“القشاش” .. توكيل الفيلم الهندى فى السينما المصرية!
أتى على السينما المصرية حينٌ من الوقت، تأثرت فيه بموضة المليودراما الهندية السخيفة، التى تكاد تدخل تحت بند الكوميديا من فرط غرائبيتها وسذاجة أحداثها، كان سبب التأثر بشكل جوهرى هو النجاح الكبير الذى حققته أفلام هندية فى السوق المصرية، وإن كانت الميلودراما المصرية تسبق بسنوات طويلة ظهور الموضة الهندية، إنها ركن أساسى فى النهضة المسرحية المصرية، ولها رائدها الأشهر يوسف وهبى، ومن مدرسته خرجت أسماء شهيرة تأثرت به بوضوح: فى التمثيل لدينا أنور وجدى وفريد شوقى، وفى الإخراج لدينا صاحب أشهر الميلودرامات حسن الإمام.
يمكن أن تلمح خطوط الميلودراما الهندية، وابتزازها العاطفى للجمهور، واعتمادها على المصادفات المتعددة، فى أفلام مصرية كثيرة عرضت مؤخرا، لكنك تستطيع القول إن فيلم “القشاش” الذى كتبه محمد سمير مبروك، وأخرجه إسماعيل فاروق، يكاد يفوز بلقب الوكيل الرسمى للفيلم الهندى، مضافا إليه الإستخفاف التقليدى بعقل المتفرج، وسذاجات وركاكة فنية خارقة.
الفيلم ليس من إنتاج السبكية، ولكن فيه الكثير أيضا من عشوائية الأفلام التى ينتجونها ويعرضونها فى المواسم، وقد قرر مرتكبو فيلم “القشاش” أن يعرضوه فى موسم عيد الأضحى، شاهدت الفيلم فوجدته آية من آيات السخافة، مناحة وبكائية غرائبية فى عيد الأضحى، كدت أنسى السينما بمشاهدة هذا الفيلم الملئ بالشخصيات والممثلين، وأعتقد أننى سأحتاج الى فترة نقاهة طويلة بسبب تلك المشاهدة.
البطولة القاتلة
كان من أسباب ألمى بشكل خاص تورط ممثل موهوب هو محمد فراج فى أدوار البطولة السيئة ، مع أنه قدم أفضل الأدوار المساعدة، كما أن بطولته المشتركة فى فيلم “هرج ومرج” للمخرجة نادين خان، كانت جيدة ومقبولة، يبدو أن صعود محمد رمضان الصاروخى هو سبب الإستعجال، حزنت فعلا لأننى كنت أتصور فراج أكثر ثقافة وذكاء وقدرة على الإختيار.
والغريب أن تريلر الفيلم (مقدمته الإعلانية) يعطى انطباعا غير صحيح على الإطلاق بأن محمد فراج يقوم بدور بلطجى كما فعل رمضان فى فيلمى “الألمانى” و” عبده موته”، يظهر فراج حاملا السنجة وهى سلاح البلطجية الأبيض، بينما الفيلم عن شخص غلبان يدافع عن نفسه طوال الوقت، ضد البلطجية، وضد ما يتعرض له من ظلم الأقدار.
ورغم أن سيد القشاش (محمد فراج) هو بطل الفيلم ومحوره، إلا أن المعلومات التى يقدمها الفيلم عنه شحيحة، نعرف فقط أنه اسكندرانى يعمل بالنجارة، وأمضى نصف طفولته فى الملجأ ، والنصف الثانى فى السجن، وبينما يتخذ هيئة بلطجى بشعره الطويل، ولحيته السوداء، إلا أنه يبدو غلبانا ومسالما دون مبرر مقنع .
على طريقة الميلودراما تتراكم الكوارث فوق القشاش الذى لايبدو اسما على مسمى، بل إن رجلا ثريا اسمه مصطفى أباظة (إيهاب فهمى) يدبر جريمة، يقتل فيها زوجته الخائنة والحامل (تتيانا)، وينسج المؤامرة لكى يتهم القشاش بالجريمة، لأنه بلا ظهر، مع أن هناك الملايين بلا ظهور.
المهم أن محمد سمير مبروك يريد لبطله أن يهرب على طريقة فيلم “الهارب”الأمريكى، أو على طريقة فيلم “أبو على” المصرى، هى نفس التيمة ولكن تقدم هنا بسذاجة منقطعة النظير، يتم دس النقود المسروقة من الفيلا بعد القتل فى حجرة القشاش، ويشهد رجل أمن يدعى دندراوى (محمد الصاوى) بأنه شاهد القشاش فى المكان، يصبح البطل مطاردا فى كل مكان.
يمتلئ الفيلم بالمصادفات، فقد تصادف عمل القشاش فى فيلا لرجل يريد أن يتخلص من زوجته الخائنة، وتصادف أن دخل القشاش الهارب، فوجد سيدة على وشك الوضع اسمها زهرة (مروة عبد المنعم)، وتصادف أن تموت السيدة بعد إنجابها لطفل، ورغم أن القشاش لديه مصيبة الإتهام فى جريمة قتل، إلا أنه يقرر تسليم الطفل الى صديقة زهرة، وهى الراقصة اللولبية زينة (حورية فرغلى).
على الكتالوج
ولأن الحكاية على الكتالوج الهندى، يظهر الشرير التقليدى، وهو هنا صلاح (محسن منصور)، فتوة المولد بمحافظة بنى سويف، الرجل الذى يستغل الراقصة ويحلم بالزواج منها، تتورط زينة فى إصابة صلاح، وتواصل رحلة الهرب مع القشاش على طريقة منى زكى وكريم عبد العزيز فى فيلم “أبو على”.
يمتد حبل الثرثرة والسذاجة ليشمل كل شئ: والد زهرة شيخ متشدد (حسن حسنى)، ولكنه عندما يرى حفيده الذى أنجبته ابنته فى الحرام، يشعر بالذنب، ويتولى تربيته ! والدير المسيحى فى المنيا يقوم بإيواء القشاش وزينة، ويقول القس البدين أن لديه إحساسا ببراءة القشاش، مع أن مظهره يوحى بالعكس، ويصل الإستخفاف الى درجة خارقة، عندما يذهب القشاش وزينة الى قنا لمجرد التفتيش عن الشاهد الصعيدى، وهما لا يعرفان عنه سوى أن اسمه دندراوى!
فى قنا يولد فيلم هندى أصغر، أسرة صعيدية هاجر ابنها الى أفغانستان تحت لا فتة الجهاد، لم يعد فبكت عليه أمه (دلال عبد العزيز) حتى فقدت نظرها، بالصدفة البحتة، تكتشف شقيقة الشاب (حنان مطاوع) أن القشاش نسخة طبق الأصل من أخيها، تطلب منه أن يزعم أنه شقيقها الغائب فى حفل زفافها، ترحب به الأم العمياء، ننسى حكاية البحث عن براءة القشاش.
إذا كان الشاهد اسمه دندراوى، فلابد أنه من عائلة الدندراوى، بسؤال كبير العائلة يفتى بأن دندراوى المطلوب من فرع العائلة فى أسوان، أعتقد أن القشاش لو حاول أن يعثر على دندراوى فى دليل التليفون، لوجد صعوبة أكثر مما حدث فى الفيلم.
فى أسوان، يصل الفيلم الى مستوى البلاهة والعبط: القشاش وحورية فى نزهة نيلية مثل السائحين، كبير الدندراوية فرع أسوان (أحمد فؤاد سليم) يتعهد بإحضار دندرواى، القشاش يصارح حورية بحبه أمام النيل، صلاح يعرف بوجودهم فى أسوان من خلال راقصة التقتها زينة بالصدفة أيضا هناك، يصل رجل الشرطة (محمد سليمان) فى وقت اعتراف دندراوى بمؤامرته على القشاش مقابل 100 ألف جنيه، يقبض على الاثنين، فى نفس الوقت، تفقأ زينة عين صلاح دفاعا عن نفسها من الإغتصاب.
أتأهب للمغادرة إعتقاداً أن الفيلم انتهى، ولكن للمهزلة بقية: الشرطة تقبض على الزوج الذى قتل زوجته، المحكمة تبرّئ زينة فى قضية “الدفاع عن النفس” كما يقول القاضى، وبينما تحتفل زينة مع القشاش وسط الشخصيات التى عرفتها فى رحلة الهروب، نسمع صوت رصاصة، أتمنى أن تكون الرصاصة قد أطلقت على المخرج أو المؤلف، نكتشف أن صلاح الشرير الهندى، قد قتل القشاش وهو بعين واحدة، ربما لو كان بعينين لقتل زينة وأراحنا منها أيضا.
يتحول المشهد الى مناحة: الأم العمياء (بتاعة قنا لو لسة فاكر) تزحف على الأرض صارخة، تلوث يدها بالدماء، كبير الدندراوية فرع أسوان يلقن القشاش الشهادة، زينة تولول : “ليه ياربى أخدته منى ؟”، ياللماسأة القشاشية، مات البطل فلم تنفعه سنجة أو مطواة، استراح من الهروب، واسترحنا من الفيلم.
المذهل أن هناك حشدا هائلا من الممثلين يقدمون هذا الهراء، وهناك ديكورات المولد التقليدية، واختيارت لأماكن لا علاقة لها بمنازل الصعيد، أما اللهجة فهى مسخرة إضافية، ورغم أن هناك مطاردة من أول الفيلم حتى قرب نهايته، إلا أن الشعور الذى يطاردك هو الدهشة والإستغراب وليس التوتر، ومن عجائب الفيلم قيام رجل الشرطة المساعد بإطلاق سراح القشاش فى أحد المشاهد، لكى يقوم المتهم بإيجاد دليل براءته بنفسه، بنظام help yourself.
هذا فيلم من أسوأ ما شاهدت فى موسم 2013 السينمائى، لا يمكن أن تُستدعى الميلودراما السخيفة بهذه الطريقة إلا إذا كان صناع الفيلم خارج الزمن، هنا صفر كبير آخر، خسارة محمد فراج .