الثور الهائج يواجه روكي في “مباراة الضغينة”!
فكرة كوميدية لامعة، بالغة الذكاء، اعتمد عليها “مباراة الضغينة”: بعد ثلاثين عاما من الاعتزال، يلتقى الملاكمان المتقاعدان، العجوزان، روبرت دى نيرو، وسيلفستر ستالون، فى مباراة الانتقام. كل منهما يحمل كراهية تجاه الآخر، لم تفتر بمرور السنوات، بل ربما زاد لهيبها.. السيناريو، حافظ على تكوينهما النفسى، وطباعهما، واسلوبهما فى الحياة، كما ظهرا به، على الشاشة، فى الماضى.
دى نيرو، هنا، سواء فى أنانيته، أو نهمه للطعام والنساء، أو شراسته، يعد امتدادا لشخصية الملاكم “لاموتا”، التى جسدها، بموهبته الطاغية فى “الثور الهائج” لسكور سيزى 1980.. كذلك الحال بالنسبة لستالون، الذى يطالعنا بذات الغرور المفعم بالوحشية، بالإضافة للرغبة العارمة فى الثأر من خصومه، كما كان الأمر فى سلسلة أفلام “روكى”، مع فارق واحد، انه أصبح على قدر ما من الوهن، بحكم السن، فهو فى السابعة والستين، بينما دى نيرو أكبر منه بثلاث سنوات.
ينتمى “مباراة الضغينة” لبيتر باسنجر، إلى ما يعرف بكوميديا الأخلاق، أو السلوك، وهى التى تنتقد، بسخرية، عيوب ومثالب الشخصيات السيئة الأفكار والأحاسيس والتصرفات، وهو ما يتوافر فى بطلينا، الغريمين، اللذين يوافقان، بلا تردد، على النزال ضد بعضهم البعض، لأسباب وضيعة، لا علاقة لها بالتنافس الرياضى، فإلى جانب إغراء الأموال التى سيحصلان عليها، ثمة الرغبة فى تصفية حساب قديم، فأحدهما، دى نيرو، يصرح بلا خجل، فى مؤتمر صحفى، انه منذ أكثر من ثلاثين عاما، أقام علاقة مع زوجة الآخر، وانها أنجبت منه ابنا، تزوج، وأصبح أبا لطفل.. المفارقة ان الطفل، برغم ظرفه، يبدو فى تصرفاته الرعناء، كما لو انه ورث عن جده الميل للاستخفاف، وعدم إدراك عواقب الأمور، والشراهة الزائدة، فهو يلتهم الطعام على طريقة دى نيرو، ولا يتوانى فى محاولة قيادة سيارة، وهو لا يعلم ان جده، ينفرد عاريا، بامرأة، فى المقعد الخلفى.
فى المقابل، يغدو ستالون، المهزوم عاطفيا، المنتصر رياضيا، متسما ببلادة واضحة، بطىء الحركة، خافت الانفعالات، لا يكترث بمن حوله.. لذا فإن مسئولية الأداء التمثيلى المتميز تقع على عاتق صاحب الأسلوب الخاص، المتميز، دى نيرو، الذى يعبر ببساطة وعمق، عن أشد الانفعالات تركيبا، فمثلا عندما يسأل ابنه عن رأى والدته فيه، وعما تقوله عنه. يجيب الابن بصدق “انها ترى أنك أسوأ شخص قابلته فى حياتها”، تتجلى فى ابتسامة دى نيرو، ونظرته، درجة منخفضة من الأسى، مع إقرار بأنه كذلك، فضلا على نوع من الرضا، والتلذذ بأنه كذلك.. انه الرجل السيئ، المعجب بمساوته.
إلى جانب حرب الأعصاب التى تدور بين الخصمين، ثمة صراع آخر بينهما من ناحية، والأجيال الجديدة من ناحية أخرى. الشباب ينظرون لهما ككائنات منقرضة، بينما يستنكر الرجلان رياضة “المواى تاى”، التى تستخدم فيها اليدان والكوعان والقدمان، ويريان أنها مفسدة للملاكمة.. وحين يتمادى لاعب شاب فى التهكم على العجوزين، يتلقى لكمة صاعقة من أحدهما، تسقطه أرضا.. هكذا، كأن الامتدادات النقدية للفيلم تشمل استخفاف الصغار بالكبار.
“مباراة الضغينة”، لا يتوقف كثيرا أمام مباراة النهاية، والتى لا تستغرق سوى عدة دقائق، برغم جولاتها المتعددة، ذلك ان ما يهدف له هو نقد سلوك وأخلاقيات تستحق الهجاء فعلا.. لذا فإن الفيلم يخاطب العقل قبل العاطفة، فهنا، لا يتعاطف المشاهد مع طرف ضد آخر، ولكن ينتبه إلى عيوب.. قد يجدها فى نفسه، على نحو ما.