العودة “الحميدة” لجيسيكا لانج إلى السينما
نشر الناقد محمد رُضا المقابلة التالية في جريدة “الشرق الأوسط” مع الممثلة الأمريكية جيسيكا لانج (بتاريخ 9 نوفمبر) وفيها تتحدث عن سر انقطاعها عن السينما لفترة طويلة نسبيا ثم عودتها مجددا إلى الشاشة الفضية…
انقطعت أخبار الممثلة التي سحرت جيل النصف الثاني من السبعينات منذ أن ظهرت في أول أفلامها “كينغ كونغ“.
منذ عام 2006 لم تظهر الممثلة جيسيكا لانجعلى الشاشة. كانت في منتصف العقد السابق ظهرت في أربعة أفلام متتابعة؛ آخرها “بونفيل” حول ثلاث نساء يقمن برحلة إلى مدينة سانتا باربرا على الساحل الغربي لأميركا لتسليم رماد جثة زوج إحداهن لابنته. جوان ألان وكاثي بايتس كانتا الممثلتين بجانب جيسيكا لانغ، والممثل بوب كوندور لعب دور سائق التاكسي الذي يجد نفسه شريكا في هذه الرحلة.
بعد ذلك انقطعت أخبار الممثلة التي سحرت جيل النصف الثاني من السبعينات منذ أن ظهرت في أول أفلامها “كينغ كونغ“(نسخة 1976). بعده حققت حضورا لافتا آخر في “كل ذلك الجاز” (1979) ومهدت به طريقا وسطا بين الفني والجماهيري، فلعبت بطولة “ساعي البريد يدق الباب مرتين دائما“(1981)، و“توتسي” (1982)، ثم قادت فيلم “فرنسيس” الذي تحدث عن ممثلة حقيقية اسمها فرنسيس فارمر حوربت من قبل هوليوود المحافظة وتعرضت لعلاجات كهربائية ونفسية بتهمة أنها مجنونة. طوال الثمانينات والتسعينات كانت رقما ثابتا في الإنتاجات المهمة ووجها لافتا في مهرجانات برلين وكان وتورونتو وسان سابستيان من بين أخرى. سنة 1999 لعبت بطولة نسخة رائعة من أعمال ويليام شكسبير هي «تايتوس» ثم دورا محدودا في فيلم تيم بيرتون “سمكة كبيرة” قبل أن تغيب ثلاث سنوات لتعود في عام 2006 عبر تلك الأفلام.
حاليا، وللمرة الأولى منذ “بونفيل” لديها فيلم جديد ومسلسلان تلفزيونيان. الفيلم هو “العهد” أمام راتشل ماكأدامز، وشانينغ تاتوم، وسام نيل، والمسلسلان هما “قصة رعب أميركية” و“الوادي الكبير” وهذا الأخير هو إعادة صنع لمسلسل شهير بذلك الاسم لعبت بطولته في الستينات الراحلة باربرا ستانويك.
* تظهرين قليلا هذه الأيام مما يعني أن حياتك اليوم مختلفة أساسا عما كانت عليه سابقا..
** طبعا. لا أعيش في هوليوود ولا في نيويورك ولا في أي مدينة كبيرة. أنا وسام شيبرد (الممثل والمخرج الذي ارتبطت به منذ عقدين تقريبا) نعيش في مزرعة في الريف.. بعيدا عن كل شيء. أجد حياتي هناك مستقرة وسعيدة، من دون متطلبات أو ضغوط. لكني من حين لآخر أحس بالرغبة في أن أعود إلى التمثيل.. هذا ما يفسر غيابي.
* كما في عام 2006، لا تعودين بفيلم واحد بل بعدة أفلام..
** صحيح. لكن هذه المرة بعض هذه الأعمال لم تنجز هذه السنة. أقصد أن الأمر ربما يبدو كما لو أنه قرار مفاجئ ترتب عليه الانتقال من مشروع لآخر على نحو متسارع. لكن الحقيقة أن كل مشروع له سنوات من التحضير قبل أن يرى النور.
* هل كنت على صلة بفيلم “العهد” من البداية؟
** سمعت بهذا الفيلم سنة 2010 عندما أرسل وكيل أعمالي المشروع لي لأقرأه ووافقت عليه. ودخلنا التصوير في نهاية ذلك العام وانتهى تصويره قبل عام كامل. لكنه تأخر توزيعه، ولا أدري السبب، حتى الشهر المقبل على ما أعتقد. في الحقيقة انتهيت من تصوير هذا الفيلم ودخلت المسلسل في الشهر ذاته.
* لقد اشتهرت سابقا باختيارك أدوارا ليست سهلة.. ليست من تلك التي تختارها الممثلات الطامحات لنجاح سريع.. هل ما زال الأمر كذلك بالنسبة إليك؟
** أعتقد أنك تتحدث عن أفلامي قبل ثلاثين سنة، وملاحظتك صحيحة. إنه اختيار من عندي. في مثل تلك السن لديك حرية أن تختار. كنت في أواخر العشرينات عندما بدأت، وفي الثلاثينات عندما بدأت الاختيار على نحو دقيق. وجهة نظري في هذا الخصوص هو أن هناك الكثير من الأدوار والكثير من الممثلين والممثلات، ولذلك يستطيع الدور الذي لا أريده الذهاب إلى سواي من الممثلات، وربما تنجح تلك الممثلة أكثر مني لو قبلت به. إنها ناحية مبدئية. أنا في مهنة لها أكثر من طريق، واختياري هو البحث عن الأفلام التي تجعلني سعيدة بأنني قبلت بها.. شخصيات أثارت لدي الفضول فوافقت عليها.
* من هذه الزاوية، ما الذي دفعك مثلا لبطولة “قصة رعب أميركية”؟
** السيناريو الذي كتبه مخرج الفيلم رايان مورفي. القصة مثيرة وشخصياتها جميعا لديها هوياتها الخاصة التي جعلت المادة ثرية. الأكثر من هذا، أننا حين بدأنا التصوير وجدت أن ما كان يبدو مشهدا بسيطا هو أهم وأفضل بكثير حين التنفيذ. كان عندي حب العمل من ناحية؛ والحس بالاكتشاف من ناحية ثانية. أشعر لليوم بالراحة تلقائيا وأنا أمثل شخصية أحب تمثيلها. حين لا ترتاح بصفتك ممثلا لما تقوم به، فإن السبب هو أنك أخطأت الاختيار.
* تلعبين شخصية الأخت جود وهي تعتمد على حركات اليدين. هل درست هذه الحركات على نحو علمي؟
** الحركات، كما تعلم، هي استعراض لكيفية شعورنا حيال الآخر، وكذلك تعبير عما يعتمل في داخل كل منا، ونحن نعمد إليها لنفسر ما نعتقد أننا غير قادرين على تفسيره بالكلمات وحدها. لم أكن لاحظت حركات يدي إلا عندما حان وقت تصوير مشهد أتقدم فيه من راهبة في تلك المصحة التي (حسب القصة) أديرها. رأيي في تلك الراهبة دفعني لاستخدام إشارات تعبر عن تحفظي الشديد حيالها.. عن رفضي لمحاولة ستر عيوبها وأخطائها السابقة عن طريق التحول إلى التدين كما لو أنها تريد تمويه ماضيها. أعتقد أن شخصيتي عند هذا الحد كانت ترفض نفسها.. تقيس الأخريات بناء على مواقف متشابهة تود أن تردمها في حياتها.
* البعض يصف دورك بأنه مخيف.. هل توافقين؟ وما الذي يخيفك في الحياة؟
** أولادي (تضحك).. هؤلاء هم من يخيفونني. أعتقد أن البعض سيشعر بالرهبة، لكن هذا ليس المقصود بحد ذاته. المسلسل ليس مصنوعا على أنه رعب رخيص كما هو منتشر هذه الأيام، بل دراما نفسية. ما يخيفني في الحياة؟ جديا؟ لا أخاف من أولادي طبعا؛ بل أخاف مما قد يحدث لهم في المستقبل.
* أحد أفضل أفلامك السابقة دار أيضا في المصحة وهو “فرنسيس“. ألا تعتقدين أنك أنجزت بذلك الدور نقلة إلى الأمام؟
** هو فيلم مؤلم لأنه تناول حياة ممثلة فعلية تمردت على التقليد العائلي والسينمائي فعانت كثيرا من سطوة أمها التي أوصت بوضعها في مأوى نفسي حيث تم اغتصابها وإذلالها. هوليوود بدورها لم تكن لتغفر لها مواقفها واتهمتها بأنها شيوعية وفوضوية. حياتها لم تكن مثل حياة سواها من الممثلات لأنها رفضت الصمت على ما وجدته خطأ. نعم كان فيلما مؤلما وأعتقد أنه أحد أفضل أفلامي.. صحيح.
* فزت عنه بجائزة مهرجان موسكو سنة 1983. أيضا أدوارك في “سماء زرقاء“و“ساعي البريد يدق الباب مرتين دائما“و“صندوق الموسيقى“و“كايب فير“جيدة، وبعضها عاد إليك بجوائز..
** سماء زرقاء» منحني الأوسكار أفضل ممثلة سنة 1995، لكن كما ترى لا يشكل الأوسكار سوى التقدير في لحظته وفي التاريخ. أقصد أن نوعية الأدوار تبقى على الوضع نفسه حسبما اخترته في الأساس. أذكر أن العرض الأول بعد فوزي بالأوسكار كان التمثيل في أحد الأفلام الكبيرة التي تم صنع مسلسلات منها ولن أذكر أسماء.. لكني اعتذرت. لا أستطيع أن أجد نفسي في مثل هذه الأفلام.
* هذا قرارك إلى اليوم.
** نعم. هذا هو قراري إلى اليوم. لا يثيرني الأمر مطلقا.