الفيلم الإيراني “6.5 فقط: مغامرة سينمائية
مراد الفكِيكِي– المغرب
” في إيران من يُقبض عليه و بحوزته مخدرات، سواء 30 غراما أو 50 كيلوجراما فمصيره الإعدام”.
بهذه الجملة واجه ناصر خاكزاد، بطل فيلم “6.5 فقط”، بارون المخدرات الأشهر في ايران، أمام القاضي أثناء جلسة محاكمته، كأنّه كان يعرف مصيره حينما تم القبض عليه.
ويُمكن اعتبار فيلم “6.5 فقط” مغامرة ناجحة قادها مخرج ايراني شاب داخل مجتمع جدّ محافظ. سعيد روستايي هو مخرج وكاتب سيناريو الفيلم. ولد في طهران سنة 1989، أخرج 4 أفلام قصيرة بين 2011 و2012 وقد حاز أول أفلامه الطويلة “حياة و يوم” (2016) على العديد من الجوائز داخل وخارج ايران.
تحّدى فيلم ” 6.5 فقط” كل الأعراف والقواعد التي ألفناها في السينما الإيرانية من خلال افلام كيروستامي وفرهادي وباناهي، سواء في طريقة تصويره التي تُحيلنا على الأفلام الأمريكية بسرعة الايقاع والحوارات القصيرة، كما تطارد كاميرا روستايي تُجار المخدرات داخل الخنادق وعبر الأزقة، وتنقل نقلت معاناة المعتقلين داخل الحبس الاحتياطي.
بدأت خيوط هذه الحكاية تُحبك داخل فرقة مكافحة المخدّرات، التي أمضى داخلها روستايي عدة أشهر، يجمع المادّة الفيلمية، مرورا بالسّجن لمعاينة المُعتقلين ووصولا الى المحكمة لحضور الاستجوابات والأحكام الصادرة في حق مُروجي المخدرات. وقد تمخّض هذا الزخم الكبير عن استكشافٍ لعوالم المخدرات، وأثمر فيلما بوليسيا على حافة الوثائقيـ يتميّز بحبكة درامية بسيطة وسرد للأحداث ذي منحى كرونولوجي تصاعدي من بداية الفيلم الى نهايته، مع أداء واقعي ومميّز لمعظم الممثلين.
ما يشد انتباه المشاهد هو عنوان الفيلم الذي خرج في فرنسا تحت عنوان “قانون طهران”، إلا أن النسخة الدولية خرجت بكلمة وعدد، هذا الأخير يرمز لمدمني المخدرات في ايران والذي يبلغ 6,5 مليون متعاطي من أصل 82 مليون نسمة وهو رقم هائل ومخيف يزداد يوما بعد يوم، عبّر عنه المخرج بإسقاط في أحد المشاهد حينما نرى دخول أفواج من المدمنين والمروّجين شيئا فشيئا، عبر لقطات متفاوتة، الى زنزانة صغيرة حتى تمتلأ عن آخرها وكأن لسان حاله يشتكي من تزايد عدد المدمنين داخل المجتمع الايراني وعلى جهاز الشرطة أن يتدخل بحزم لردع هذه الظاهرة.
تبدأ أحداث الفيلم عبر أزقة وأحياء طهران بمطاردة الشرطة لأحد تجار المخدرات الصغار، وتنتهي باختفاء المُطارد بعد سقوطه في حفرة. وعلى مدى الساعتين من عمر الفيلم يرحل بنا المخرج الى عالم الادمان بمختلف شرائحه وفئاته، ويقدّم لنا فيلما من جُزئين: الأول يمتدّ على مدى 40 دقيقة في ايقاع سريع ، محوره الأساسي البحث عن العقل المخطط لترويج المخدرات عبر مطاردة التجار الصغار وتوقيفهم. أما الجزء الثاني فيتسم بالرتابة الى حد الملل بعد إلقاء القبض على بارون المخدرات وتقديمه للعدالة.
في هذا الخضم يبرز بطلان للفيلم ضابط الشرطة وبارون المخدرات. وقادت الصراعات بين هاتين الشخصيتين بالدفع للأمام بأحداث الفيلم وخلق الصّدام بين قائد الشرطة “صمد ماجدي” والذي أدى دوره ببراعة (بايام معادي) الذي يدير فرقة مكافحة المخدرات، وهمه الأكبر وضع اليد على بارون المخدرات وتأكيد أحقٌيته في قيادة فرقة مكافحة المخدرات، و” ناصر خاكزاد ” البارون الذي برع في أداء دوره ( نافيد محمد زاده) والذي حاز عنه جائزة أحسن دور رجالي في مهرجان طوكيو سنة 2019، كما نال الفيلم الجائزة الكبرى في نفس المهرجان وجائزة أحسن فيلم أجنبي في مهرجان زيورخ 2019 وحصل على جائزة سيزار في فرنسا عام 2022.
ينتهي الفيلم بخروج جماعي لمُتعاطي المخدرات الى شوارع طهران، يجرُون في كل حدب وصوب، مُطاردِين من طرف الشرطة، وبما أن أحداث الفيلم أظهرت قوة وحزم هذه الأخيرة في مكافحة تجّار المخدرات، فقد لاقى هذا استحسانا من طرف السلطات الايرانية التي ما تفتأ في وضع العراقيل أمام الأفلام التي تسير عكس تيّارها.