“آثار ما بعد الكارثة” والبحث عن حياة جديدة بعد الحرب

Print Friendly, PDF & Email

حققت رواية The Aftermath أو “آثار ما بعد الحرب” للكاتب ريديان بروك رواجا كبيرا من خلال المبيعات وقت طرحها عام 2013 وبعد ستة أعوام يأتي المخرج جيمس كينت بالتعاون مع المنتج ريدلي سكوت لتقديمها على شاشة السينما في فيلم يحمل نفس الاسم والتي تدور الأحداث في مدينة هامبورج الألمانية عام 1945 بعد خمسة أشهر من انتصار قوات الحلفاء وهزيمة الجيش الألماني فى الحرب العالمية الثانية.

“إنك على وشك مقابلة أشخاص غرباء في بلد عدو غريب. يجب عدم الاقتراب من الألمان.. لايجب عليك مصادقتهم.. لا ينبغي أن نكون ودودين معهم” بتلك الجملة كانت اللقطة الأولى في الفيلم التي تقولها سيدة إنجليزية لإبنها فى القطار المتجه الى هامبورج قادما من لندن.

وصلت السيدة الإنجليزية راتشيل مورجان إلى المدينة الألمانية التي دمرت أثناء الحرب تماما للقاء زوجها لويس مورجان الضابط فى الجيش البريطاني والحاكم العسكري لتلك المدينة بعد الحرب , ويقيما فى أحد المنازل الألمانية الفاخرة التي تمت مصادرتها بعد هزيمة الرايخ، المنزل مالكه الأصلي المهندس المعماري الألماني ستيفان لوبرت المقيم فيه مع إبنته فريدا الذي أصبح مصيرهما الانتقال للعيش فى أحد المخيمات لكن الحاكم الإنجليزي يعرض بقاء الأسرة الألمانية ومشاركة العيش معهم في المنزل .

قسم المخرج جيمس كينت فيلمه لثلاث مراحل فى تطور العلاقات بين الأربع شخصيات الرئيسية ، في البداية يظهر الكره النسائي ، راشيل ترفض التعامل مع الألمان ونفس الحال بالنسبة لفريدا الصغيرة فكلاهما فقد شخص عزيز بسبب الحرب ، السيدة الإنجليزية فقدت إبنها والفتاة الألمانية فقدت والدتها ، عكس الرجلين فكلاهما يرى الموقف بمنظور إنساني بعد انتهاء الحرب ولديهما الرغبة في التعايش مع العدو بعد المعاناة الجسيمة التي سببتها الحرب وحتى لا تزيد الفجوات بين البشر.

المرحلة الثانية من الأحداث انقسمت لجزئين الاول محاولات التعايش مع الامر الواقع وقبول العدو، والثاني وهو الاهم في السيناريو إظهار المشاعر الداخلية الدفينة المحطمة لدى الرباعي ليس في علاقاتهم بالعدو بل الصراعات بين الزوجة الإنجليزية وزوجها، علاقة الأب الألماني المتوترة بإبنته.

الأسرة الألمانية كانت المعادل للأسرة الإنجليزية والعكس، كلاهما لديه جروح نفسية عميقة من  الحرب ، كلاهما فقد فرد من أسرته ، كل رب أسرة لديه موقف من شريكته سواء الزوجة أو الإبنة، وتأتي المرحلة الثالثة والأخيرة في الفيلم التي ارتكزت حول التسامح ليس فقط مع العدو لكن أيضا مع أنفسهم ومحاولات معالجة الآثار السلبية للحرب التي أثرت على علاقتهم كلا منهما داخل حدود أسرته , حيث بدأت تلك المرحلة بأحد العناصر المهمة التي كانت مشتركة بين الأسرتين وهي آلة البيانو التي أرادت راتشيل في البداية التخلص منها حتى الوصول إلى أحد أفضل مشاهد الفيلم الذي اجتمع الثنائي راتشيل وفريدا للعزف معا كتمهيد مهم للتقارب والتعايش معا من جديد.

تدرجت الأحداث بشكل تصاعدي ففي البداية سيطرت حالة من الخصومة بين الطرفين وحالة من الكآبة للعلاقة المتوترة داخل طرفي كل أسرة ثم رويدا رويدا ذابت تلك الآثار لتحل محلها مشاعر إنسانية إيجابية ويحسب للمخرج جيمس كينت براعته في رسم تفاصيل وخيوط كل مرحلة ببراعة وسلاسة ، وساعده تمييز الصورة لفرانز لوستيج الذي اعتمد على الإضاءة الخافتة والظلال الكثيفة في المنزل وكانت الإضاءة تزيد مع التصاعد الدرامي، حتى في مشهد تشارك الجانبين مشاهدة فيلم في المنزل لم يظهر سوى ضوء مكنة العرض لكن بعد الانتهاء ظهرت الإضاءة المبهجة المشعة التى عكست الحالة الإنسانية التي بدأت ارهاصتها بين الجانبين ، ومحاولات الرباعي لخلق حياة جديدة يسودها الحب والتفاهم والتعايش السلمي.

برغم أن معظم مشاهد الفيلم كانت في المنزل الألماني الفخم وعدد من المشاهد في أماكن لقاءات العائلات البريطانية الا أنه يحسب للمخرج براعته في المشاهد الخارجية التي نجح باقتدار في إظهار صورة المدينة المدمرة حيث المنازل المنتكسة والشرفات المتكسرة وآثار الدمار المترامية على جنبات الطرق، والشعب الألماني الذى يعيش في مخيمات وخنادق تحت الأرض والصعوبة في التنقل، وأيضا حالات الإضرابات التي يقوم بها الألمان من حين لأخر والمواجهات العنيفة مع جماعة (88) إحدى الجماعات المسلحة التي كانت تؤيد هتلر.

أما الأداء التمثيلي فقد شهد تفوق بريطاني كاسح عكس الممثلين الألمان الذي جاء أدائهما فاترا فقيرا بلا أي تأثيرات ، فقد برز أداء كيرا نايتلي في دور الزوجة المضطربة التي تبدو ظاهريا شخصية صدامية لكنها داخليا محطمة مهشمة لات شعر بالراحة مع زوجها،تجاهد من أجل التعامل مع الآخر الذي يمثل أزمة لها ، فقد تمردت كيرا على دور الفتاة الجميلة الذي سبق وقدمته في (إيفرست) و(لعبة المحاكاة) في 2015  ثم (جمال جانبي) في 2016، ونفس الحال بالنسبة للأسترالي جايسون كلارك فقد كان أدائه الأفضل في الفيلم بشكل عام في دور الضابط البريطاني لويس الهادئ الطيب المتصالح مع عدوه ومع نفسه الا في مسألة لوم زوجته على مقتل الإبن، كلارك الذي يقدم أفضل أداء له منذ فيلمه “رابطة الطين”  Mudbound أحد أفضل الأفلام الأمريكية خلال عام 2017.

Visited 143 times, 1 visit(s) today