الناقد مصطفى درويش يتهم ثروت عكاشة بقطع الأرزاق!

في شهادة الناقد السينمائي الكبير الراحل مصطفى درويش الذي تولى مسؤولية الرقابة على المصنفات الفنية في مصر في عام 1962 لمدة 5 أـشهر، ثم في الفترة من 1966- 1968 أي لمدة سنتين، كتب إشارات واضحة مباشرة الى وزير الثقافة الدكتور ثروت عكاشة (من ضباط يوليو، وأول وزير ثقافة في مصر)، ووجه له اتهامات عديدة.

يقول مصطفى درويش في الحلقة رقم 6 من مذكراته المنشورة في جريدة “القاهرة” التي تصدرها وزارة الثقافة المصرية بتاريخ 5 نوفمبر 2002:

“تحول وزير الثقافة ثروت عكاشة بين عشية وضحاها من النقيض إلى النقيض، وأخذت أفعاله شيئا فشيئا طابع خبطات عشواء كخبط الثور في مستودع الخزف- كما يقال، وقد شاءت الأقدار أن أكون أول متلق لهذه الخبطات، عندما حانت ساعة تطهير الوزارة من أي عنصر له صلة من قريب أو بعيد بالتنوير، فبعد الالتقاء به في صبيحة يوم الجمعة أو بمعنى أصح يوم الهول الموافق السادس عشر من شهر العار بمكتبه حيث وجدتني دون تمهيد، متهما دون وجه حق، والأصح بكثير من الجرأة، بالعمالة للعم سام، ومقبوضا عليّ لمدة من الزمان ربما لم تزد عن بضع ثوانِ ثم مطلقاً سراحي مأذونا لي بالعودة إلى حيث أقيم مصحوبا بالآهات.

مصطفى درويش

“كان أول ما تبادر إلى ذهني وقد أصابني الذهول ولم أكد أصدق ما وقع هو أن أتدبر الصلة بيني وبين وزير استباح تعريضي لمثل هذا الهوان. سألت نفسي طوال نهار وليل يوم الهول قائلا: ماذا أنتِ يا نفس صانعة فيما هو آتٍ من أيام حبلى بالأخطار مع وزير يتقلب به مزاجه كما يشاء له الهوى الجامح، وكيف يستقيم بك السير معه وقد كشف ما وقع لك عن شرخ في صلتك به يُتوقع له اتساعا لا محال.

“وفعلا أخذ الشرخ في الاتساع حتى انتهى الأمر به مصدرا قرارا بإلغاء ندبي في الرابع والعشرين من أبريل عام 1978 وعودتي من حيث أتيت، مطاردا بأحد عشر اتهاما منسوبا إلي في مذكرة الوزير جرى إرسالها إلى كل من رئيس مجلس الدولة الدكتور سعد الدين الشريف، وأمين عام الاتحاد الاشتراكي العربي علي صبري، ووزير العدل محمد أبو نصير، وبطبيعة الحال، لم يكن القصد من هذه المذكرة بما انطوت عليه من اتهامات تتراوح بين التكفير والتخوين، سوى قطع رزقي في القضاء وفي أي مكان آخر مثلما قطع رزق نفر من أقطاب وزارة الثقافة فيما بعد، من بينهم أذكر على سبيل المثال، الدكتور علي الراعي وسعد كامل وعبد المنعم الصاوي الذي جرى تعيينه في عهد السادات وزيرا للثقافة والإعلام.

“والغريب أن سيف قطع الرزق البتار لم يستثن رئيس مجلس إدارة شركة الإنتاج السينمائي لتابعة لمؤسسة السينما، الدكتور عبد الراق حسن”.

كتب مصطفى درويش هذه الكلام وكان ثروت عكاشة على قيد الحياة، ولم يقاضيه أو يكتب ردا عليه حسبما أتذكر. وقد مضى بعد ذلك، ليتهم الوزير بأنه تدخل ليفسد عمل المخرج الأيرلندي المرموق جون فيني الذي أخرج رائعة “ينابيع الشمس”، وهو الفيلم التسجيلي الطويل الذي يتابع رحلة نهر النيل من المنابع إلى المصب، في سيمفونية بصرية- سمعية غير مسبوقة، وكان قد شهد الكثير من المضايقات حسب ما يروي مصطفى درويش، من جانب عبد الرازق حسن نفسه الذي تخلص منه الوزير أيضا فيما بعد بطريقة مهينة.

والمبدأ العام في كتابة المذكرات أن تذكر الحقائق كما عرفتها، وتقدم شهادتك على ما خبرته ومررت به دون خشية وتذكر الأسماء والوقائع والتواريخ، فلا شيء يحدث من تلقاء نفسه. وهذت ما فعله الرجل في شجاعة.

مقطع من فيلم “ينابيع الشمس”

أما فيلم “ينابيع الشمس”، فيذكر مصطفى درويش أن ثروت عكاشة أصر على إضافة عدد من اللقطات للقاهرة من بينهما لقطة دخيلة لفرقة باليه ترقص على مسرح دار الأوبرا، تلك الدار التي أتى عليها حريق في بداية عهد السادات”.

ويتطرق درويش أيضا إلى رغبة الوزير في منع فيلم توفيق صالح “المتمردون” أو على الأقل حذف مشاهد معينة منه بحجة إساءته لشخص جمال عبد الناصر وثورة يوليو، ولو من خلال الرمز، إلا أنه كرقيب، قرر إجازة عرض الفيلم كاملا حماية لحرية التعبير، وثانيا لصدق نبوءة الفيلم بالكارثة التي حلت في يونيو 1967، وثالثا لأن رموزه لم تكن واضحة بالنسبة للجمهور العادي وبالتالي لن يربط بينه وبين ما يرمي إليه.

ويقول مصطفى درويش إنه بعد أن تم التخلص منه وإعفائه من منصبه، عبثت الرقابة بالفيلم، واستبعدت منه الكثير من المشاهد، وشوهته وأساءت إليه، وكان الفيلم الأصلي يقع في 3 ساعات أو أكثر- على حد قوله.

ولعل من الأحداث الطريفة التي يعرض لها في مذكراته القرار المتسرع الساذج بمنع عرض الأفلام من الأمريكية والبريطانية والألمانية بعد هزيمة 1967 باعتبار أن هذا نوع من العقاب للدول التي قيل إنها شاركت إسرائيل في العدوان، وهو قرار ينسبه إلى عبد الرازق حسن، وقد تراجعت عنه الدولة فيما بعد.

توفي ثروت عكاشة في 27 فبراير 2012، وتوفي مصطفى درويش في 3 مايو 2017 عن 89 عاما. رحمهما الله,

Visited 1 times, 1 visit(s) today