“تؤام روحي” .. حب لا يكتمل

 كتب فيلم “قصة حب” الذي عرض العام الماضي شهادة ميلاد السيناريست أماني التونسي ككاتبة موهوبة واعدة قدمت سيناريو جيد يمزج بين الرومانسية والكوميديا، يحتوي على تفاصيل مبتكرة طازجة لقصة حب قد تكون تقليدية، وأهم ما يميز أماني التونسي جودة مستوى الحوار، وتقدم تجربتها الثانية في السينما من خلال “توأم روحي” مع نفس مخرج فيلمها السابق عثمان أبو لبن، ويسير الفيلم الجديد على درب التجربة الأولى للثنائي حيث التوليفة الذكية التي تمزج الرومانسية والكوميديا لكن هذه المرة قدم الفيلم بطريقة خيالية تحمل قدرا من الفانتازيا قد يراها الجمهور غريبة وجديدة على السينما المصرية.

يرتكز فيلم توأم روحي على ثلاثة أبطال: حسن الرداد وأمينة خليل والتونسية عائشة بن أحمد، هم محور الأحداث في الحبكة “الغريبة” التي هي الأقرب لمسلسل حلقاته منفصلة متصلة، من خلال قصص حب غير مكتملة لأسباب وظروف مختلفة تعتمد في بنائها على “الصدفة” البحتة وهنا يتم وضع الفيلم في اشكالية تحمل الشد والجذب حيث الاعتماد على الصدف كركيزة أساسية في الحبكة ومن ثم في التأسيس الدرامي لكل قصة، لكن تغلبت الكاتبة على هذا بالتمهيد الجيد والسلس للشخصيات ولدوافعهم وللأحداث المنفصلة في كل قصة عن الأخرى.

تؤكد الكاتبة أماني التونسي على فكرتين، الأولى أهمية الصدفة في حياة الإنسان، والثانية علاقات الحب الغير مكتملة على انها سمة أساسية للحياة وضعت ارهاصاتها في فيلمها السابق وتؤكد عليها في توأم روحي، وهو ما أظهرته الأغنية الدعائية للفيلم التي قام بغنائها وائل جسار وكتب كلماتها الشاعر صابر كمال في جملة البداية “الدنيا بترتب صدف وكل قلب واحساسه.. فجأة الطريق بينا بيقف والحب بيجمع ناسه”، لكن على مستوى الاحداث تظل جملة “الحب بيجمع ناسه” هي المفقودة.

الحب في معظم الأوقات من وجهة نظر الكاتبة علاقات مبتورة غير كاملة لأسباب مختلفة يقف عندها الطريق في كل قصة، ففي الفيلم نحن أمام القصة الأساسية حيث تكون البداية مع حفل زفاف جميل يجمع بين عمر “حسن الرداد” وريم “أمينة خليل” والتي تبدو أن والدها “بيومي فؤاد” الذي ظهر كضيف شرف يحب ابنته ويحمل الغيرة من مسألة زواجها، وأثناء قضاء شهر العسل تتعرض ريم للغرق ويفقدها عمر ويدخل بعدها في حالة انهيار عصبي تجعله يتوجه إلى طبيبة نفسية “رجاء الجداوي” لتتولى مسئولية علاجه، وتعتمد الطبيبة في العلاج على طريقة تقترب من التنويم المغناطيسي والاسترخاء تسمى “العالم المتوازي”.

فكرة العالم المتوازي لم تكن سوى حيلة ذكية من الكاتبة حتى تكمل رؤيتها الدرامية وتجعلها أكثر اقناعا للمشاهد من خلال خلق عوالم موازية لشخصية عمر يعيد فيها قصة حبه مع ريم لكن بشخصيات وأسماء وتفاصيل مختلفة ومن هنا تتفرع الحكاية الأساسية إلى أربع قصص أخرى يدخل معهما طرف ثالث “عائشة بن أحمد” أيضا في كل قصة شخصية جديدة.

في كل قصة يرى عمر قصة حبه مع ريم بطريقة مختلفة كأنه يعيد تقييم تلك العلاقة، وتؤكد الكاتبة خلال الأحداث ان الروابط مشتركة بين القصة الأساسية والأربعة قصص الموازية أو المتفرعة حول مفهوم الحب الغير مكتمل الذي تتدخل فيه الظروف والطبيعة الإنسانية لتجعله يفشل، ماعدا القصة الاساسية التي انتهت بوفاة ريم، وفي الأربعة قصص الفرعية نجد أن أحداثها سريعة جدا بدأت فجأة وانتهت بسرعة قد يكون تسبب هذا في نوع من الارتباك لدى المشاهد لكن التمهيد الجيد في البداية أعاد التوازن لهذه المسألة من جديد.

 إعادة عرض قصة الحب بطرق مختلفة وظهور طرف ثالث أضاف قوة كبيرة للحبكة باستثناء القصة الفرعية الأولى التي لم تتواجد فيها شخصية عائشة بن أحمد لأسباب غير مفهومة، فمثلما ظهرت القصص الأخرى بأن شخصية عائشة في كل قصة هي المشتركة بين البطلين مثل القصة الثانية “ياسين وكارمن” كانت “عالية”، في القصة الثالثة كانت “مي” بين “زين وفرح”، وفي الثالثة نجد “ملك” مع “حسن وفيروز”، ماعدا القصة الأولى الذي لم يكن لها تواجد وتم استبدالها بشخصية رجل “ممدوح الشناوي” الذي ظهر خطيب ليلى، مع أن طبقا لتسلسل الحبكة كان من الأفضل أن تظهر شخصية عائشة كزوجة سيف وليس العكس.

اعتمدت المؤلفة على التبادل في قصص الحب بين الشخصيات الثلاث في مسألة العلاقات العاطفية الغير مكتملة وتتصاعد وتيرة وجودة الأحداث في كل قصة حتى تصل إلى القصة الرابعة الأفضل التي تدور أحداثها في باريس من خلال الارتكاز على “الصدف” في لقاءات الشخصيات والتي أبدعت المؤلفة في خلقها باستثناء الصدفة الأخيرة عندما عادت للقصة الأساسية الخاصة بلقاء “عمر” في النهاية مع “هنا” فلم تكن على غرار الصدف الأخرى.

تؤكد المؤلفة في مشهد النهاية على فكرتها التي أرادت أن تقدمها وقامت بالتمهيد لها منذ البداية حول مفهومها للحب الغير مكتمل في المشهد الأخير حيث تظهر أمينة خليل بعد أن قام المخرج عثمان أبو لبن بفتح الكادر أثناء جلوس عمر وهنا، ويفتح المجال حول مستقبل العلاقة بين عمر وهنا بعد ظهور شبيهة شخصية ريم على انها ستكون على غرار القصص السابقة بما فيها القصة الأولى في مسألة عدم الاكتمال وفقا للظروف الحياتية والطبيعة الإنسانية.

يظهر التعاون الثاني بين الثنائي المؤلفة أماني التونسي والمخرج عثمان أبو لبن بشكل أفضل بكثير من الأول خاصة في مسألة المزج بين الرومانسية والكوميديا فقد جاء توأم روحي أكثر عمقا من قصة حب، وبرع أبو لبن في الحفاظ على تماسك فيلمه طوال الأحداث رغم كثرة التنقلات بين القصص التي تسير بوتيرة سريعة، كما استطاع أبو لبن باقتدار في مسألة توظيف الأغنيات داخل الأحداث فقد لخصت الفكرة بصورة مثالية واختزلت أحداث وتفاصيل في مدة قصيرة ويأتي في مقدمتها أغنية “أول مرة” التي غنتها جوري صاحبة الصوت الجيل.وتفوق أبو لبن أيضا في استخدام اللقطات القريبة في المشاهد الأولى بعد صدمة عمر لوفاة ريم، فقد تعمد أبو لبن تقديم لقطات على وجه عمر كأنها مصنوعة بطريقة التصوير “السيلفي” ليظهر البطل وكأنه وحيدا معزول عن عالمه تماما.

على مستوى الاداء التمثيلي قدم الرداد أداء جيد به خليط بين الرومانسي والكوميدي فقد سبق للرداد نجاحه في الكوميديا من خلال “زنقة ستات” الذي يعد من أهم الأفلام الكوميدية في الأعوام الأخيرة، ومن بعده عانى الرداد من الاخفاقات سواء في السينما والتليفزيون قبل أن يتعيد توازنه مع توأم روحي.

أمينة خليل أدائها كان متباين في كل قصة لكن الميزة الأهم لها انها قامت بتثبيت نفسها في البطولة المطلقة بعد أن حققتها في التليفزيون مع مسلسل “ليه لأ” والآن في السينما بعد أن كانت تظهر في أدوار البطولة المساعدة بجانب الأبطال الرجال أحمد عز وآسر ياسين وتامر حسني، أما عائشة بن أحمد فقد ظهرت في أفضل حالاتها وكان مستواها في تصاعد مع كل قصة حتى وصلت لذروة الأداء في شخصية ملك التي ظهرت في باريس، فهي وجه جميلة تسير بخطوات واثقة نحو النجومية مرتكزة على موهبة حقيقة وتحاول التنوع في أدوارها في انتظار الفرصة الأهم في مسيرتها.

ونفس الحال الممثلة ميرنا جميل التي ظهرت كضيف شرف فقد قدمت أداء خفيف الظل في ظهورها البسيط، وعلى النقيض جاء ضيف الشرف الآخر بيومي فؤاد الذي قدم أداء مقبولا كوميديا تقليديا في مشهده الأول، وفي المشهد الثاني كان أداءه التراجيدي في منتهى السوء والافتعال، ولفتة مهمة وجميلة من صناع الفيلم اهداء الفيلم إلى الراحلة رجاء الجداوي.

Visited 330 times, 1 visit(s) today