبرئته من المخالفات التي اتهم بها من قبل محمد يوسف وبعض الصحفيين هواة الأكل على كل الموائد، ثم توفاه الله بعد فترة قصيرة وقيل إنه كان متأثرا كثيرا بما وقع معه. وذهب صابر عرب الى حيث لا أحد يتذكر أصلا من هو باستثناء أنه كان أول وزير في مصر يستقيل من منصبه للحصول على مبلغ 300 ألف جنيه كجائزة من جوائز الدولة، لم يكن مخولا له الحصول عليها وهو في منصبه، ثم يعود الى المنصب بعد أن يضع المال في جيبه.

وصمت المثقفون الذين كان الوزير الأسبق فاروق حسني قد أدخلهم “الحظيرة” على حد قوله، الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها في زمن الاخوان، صمتوا الآن صمت الخرفان، ولم يعد لهم صوت في أي قضية تتعلق بحرية الرأي والفكر، وانشغلوا فقط بجلسات النميمة، والتباري على حضور مهرجانات الأزياء والاستعراض والتقاط صور السيلفي على البحر، واجترار احباطاتهم على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. وبدا أن مصر تشهد مرحلة قاسية لن تخرج منها في حياتنا وربما حتى ليس في زمن جيلين أو ثلاثة أجيال قادمة. كان الله في عون مصر والمصريين.

مواضيع ذات صلة:

المقال الأول من شهادة أمير العمري

مقال الصحفي محمد شكر في “الوفد”

Visited 83 times, 1 visit(s) today