“الليل الأمريكي”: السينما من الداخل مُقربة إلى الجمهور العريض

Print Friendly, PDF & Email

في الثاني من أبريل 1974، سيصعد المخرج فرنسوا تروفو خشبة مسرح دوروثي تشاندلر بافيليونبلوس انجلوس لتسلم جائزة أوسكار أحسن فيلم أجنبي عن فيلمه ” الليل الأمريكي “، كانت سعادته كبيرة عندما التحق بركب المكرمين الأجانب الكبار في قوائم الأوسكار إلى جانب العمالقة أمثال دي سيكا وفيليني وبيرغمان وتاتي وبونويل وكوروساوا وغيرهم، اعتراف رسمي سينضاف إلى النجاح التجاري الذي لقيه الفيلم بعد سلسلة إخفاقات مُنيت بها أفلامه الأخيرة وعبرها شركة إنتاجه أفلام كاروس.

إيحاء هيتشكوك ومحاكاة فيلليني وغودار ورغبة لتكريم السينما ومهنييها

في حوارهما الشهير، يُوحي هيتشكوك لتروفو بفكرة تنفيذ عمل سينمائي عن تصوير فيلم : “يدور الحدث بأكمله في أستوديو ليس فوق البلاتوه أمام الكاميرا، وإنما خارج البلاتوه. وبين لقطات التصوير سيغدو نجوم الفيلم شخصيات ثانوية، والشخصيات الرئيسية ستغدو ممثلين صامتين عاديين سيكون من الممكن صنع مطابقة مدهشة بين القصة العادية للفيلم الذي نصوره وبين الدراما التي تدور إلى جانب العمل. يمكن أن نتخيل كذلك بأن هناك كراهية بين مصور الفيلم وبين أحد الفنيين الكهربائيين. وهكذا فحين يأخذ المصور موقعه فوق رافعة الكاميرا ثم ترتفع الكاميرا حتى تصل إلى السقف، يكون لدى الرجلين فرصة ليشتما بعضهما. وفي خلفية ذلك يكون لدينا عناصر هجائية ساخرة.” (من الترجمة العربية لكتاب هيتشكوك- تروفو سلسلة الفن السابع 22 1997 ص 178).

يعترف تروفو بأن كلام هيتشكوك هذا كان أول بذرة في مشروع فيلمه “ليل أمريكي”، عام بعدها وفي سنة 1963 سيخرج لقاعات العرض فيلمان عن السينما دفعة واحدة؛ كان لفيلمي “ثمانية ونصف” لفيديريكو فيللينيو”ازدراء” لجون لوك غودار أبلغ الأثر على المخرج وفيلمه، لدرجة أن المدقق المتفحص سيجد صدا لهما في كثير من مشاهد ” الليل الأمريكي”.

تروفو وهيتشكوك

في 1971، يضطر تروفو إلى تنفيذ مونتاج فيلمه الجديد “الانجليزيتان والقارة” في استوديو لافيكتورين بمدينة نيس رغبة منه في البقاء قريبا من ابنتيه اللتين كانتا تمضيان أجازتهما في المنطقة، هناك سيقف على أطلال ديكور فيلم أمريكي صور بعين المكان منذ سنوات اسمه “مجنونة شايو”، في أطلال هذا الديكور المهمل سيجد ضالته، فقد عثر أخيرا على المكان الأنسب لتنفيذ حلمه القديم بانجاز فيلم عن السينما.

كعادته، سيعود تروفو إلى أوراقه القديمة، وهو الذي اعتاد أن يسجل انطباعاته وملاحظاته وحتى الطُرَفالتي يصادفها في بلاتوهات التصوير، وسيعكف بمساعدة سوزان شيفمان وجون لوي ريشار على كتابة الصياغة النهائية لسيناريو الليل الأمريكي.

كانت رغبة الرجل في أن يقدم شهادة حية عن وسط عمل به وعشقه، وأن يحتفي بالسينما ويخصها ومهنييها بلفتة تكريم ووفاء من خلال فيلم يوجه للجمهور العريض.

مغازلة لهوليوود ولجمهور السينما العالمي

“لقد أردت أن يحمل هذا الفيلم بصمة هوليوود” هكذا أفضى تروفو في حديث على هامش مهرجان كان 1973، والحقيقة أن كل شيء في الفيلم كان مدروسا لخدمة هدف منحه بُعدا عالميا يتجاوز المحلية الفرنسية، بدءا بالعنوان “الليل الأمريكي”، إذ المقصود ليس توظيف تقنية في التصوير السينمائي تمكن من تصوير لقطات تدور في الليل ولكن في عز النهار، وإنما استغلال النسبة لأمريكا في العنوان، ومن سخرية القدر أن الفيلم عرض في جميع أنحاء العالم بهذا الاسم باستثناء بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية حيث اضطر المخرج لوسم فيلمه بعنوان تقنية التصوير بالانجليزية نهار بدل ليل  Day for night.

إهداء الفيلم لم يخرج عن الرغبة في أمركته، حيث أهدى تروفو فيلمه للشقيقتين ليليان ودورثي كيش الممثلتين الأمريكيتين الشقيقتين من عصر السينما الصامتة، في الفيلم أيضا يُصور الفيلم داخل الفيلم بتمويل أمريكي تماما كما في الواقع حين دخلت شركة ورنر بروس العملاقة طرفا في الإنتاج.

بلغت الرغبة في إصباغ البعد العالمي مبلغها في الكاستينغ، حيث اختار تروفو جاكلين بيسيت الحسناء الانجليزية المجيدة للفرنسية لتسويق فيلمه خاصة بعدما بلغت شهرتها الأفاق حينما ظهرت في هوليوود إلى جانب ستيف ماكوين في فيلم”بوليت” Bullitt 1968، ولإقامة هذا الربط في الفيلم، ينتظر الكل وصول النجمة التي تجسدها بيسيت من هوليوود، وستستقبل في مطار نيس الاستقبال الذي يليق بنجمة قادمة من عاصمة السينما، إلى جانبها اختار تروفو جون بيير أومون الممثل الفرنسي الذي هاجر إلى هوليوود في بداية الأربعينات وقدم بها عديد أفلام في محاولة للتذكير بالعصر الذهبي للسينما وسحره ، وبما أن الفيلم في أصله إنتاج فرنسي – إيطالي، كان لابد من اختيار اسم إيطالي بشهرة عالمية، ومن غير القديرة فلانتينا كورتيزي يحقق هذا المبتغى.

بين السيرة الذاتية والخيال

تدور قصة فيلم “الليل الأمريكي” حول يوميات فريق تصوير فيلم سينمائي ابتداء من التقاء أعضائه في اليوم الأول للتصوير حتى افتراقهم في آخر يوم من التصوير، وتتمحور الأحداث كلها حول المخرج الذي هو في الوقت ذاته الراوي، واسمه فيران ترك مساره كممثل ليكرس حياته للإخراج.

يقوم بالدور فرنسوا تروفو في أداء مقتدر لدوره الحقيقي في الحياة، وكأنما أراد أن يتساوى بالكبير فريتز لانغ الذي قدم الدور ذاته في فيلم ازدراء لجون لوك غودار.

يحاول تروفو أن يبعد عنه شُبهة تقديم فيلم عن سيرته الذاتية، ففي تعليق فيران على موت ممثل أثناء التصوير “بموت الكسندر ستنتهي فترة من السينما، سنهجر الاستوديوهات وستصور الأفلام في الشارع دون نجوم ودون سيناريو، ولن ننجز مستقبلا أفلاما مثل هاته”، لقد أراد أن يوحي للمتفرج بأنه يتحدث عن السينما في الفترة التي سبقت الموجة الجديدة والتي ولد معها كمخرج.

على أن كل محاولة لمحو علاقة شخصيته بالمخرج فيران، لم تستطع أن تحجب معالم تجربة تروفو، فالمخرج يُعاني صعوبات في السمع كما تروفو والذي سعى في السيناريو إلى تقديم المخرج فيران بطريقة مثالية كشخصية أبوية متفهمة للجميع، حتى أن جون لوك غودار تساءل في رسالة هجائه للفيلم التي سنقف عندها في حينها لماذا كان المخرج هو الشخصية الوحيدة في الفيلم التي لم تضاجع أحدا.

تظهر في الفيلم طريقة اشتغال تروفو؛ كالارتجال في كتابة السيناريو مع تقدم العمل، واستلهام الحوار من المواقف اليومية التي تعرض للمخرج.

عُرف عن تروفو عشقه الكبير للكتب، وكأنما أراد أن يذكر في الفيلم بدورها في بناء شخصيته، يتلقى فيران طردا عبر البريد يتضمن كتبا عن مخرجي السينما وأفلامهم تستعرض الكاميرا عناوينها، فيكتشف المتفرج مخرجين أثروا على تروفو بالقدوة أو بالزمالة؛ بونويل؛دراير؛ لوببتش؛ بيرغمان؛ كودار؛ هيتشكوك؛ روسيليني؛ هاورد هوكس وبريسون.

حين يخلد المخرج فيران للنوم كل ليلة يُطارده حلم صور بالأبيض والأسود، وفيه يتقدم صبي يافع في ممر مظلم حاملا عكازا، مما يثير فضول المتفرج الذي يكتشف في آخر رقاد بأن الصبي يستعمل العكاز لنزع صور العرض من واجهات السينما، لم يكن الفيلم الذي أثار الصبي ودفعه للاحتفاظ بصوره سوى ” المواطن كين” لأورسون ويلز الذي اعترف تروفو بأنه أعاد مشاهدته 42 مرة، وكان بالذات هو العمل الذي دفعه مثل كثيرين إلى أن يصير مخرجا، كانت تلك طريقة تروفو في التذكير بطفولته وعلاقته بصالات السينما بحي مونمارتر في قلب باريس أوائل الأربعينات من القرن الماضي.

الفيلم داخل الفيلم

أسس تروفو سيناريو”الليل الأمريكي” على فكرة الفيلم داخل الفيلم، كان اسم الفيلم الذي يصوره المخرج فيران ” أقدم لكم باميلا “، وهو مستوحى من قصة واقعية عن شاب ألفونس (جون بيير ليو) يتزوج حسناء باميلا (جاكلين بيسي) ويقدمها لأبويها (جون بيير أومون وفلانتينا كورتيزي)، فتنشأ علاقة حب بين الزوجة الشابة والأب الكهل اللذين يقرران الهرب مع بعضهما، مما يشغل غيرة الابن فيقرر قتل أبيه.

في العمق، كانت قصة بسيطة من تلك القصص التي كانت تحفل بها أفلام الدرجة الثانية في العصر الذهبي للسينما، لكن تروفو قصد هذا الوضوح مخافة أن يتيه المتفرج في الفيلم داخل الفيلم، بدليل أنه أجرى قصة الفيلم على لسان ثلاثة من أبطال الفيلم حين قدم كل منهم دوره في الفيلم للصحافة.

في فيلم “ازدراء” وفق جون لوك غودار، في إسقاط قصة أوليس وبينلوب في الأوديسة ( قصة الفيلم داخل الفيلم) على علاقة السيناريست بزوجته في الفيلم، لكن في فيلم “الليل الأمريكي” لم نجد ربطا بين القصة وأحداث الفيلم أو بينها وبين الخلفيات السيكولوجية للشخصيات، وكلما وفق فيه تروفو هو نجاحه في تقديم بورتريهات لأربع ممثلين يمكن مصادفة نظرائهم في الحياة ؛ فقد قدم جون بيير ليو نموذج الممثل الرومانسي المضطرب والأناني، وقدمت جاكلين بيسي نموذج الممثلة المهتزة نفسيا التي غادرت تصويرا في هوليود دون أن تكمل دورها ثم تزوجت طبيبها الكهل الذي يكبرها بعقود حتى تقف على رجليها، وقدم جون بيير أومون وفلانتينا كورتيزي نموذج الممثل في خريف العمر؛ فالأول صار همه بعد كل مجده القديم تأسيس أسرة ولو بالبحث عن ابن بالتبني؛ أما الثانية فقد جرى بها العمر وذهب بهائها فسقطت في الاكتئاب ومعاقرة الخمر، وأصبحت عبئا على الفيلم من شدة نسيانها لحوارتها وعدم تركيزها أثناء التصوير.

السينما من وراء الكواليس

لعل أجمل ما قام به تروفو في ” الليل الأمريكي” هو أنه أخذ المشاهد من يده وأدخله إلى الكواليس خلف الستارة، ليتعرف على أسرار صنع الأفلام وعبرها على الوجه الخفي للسينما.

حرص في البداية وبشكل أقرب إلى الفيلم التسجيلي منه إلى الفيلم الخيالي، إلى التعريف بكل مهن السينما ودورها في صنع الفيلم ابتداء من المخرج ومساعده والمنتج المنفذ مرورا بالسيناريست ومدير التصوير وملتقط الصوت والإكسسواريست والمونتير ثم عاملة الملابس والماكيير والريجسير حتى عامل الكلاكيت ومصور البلاتوه ومنفذ المشاهد الخطيرة، كاشفا للمتفرج العادي حقيقة عمل كل المهن التي يقرأها في الجنيريك دون أن يعي حقيقة أدورها، أكثر منها سلط الفيلم الضوء على مهن خارج البلاتوه لا تظهر في الصورة كالمؤمن، فقد اكتشف المتفرج كيف رفضت شركة التأمين ضمان الممثلة التي تؤدي دورها جاكلين بيسيت بسبب إخفاقها في اجتياز الاختبار النفسي، ثم كيف رفضت ذات المؤمنة تغطية إعادة المشاهد التي أداها الممثل الكسندر الذي توفي في حادثة سير أثناء التصوير.  

في أحد تعاليقه على عمله يقول تروفو “لن أقول كل الحقيقة عن تصوير الأفلام، لكني لن أقول إلا الحقائق التي حدثت في أفلامي السابقة وفي غيرها”، وهنا أيضا ركز الفيلم على البعد التسجيلي، لينقل أسرار تنفيذ الكثير من المشاهد التي يتلقاها المتفرج جاهزة، كالترافلينغ بمختلف صوره والتصوير بالرافعة والإعادة المتكررة للمشاهد وتسجيل الصوت مباشرة أو منفصلا وإدارة الممثلين والكومبارس وتصوير مشاهد الليل بالنهار وتنفيذ المشاهد الخطيرة بالدوبلر وغيرها.

كشف الفيلم الكثير من الخدع السينمائية التي تعتمد أثناء التصوير الداخلي داخل الديكور؛ عمارات تظهر النظرة الجانبية بأنها مجرد مجسمات؛ التصوير المقتصد داخل الشاليه؛ ثم خاصة المشهدين اللذين علقا بالذاكرة وهما الديكور العملي لغرفة الزوجين المقابلة لغرفة الأبوين ثم مشهد الثلج الاصطناعي في ختام الفيلم.

في كل الأفلام السابقة التي صورتها السينما عن نفسها، لم يجرؤ مخرج قبل تروفو على كشف الخدع التي يحتفظ صناع السينما، حتى إنه سئل حول ما إذا لم يخش بفعله أن يزيل الهالة الأسطورية عن السينما؟

بجانب البعد التسجيلي الذي فرض نفسه بحكم الموضوع، حضر البعد الخيالي في مستوى ثالث من المعالجة، تمثل في تصوير العلائق الاجتماعية والإنسانية بين فريق العمل والمشاكل اليومية المستجدة أثناء التصوير.  

لقد أظهر الفيلم فريق عمل متضامن مفعم بالحماس والإثارة كل همه تجاوز الصعاب لبلوغ الهدف الأسمى الذي هو إنجاح العمل، وكانت تلك لمسة تحية وتكريم من تروفو لهذا الوسط المهني الذي قاسمه حب السينما.

كانت المشاكل التي واجهها المخرج فيران في فيلمه ” أقدم لكم باميلا ” ذات طبيعة روتينية مألوفة؛ كإكراه مدة التصوير المفروضة من الجهة المنتجة؛ تلف شريط مشاهد سبق تصويرها؛ المشاكل الشخصية للممثلين والتقنيين؛ الخصومات؛ صعوبات تقنية؛ موت ممثل، ما جعل فيلم الليل الأمريكي أقل عمقا من فيلمي “ثمانية ونصف” و”ازدراء”؛ فالأول عالج معضلة فقدان الإلهام في الإبداع، فيما انبرى الثاني لمعالجة معضلة الاختيار في أبعادها الفلسفية.

على أن فيلم الليل الأمريكي تفوق مع ذلك على فيلمي فيللني وغودار في ميزة تمثلت في إيقاعه المتسارع الذي يحبس أنفاس المتفرج مقارنة بالبطء الذي ميز فيلمي زميليه.

تروفو في رداء الحكيم مرة أخرى

حين يتحدث تروفو عن تجربة طفولته المريرة، كان دائما يقول إنه استطاع أن يتجاوز إحباطاته بفضل هوايتين؛ السينما والكتاب، كان قارئا نهما بميول أدبية واضحة، ولأنه كاتب جل أفلامه، اعتاد دائما أن يزين حوارات أفلامه بمقولات بأسلوبه الخاص وبلغة أدبية رفيعة، وهو ما لم يحد عنه في فيلم “الليل الأمريكي”.

يتحدث على لسان المخرج فيران عن صناعة الفيلم، فيقول “تصوير فيلم يشبه بالضبط رحلة عربة جياد في الغرب الأمريكي، في البداية نتمنى أن نقوم بسفر مريح، لكن سرعان ما نستفهم حول ما إذا كنا سنصل إلى وجهتنا”.

ومن وحي تجربته ” قبل أن أبدأ فيلم، أرغب خاصة أن أنجز فيلما جميلا، لكن ما أن تبدأ المشاكل الأولية حتى يتوجب علي أن أقلص من طموحي، وأكتفي بأن أتمنى أن ننهي الفيلم فقط “.

ويقدم تعريفه الشخصي للمخرج السينمائي ” من هو المخرج؟ المخرج هو شخص نوجه إليه الأسئلة دون توقف، أسئلة عن كل شيء، في بعض الأحيان نجد لديه إجابات ولكن ليس دائما “.

حين تنسحب حاملة الكلاكيت من التصوير لتهرب مع دوبلر المشاهد الخطيرة، تعلق المكلفة بمراجعة السيناريو ” أنا يمكنني أن أترك رجلا من أجل فيلم، لكن لا يمكنني أن أترك فيلما من أجل رجل”.

وفي نقل لوجهة النظر السلبية عن السينما، تستنكر زوجة الريجيسير الغيورة “ما هذه المهنة التي يضاجع فيها الجميع بعضهم البعض، ويرفع فيها الجميع الكلفة مع الجميع ويكذب فيها الجميع، أتجدون ذلك عاديا، أنا أجد سينماكم لا تطاق، أنا أكره السينما”.

وفي إجابة عن سؤال ظل يشغله عن التفاضل بين السينما والحياة، يخاطب فيران ألفونس (جون بيير ليو) لثنيه عن اعتزال التمثيل ” أعرف أن هناك الحياة الخاصة، لكن الحياة الخاصة متعثرة بالنسبة للجميع، الأفلام أكثر تناغما من الحياة، ليس هنالك ازدحاما داخل الأفلام وليس هناك وقت ميت، الأفلام تتحرك مثل القطارات بالليل، الناس أمثالك وأمثالي خلقنا لنكون سعداء في عمل السينما “.

يكاد فيلم ” الليل الأمريكي ” يكون أحد أفلام تروفو القليلة التي زاوجت بين النجاح الجماهيري والاحتفاء النقدي، وحتى في الوسط السينمائي، لم يحد عن الترحيب بالفيلم سوى زميل المخرج في الموجة الجديدة جون لوك غودار الذي اتهم تروفو باختلاق الأكاذيب في معالجته لموازين القوى داخل الأفلام، فمباشرة بعد مشاهدة الفيلم كتب لتروفو “شاهدت أمس “الليل الأمريكي”، ربما لن يصفك أحد بالكاذب، كما سأفعل ذلك”، لم يتأخر الرد الذي جاء أعنف “لا يهمني رأيك في الليل الأمريكي الذي لا يشبه نظرتك إلى السينما ولا إلى الحياة … تصرف مثل بُراز فوق هضبة”، لقد كرس فيلم “الليل الأمريكي” القطيعة النهائية بين القطبين الكبيرين للموجة الجديدة، وكان قد بدا بعد أحداث مايو 1968 بأن السبل ستتفرق بهما.

  • * ناقد من المغرب


Visited 79 times, 1 visit(s) today