“البطل الأمريكي”.. الخارق في همومه
غالبًا ما يتسابق جمهور السينما في مصر لمشاهدة أفلام الحركة والمطاردات والمغامرات والتي يلعب بطولتها عدد من الأبطال الخارقين “Super Heroes”، تلك الأفلام التي كانت تَعرض في البداية قصة كل بطل/ شخصية على حدا؛ كما سبق ورأينا فيلم “Hulkالرجل الأخضر” و”الرجل العنكبوت Spider man” و”ثور Thor”، ولكن تطور الأمر وظهرت محاولة هولويودية جديدة مستوحاة من قصص رسوم الكوميكس للجمع بين هؤلاء الأبطال معًا، في فيلم واحد متتابع الأجزاء، يكون بمثابة وجبة دسمة على تنوع شخصياتهم وإظهار قدرات كل بطل خارق تحت مسمى “سلسلة المنتقمون The Avengers”. ربما لم يهتم أحد أن هناك فيلم عن بطل خارق لم يحظ بأي اهتمام من أغلب الجمهور والنقاد على حد سواء، وهو فيلم “البطل الأمريكي American Hero” (2015) إخراج “نيك لاف” وبطولة “ستيفين دورف” في دور البطل الخارق “ميليفن” والممثل الأسمر “إيدي جريفين” في دور صديق البطل المُقعد “لوسيل”.
البطل الخارق هنا يختلف تمامًا عمّا ألفناه في أفلام “السوبر هيروز” السابقة، نعم هو يمتلك موهبة خاصة تميزه عن غيره، ولكنه لا يستخدمها في مكانها الصحيح كما ترسّخ في الوعي الجمعي لدى جمهور مشاهدي هذه النوعية من الأفلام. لم يستخدمها لمحاربة الكائنات الفضائية التي تسعى لاحتلال كوكب الأرض كما في Green Lantern)- Super man)، أو لنُصرة جيش بلده في الحرب ضد جيش بلد أخرى كما في (Captain America)، أو حتى لمساعدة رجال الشرطة في مطاردة المافيا والعصابات كما في (Bat man –Dead pool- spider man)، بطلنا ليس من هذا النوع المُبالغ في نزعته الانتمائية وحبه للخير والمثل العليا والقضية الإنسانية وسلامة الآخرين، التي قد تدفعه داخليًا إيمانيًا في السعي لحماية الكوكب، أو الوطن، أو يقف ضمن صفوف الشرطة والجيش.
“ميلفين” يستطيع تحريك الأشياء عن بُعد، أيًا كان حجمها، ولكنه يفعل ذلك فقط لإبهار الفتيات ليحصل على علاقة جنسية خلال السهرات الحمراء التي يقضيها برفقة أصدقائه. يستخدم موهبته وكأنها “فقرة الساحر” دون أن يكون لها أبعاد أخرى. وإن كان أبطال أفلام “السوبر هيروز” محاطين بأجهزة الإعلام أينما ذهبوا ولهم جماهيرهم التي تطاردهم، ويجري خلفهم صفوف المعجبين من المراهقين والأطفال، نجد “ميلفين” تطارده الشرطة دائمًا لإدمانه المخدرات وتعاطيه الخمور أثناء القيادة في الأماكن العامة، حتى فقراته التي يقوم بها أمام الناس يفعلها وهو مُرتدي قناعًا حتى لا يتعرّف أحد عليه أنه الشخص المدمن السكير، فأصبح شخص مكروه من الجميع، حتى أن زوجته تضطر لرفع دعوى قضائية ضده وتكسبها، فتقوم بخلعه والحصول على حضانة ابنهما “ماكس” مع أمر يَحظُر على زوجها الاقتراب منها مجددًا أو حتى لقاء طفله!
وطوال الفيلم نرى “ميلفين” بنفس ملابسه القديمة الممزقة، وشعره المتسخ، شخص عاطل عديم المسئولية، متسكع بلا هدف، يجلس وحيدًا أغلب الوقت، لا يحظى إلا برفقة السيجارة وزجاجة الخمر، أفسد جلسة التعارف المخصصة لخطوبة أخته، وفشل في حماية طفله من مقابلة تجار المخدرات والتعرّف عليهم!! ولكن نقطة التحول والنضج في شخصيته، والتي جاءت في الربع الأخير من الفيلم، تمت حينما تعرّض لهبوط في الدورة الدموية نتيجة جرعة زائدة من المخدرات، وبعدها رأى صديقه الأسمر المُقعد “لوسييل” يتلقى رصاصة بدلاً عنه من تجار المخدرات في المنطقة التي يسكنون فيها، فقرر أن يتغيّر ويعيد النظر في طريقة حياته من جديد، واستخدم قوته للعمل في أحد مخازن السيارات، واستطاع حماية ابنه من إدمان المخدرات ومصالحة زوجته حينما رأت تغير ملحوظ في سلوكه.
يسير السيناريو في حكي الأحداث بالشكل التتابعي التصاعدي السردي التقليدي، دون أي تقديم أو تأخير أو حتى “فلاش باك”، بل إن تصوير الأحداث -كما نراه على الشاشة- أغلب الوقت جاء مستخدمًا الشكل التسجيلي، فنرى الأبطال يتحدثون إلى الكاميرا مباشرة، وإلى الجمهور، وكأنهم في أحد البرامج التليفزيونية، ويظهر ظل المُصور على الحائط ونرى انعكاسه في زجاج المحلات التي يمرون أمامها أثناء التصوير والحديث، كل ذلك استخدمه المخرج بمهارة لإضفاء مَسحة واقعية على الفيلم، تزيد من معايشتنا لهموم البطل والشعور بحميمية تجاه مشاكله. نحن هنا أمام مواطن عادي يعيش وسط العشوائيات، شخص لا يختلف عمّن تراهم في طريقك للجامعة في المواصلات أو في المترو، شخص مواجهته ليست مع قوى الشر العظمى التي تهدد سلامة الكون، لكنها معركة صراع نفسي… معركة إرادة داخلية.
جاء ظهور “ميلفين” أغلب الفيلم، في لقطات عامة كبيرة، وهو يشغل جزء صغير من أسفل اليمين أو اليسار، لتأكيد شعوره بالضياع والتيه، وشعوره بالضآلة أمام مشكلاته، وبعض اللقطات كانت تصوره من ظهره أثناء سيره أو ركضه في الطريق، وكأنه يهرب منا ويخفي وجهه في خجل، لأنه يعرف أن موهبته لم تشفع له ولم تحقق له حب الناس كما كان يعتقد.
ومن الشخصيات التي تلفت انتباهنا في الفيلم، صديق البطل، ذلك الشخص الأسمر المُقعد “لوسييل”، طوال الفيلم يتعامل مع “ميلفين” وكأنه أخ له، يبحث عنه بحركته المتوترة على كرسيه المتحرك في كل مكان، وحينما يجده يقدم له النصيحة ويحاول التوفيق بينه وبين زوجته ليتم الوصل بينهما من جديد، ويذهب معه إلى الطبيب حينما تسوء حالته نتيجة المخدرات، دون أن ينتظر من “ميلفين” أي مقابل.
وكما بدأ الفيلم بمشهد نرى فيه الطفل “ماكس” ابن البطل الخارق، وهو يجلس في مؤخرة سيارة أمه خارج المحكمة، يلّوح لوالده مودعًا إياه، ينتهي الفيلم بمشهد الأب “ميلفين” يقود دراجة بالملابس الرسمية بعد أن تصالح مع الأم، وطفله يركب من خلفه وكلاهما يضحك ويتحركان في طريق في اتجاه قرص الشمس.
وعلى الرغم من أن إسم الفيلم “البطل الأمريكي” إلا أن علم أمريكا ظهر مرة واحدة فقط طوال الفيلم، في كادر ضيق مخنوق مشوش الإضاءة…