التلاعب باسم قضية افريقيا فى مهرجان الأقصر

يصلح مهرجان الاقصر السينمائى الدولي الذى انتهى مؤخرا كمثال للتلاعب باسم القضايا الكبرى في مصر. فبدلا من أن تكون تلك التظاهرة لتعريف الجمهور المصري بالسينما الافريقية وتوطيد الاواصر بين سينمائيينا وسينمائي القارة السوداءكان المهرجان مثالا للتخبط والعشوائية والفشل الادارى المروع.

ولم يكن السبب في ذلك ضعفالميزانية أو تقاعس أجهزة الدولة عن دعم المهرجان حيث أن ميزانية المهرجان التى قدمتها جمعية الفنانين المستقلين (المنظمة للمهرجان) للجهات الرسمية هى أربعة ملايين ومائتان واثنان وسبعون ألف جنيه مصرى تقاسمت تكلفتها وزارات الخارجية والثقافة والسياحة بمصر مع بعض الاسهامات البسيطة لجهات أخرى مثل محافظة الأقصر التى لم تتوانى عن بذل كل الجهد الذى طلب منها.

لكن المأساة جاءت مركبة والسبب الأساسى فى ذلك أن كل من ينظمون المهرجان ليس لهم سابق خبرة في تنظيم أى عمل مماثل من قبل. فسيد فؤاد رئيس المهرجان ورئيس الجمعية المنظمة لم يحضر أى مهرجان دولي في حياته ولا يجيد أى لغات أجنبية ولم يدير حتى أى تظاهرة سينمائية محلية.

 وهكذا جاءت السلبيات لا حد ولا حصر لها وفاقت أى ايجابية بمسافة كبيرة جدا. وعلى رأس ذلك شبه انعدام وجود أى جماهير في حضور العروض سواء التى كانت تقام في قصر الثقافة وقاعة المؤتمرات التى لم يزد فيها الحاضرين عن خمسة وعشرين فردا بالفيلم الواحد اغلبهم من الصحفيين المصريين بالاضافة لتكرر الغاء العروض المعلنة في نزل الشباب أوساحتى الحجاج او البويرات بل وحتى السينمائيين المصريين الذين حضروا المهرجان لم يحضروا الا النادر من العروض حسب تصريحاتهم، بل أن فيلم الافتتاح (تيزا) الذى يعتبر أهم أفلام المهرجان شاهدته حفنة قليلة بسبب سوء التنظيم فقد وضع فى نهاية يوم الافتتاح الطويل المرهق الذى أراد الضيوف بعده تناول الطعام فتركوا الفيلم خاصة عندما وجدوا انه ناطق بالسواحلية ومترجم الى اللغة الفرنسية فقط. بالاضافة لعروض تم تقديم موعدها بدون اخطار مخرجيها الجالسين خارج قاعة العرض وذلك لأن عضوة لجنة التحكيم فانتا رجينا ناكرو كان لديها (مغص) وطلبت بدء العرض فورا. ناهيك عن سوء الجودة الفنية لالات العرض الذى أصبحت معها المشاهدة أحيانا عبثا.

ورغم ضيوفه المائة لم يحضر المهرجان أى سينمائى أفريقي هام الا الاثيوبي هايلي جريما والموريتانى عبد الرحمن سيساكو. الأول جاء فى اخر أيام المهرجان ولم يتح الاستفادة من خبرته الكبيرة. والاخر نظمت له ادارة المهرجان رحلة سياحية بأسوان خلال أيام المهرجان فلم يمارس بشكل احترافي مشاهداته كعضو لجنة تحكيم المهرجان وهو ما دعا زميله فى اللجنة المخرج محمد خان  للتشاجر معه فى قاعة العرض أمام الحاضرين لغيابه المتكرر.

وهناك مهزلة أخرى اسمها تذاكر سفر المهرجان. فضعف الخبرة وعدم فهم نظام الطيران الدولي جعل المنظمون يدفعون أحيانا 13 ألف جنيه مقابل تذكرة الطيران الواحدة بدعوى أنه لا يوجد خط مباشر من عدة دول افريقية للقاهرة. والطامة الكبرى كانت فى تذكرة الممثل عمرو واكد الذى أعلن عن اشتراكه فى لجنة التحكيم وطلب من المهرجان احضاره من فرنسا  فتغيرت تذكرته أكثر من مرة فوصل ثمنها الى عشرين الف جنيه مصرى ولم يحضر فى النهاية. وأصبحت لجنتا التحكيم مكون كلاها من ثلاثة أفراد بعد اعتذار الاخرين فى سابقة لا تحدث بأى مهرجان.

وهناك ضيوف كالمغربي مصطفى المسناوى تم مد اقامته يوما بالقاهرة رغم عدم رغبته بذلك. أضف الى ذلك النجوم المصريين الذين سيطروا على حفل البداية ورحلوا بعدها وبعضهم من انصار النظام السابق، فبدا المهرجان كأنه حفل بلدى للسينما التجارية المصرية وخاصة من أصدقاء رئيس المهرجان الذين شاركوا معه فى الفيلم الوحيد الذى كتبه وهو (كلمنى شكرا) الذى يعد من أكثر الأفلام المصرية ابتذالا فى السنوات الاخيرة.

وجاء تكريم المخرجين الكبار داوود عبد السيد ورضوان الكاشف شكلانيا أكثر منه موضوعيا. فبدلا من مناقشة أفلامهم وتحليلها لشباب الحاضرين تم الاكتفاء بالتماثيل والشهادات وعرض فيلم لكل منهم بدون مناقشة جادة.

ورغم وجود جهد حقيقى من النقاد الشباب في ادارة الندوات الا أن الادارة اختارت لها مترجمين لا يجيدون اللغات وكانت فضيحية حقيقية أمام الافارقة.

أما الكتاب الذى صدر عن السينما المغربية فقد جاء مليئا بالأخطاء بشكل أزعج كل المغاربة الحاضرين.

أما الملتقى الذى كان بين شباب السينمائيين ويعد احدى الحسنات القليلة للمهرجان فقد اشتكى رواده من أنهم كانوا فى واد منعزل عن المهرجان ولم تكن كفاءة مدرسيهم واحدة.

 هل استفادت مصر من هذا المهرجان ؟ هل توثقت علاقتنا بافريقيا؟ وهل تواصل جمهور الاقصر بأى صورة مع سينما هذه القارة أومع واقعها أو ثقافتها؟ الاجابة هى لا بالطبع مع كل ما حدث الذى هو نتيجة طبيعية لاسناد الأمر الى غير أهله.

لا يمكن التصور بأنه بعد الثورة المصرية يتم اهدار المال العام بهذا الشكل لأنه وضع فى أيدى حفنة من غير المتخصصين وغير المتحملين للمسؤولية. والسبب هو دعم ناقد كبير لهم من وراء الستار بل ومدحه الفج للمهرجان رغم أنه مستشاره الرسمى وتقاضى خمسة وستين الف جنيه عن ذلك. ولهذا ستظل موافقة وزير الثقافة السابق عماد أبوغازى على منح هؤلاء حق تنظيم المهرجان مثالا لكيفية افساد ملف النيل والتلاعب باسم افريقيا تحت مسمى الثقافة.

Visited 15 times, 1 visit(s) today