الفيلم التونسي القصير “إخوان”: العدسة عين شاعرة
رشح الفِيلْم التُّونُسِيّ القصير “إخْوَان” لجائزة الاوسكار بِجَانِب أَفْلاَم عَرَبِيَّة أُخْرَى مِثْل الفيلمين السوريين “من أَجْل سُمًّا” و”الكهف” في قسم الأفلام التسجيلية.
أهمية فِيلْم المخرجة التُّونِسِيَّة المغتربة مَرْيَم جوبر مِنْ أَجْلِ مُرَاجَعَتُه نقدياً يرجع لسببين رئيسيين: أَوَّلِهِمَا، كَوْنِه فيلماً يَرْوِي قِصَّة إنْسَانِيه بِمَنْظُور سِينَمائِي بِامْتِياز يُلاَمِس قَضِيَّة أَنْسَانِية وُجُودِيَّةٌ تعيشها الْمُجْتَمَعات الْعَرَبِيَّة بِعناصِر وأَدَوَات سينمائية بِحَتِّه، احْتَوَت عَلَى جَمِيعِ تَوَابِل اللُّغَة السينمائية فِي فِيلْم لَا تَتَجَاوَزُ مُدَّتِه 25 دَقِيقَةٌ.
مِنْ جِهَةِ ثَانِيَة لُفَّت انتباهي فِي هَذَا الفِيلْم كُمَّيْه التَّرْشِيحَات والْجَوَائِز الَّتِي حضي بِهَا مُنْذُ نُزُولِهِ إلَى صالات الْعَرْض سُنَّةٌ 2018 وَكَذَلِك التتويج والتَّرْحِيب الَّذِي نَالَهُ مِنْ خِلَالِ تَتْوِيجُه بِأَكْثَرَ مِنْ جَائِزَةٌ.
بِاخْتِصَار هُو فِيلْم بِوَصْفِه سينمائية كَامِلَةٌ حَتَّى وَإن أبدت الْمُخْرَجَة رَغْبَتُهَا فِي تَحْوِيلُهُ إِلَى مَشْرُوعٌ فِيلْم رِوائِي طَوِيلٌ.. رُبَّمَا لمواصلة الْمُغامَرَة الَّتِي بدأتها ذَات رَحْلِه بِبَلَدِهَا الْأُمّ تُونُس.
فالدِّراما مُمَتَّعَة عِنْدَمَا تَكُون مشبّعة بقيم الِاخْتِلَاف وتتلون بِلَوْن الشَّغَف بِدَايَة بِذَلِكَ الْوَصْفِ الْمُوغِل فِي الصَّمْت و اللَّوْن الْأَحْمَرُ فِي مُشَاهَدَة الْأُولَى تقترح عَلَيْنَا الْمُخْرَجَة الرِّحْلَة، يَبْدَأ الفِيلْم بِلُقَطَة تأسيسية لمنظر عَامٌّ فِي الْبَادِيَةِ، حَيْث قَطِيعٌ مِنْ الْأَغْنَامِ ثُمَّ لُقَطَة لِطِفْل صَغِيرٌ يَجْرِي فِي الْبَرَارِيِّ لنعبر مِن الْمَوْضُوعِيَّة إِلىَ مَجَالِ رُؤْيَة ذَاتِيٌّ subjective لِعَيْن الطَّفْلُ وَهُوَ يُتَأَمَّل مِنْ بَعِيدٍ صُورَةِ أَبِيهِ وَ أَخِيه..
ثُمَّ تَنْتَقِلُ الْمُخْرَجَة نَحْو الْإِيحَاء عَبَّر مَشْهَد ذَبَح خَرُوفٌ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَيُطْلَب الْأَبُ مِنْ الِابْنِ بِذَبْحِه عَلَى الطَّرِيقَةِ الْإِسْلَامِيَّة، لَوْنِ الدَّمِ هُنَا لا شك أَنَّه يَرْمِزُ إلَى إِيقُونَة العُنْف وعبثية الْحَرْب، وفِي نَفْسِ الْوَقْتِ الْمَشْهَد لَهُ عَلاَقَةٌ وَثِيقَة بِعَوْدِه الِابْن مَالِكٍ كَمَا سنرى فَيَا بُعْدَ. كَأن الْمُخْرَجَة أَرَادَتْ أَنْ تَأْتِيَ إلَيْنَا بِالْحَرْب مِنْ خِلَالِ رَمْزِيَّة لَوْنُ دَمٍ الْأَحْمَرِ الْقَانِي بَدَل أَخَذْنَا إلَيْهَا. مُرُورًا بمشاهد أُخْرَى تَكَاد تَكُون شاعرية يُصَاحِبْهَا صَوْت رِيَاح خَافَتْه لمنطقة فِي السَّاحِلِ صَوْتٍ لَا يَهْدَأ عَبَّر مَشْهَد تتراقص فِيه سَتَائِر نَوَافِذ ذَلِكَ الْبَيْتِ الْبَسِيط لعائلة تونسية تَعِيشُ وَسَطَ الْبَادِيَة.
مُشَاهَدٌ مَرْيَم جوبر فِي فيلمها الْإِخْوَان تُحَاوِل أَن تختزل ذَلِك الصِّرَاع القيّمي بَيْن مَنْظُومَة الْأَعْرَاف الْمُتَوَارَثَة والتَّعَصُّب لَهَا وَ الَّتِي أَنْتَجَت مَالِكٍ الَّذِي اخْتَارَ الِانْضِمَامَ إلَى صُفُوف تَنْظِيم داعش، وبَيْن فَلْسَفَة الْحَيَاةِ كَمَا تَرَاهَا جوبر عَبَّر نَوَافِذ عدستها وَرِيَاح الصَّدَفَة أَيْضًا الَّتِي قَذَفَت بِهَا إلَى مِنْطَقَةٍ ريفية لتختار مَالِك ذُو الْوَجْه المنمَش لاختزال قِصَّة تُونِسِي عَائِدٌ مِن سُورِيا مَعَ زَوْجَتِهِ إلَى عائِلَتِه إلَى ثَقَافَتُه، لِيَبْدَأ الصِّرَاعُ بَيْنَ الْأَبِ وَمَا يُحْمَلُ مِنْ ثَقافَةٍ وبَيْن الِابْن مَالِك الْعَائِدِ مِنْ أتُّون الْحَرْب بِزَوْجَة حَامِلٌ.
الْمُشَاهَد الْأُولَى توحي بِكُلّ شَيء تقريباً ، و عُنْصُرٌ التَّشْوِيق و الْمُفَاجَأَة يَبْقَى إلَى الْأَخِير، هُنَاك دَائِمًا شَيْءٌ مَا يشدك فِي سَلاسَة تَتَابُع الْمُشَاهَد و إيقَاع السَّرْد و الَّذِي يُعبّر عَنْ تِلْكَ الْحَقِيقَةِ الْكَامِنَة وَرَاء كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَا التَّصْوِير ، لتجسّد مَرْيَم جوبر حقيقةً تِلْك الْمَقُولَة ” السِّينِما هِي أَدَّاه و فَنّ لِطَرْح مَا لا يقال “عَبَّر عَدَسَة اخْتَارَت أَسَرَة تونسية بَسِيطِة تَعِيشُ فِي الْبَادِيَةِ لتختزل قِصَّة ذَلِك الْعُمْق الْإِنْسَانِيّ بِتَصْوِير اِحْتِرافِي لـمواقع كُلُّهَا فِي بَلَدِهَا الْأُمّ، لَا تَخْرُجُ إطلاقاً مِنْ ذَلِكَ الْمُناخ الْعَرَبِيّ الْإِسْلَامِيّ الَّذِي يَسْتَهْوِي مخرجتنا المغتربة مَرْيَم جوبر.
اذَّنَ عِنْدَمَا وَضَعَتْ يَدَهَا مخرجتنا يَدَهَا عَلَى قَفَل الصَّدَفَة بَدَأَت الْحِكَايَة و الْغَوْص فِي أبجديات اللُّغَةِ الَّتِي اخْتَارَت الْمُخْرَجَة أَنْ تَحْكِيَ بِهَا حِكَايَة مَالِك، أَوْ لِنَقْلِ حِكَايَة مُحَمَّدٍ مَعَ ابْنِهِ مَالِك، و حِكَايَة مَالِكٍ مَا هِيَ إلَّا حِكَايَةَ الْعَشَرَاتُ بَلِ الْمِئَاتُ و الْآلَاف مِنْ الشَّبَابِ التُّونُسِيّ و الْعَرَبِيّ الْبَاحِثِ عَنْ الذَّاتِ وَسَط التحديات، عَبَّر رَوْحٌ يَسْكُنُهَا الْحُنَيْن وكاميرا فِي عَيْنِ شاعرة نَنْتَقِل مِن مَشْهَد إلَى آخِرِ و زَاوِيَة لِأُخْرَى لتأثث مَرْيَم جوبر مُشَاهِدُهَا عَلَى نَمَطٍ البِيئَة العَرَبِيَّةُ الإسْلاَمِيَّةُ كَمَا تستهويها و عَلَى إيقَاعِ زَمَنِي يأخذنا إلَى حَيَاة الرِّيف و الْحُنَيْن الَّذِي يَسْكُنُهَا. عِنْدَمَا زَارَت الْمُخْرَجَة بَلَدِهَا الْأُمّ ورَاحَتْ فِي جَوْلَةٌ سياحية أَشْبَهَ مَا تَكُونُ بِجَوْلَة مُعَايَنَة لِمَوَاقِع التَّصْوِير لتصادف رَاعِ للأَغْنَام وأَخِيه الصَّغِير، فَتُطْلَبُ مِنْ شِدَّةِ إعجابها بمنظرهما وتَفَرَّد وَجْهَيْهِمَا المنمَش بالتقاط صُورَة لَهُمَا وَسَط التَّلاَل الْخَضْرَاء، هَكَذَا بَدَأَت قِصَّة إنْتَاج الفِيلْم التُّونُسِيّ الَّذِي ترشّح إلَى جَائِزَةٌ الاوسكار لِأَفْضَل فِيلْم قَصِيرٌ حَيّ.
- ناقد من الجزائر