إشكالية موضوع المِثليَّة الجنسيَّة في فيلم “أسرار عائليَّة”

يرى فيلم “أسرار عائليَّة” المثليَّة الجنسيَّة كمرض نفسي بدلًا من رؤيتها كتوجّه جنسي، وبالتالي فالفيلم لا يتناول المثليَّة الجنسيَّة، ولكنَّه يناقش – في الأساس- الاضطراب النفسي الناجم عن الاعتداء الجنسي في الصغر، إلى جانب التفكك الأسري الذي يغلب على أسر الطبقة الوسطى المصريَّة.

فيلم “أسرار عائليَّة” – وهو العمل الأول لكاتب السيناريو محمد عبد القادر والإخراج الروائي الأول للمخرج هاني فوزي- يتناول حياة شخص اعتُدِيَ عليه جنسيًّا – مرارًا- في الصغر من قِبَل أخيهِ الأكبر -الذي اعتُدِيَ عليه هو الآخر جنسيًّا حينما كان صغيرًا- فيميل البطل جنسيًّا إلى الذكور ولا يميل إلى الإناث حينما يصل لسن البلوغ، ويُغذي هذا الميل فقدُه لأبيه الذي سافر للعمل بالخارج، وبذلك ربته أمه وأخته الكبرى؛ فأدى هذا النقص في الأبوة إلى بحثه المستمر عن بديل لأبيه يتمثل في رجال يحتوونه عاطفيًّا.

ضجة إعلامية

بالتأكيد يتناول الفيلم موضوعًا شائكًا جدًّا، وهو أول فيلم مصري يتناول المثليَّة بشكل مباشر. ولكن يبدو أن الموضة هذه الأيام هي تناول مواضيع شائكة بغرض صنع ضجة إعلامية (بروباغندا) دون أن يتناول العمل الفني المشكلة باحترافية أو حتى بشبه احترافية. يتحجج صناع فيلم “أسرار عائلية” بأنهم لم يستطيعوا العثور على منتج للفيلم أو ممثلين محترفين يقبلون دور البطل بسبب خوفهم على صورتهم أمام محبيهم من الجمهور إذا ما أدوا دور شخص مثلي، ويتحججون أيضًا بأنَّ الرقابة رفضت الفيلم بسبب فكرته. ولكني أعتبر كل هذه الحجج مجرد (دعاية ترويجية) للفيلم، وأيضًا تبريرًا لمدى سوء الفيلم فنيًّا وفكريًّا.

يضطرب الفيلم اضطرابًا ربما يزيد على اضطراب العائلة التي يتناولها، حيث نجد أنَّه متناقض في مواضع شتى، حتى في الحبكة الأساسية، فنراه يحاول إقناعنا أنَّ مشكلة بطل الفيلم (مروان/ محمد مهران) هي مشكلة نفسيَّة نجمت عن تربيته في كنف عائلة مفكَّكة، وفي نفس الوقت يحاول إقناعنا بأنَّ المشكلة نجمت عن الاعتداء الجنسي عليه وهو صغير – وهي نفس الحيلة التي استخدمت بفيلم “عمارة يعقوبيان” إخراج (مروان حامد)، والتي أثبتت نجاحها من حيث عدم إثارة سخط الجمهور- وفي نفس الوقت يحاول أن يقنعنا بأنَّ المشكلة نجمت من داخله هو نفسه؛ حيث إنَّه مثلي منذ الولادة، وأنَّ المشكلة ليست مشكلته هو، بل مشكلة المجتمع الذي ينظر للمثليين نظرة دونيَّة، فمن المستحيل أن يكون شخص واحد لديه كل هذه الأسباب التي تجعله مضطربًا نفسيًّا وجنسيًّا!

من أسباب هذا التشتت عدد الأطباء النفسيين الذين ظهروا في الفيلم. فالفيلم يكاد يتراوح ما بين مشهد يدور في عيادة نفسية ومشهد يدور خارج العيادات. وكل طبيب من الأطباء الذين عرضهم الفيلم – وهم كثر- كان له رأي مخالف وتحليل مختلف لمشكلة البطل، وهو ما يربك المشاهد ويربك العمل نفسه.

إلا أنَّ سبب التشتت الأساسي هو كاتب السيناريو الذي حاول التخفي خلف مقولة “أنَّ الفيلم مستوحى من أحداث حقيقية”، ليبرر مدى جدب تناوله لمشكلة البطل، حيث يجعله مريضًا نفسيًّا قد تكالبت عليه كل الأمراض النفسية التي يعرفها المؤلف لتقضي عليه وتجعله مثليًّا، واتضح ذلك التناقض في أحد تصريحات الكاتب حينما قال “إنَّ الفيلم مبني على عدة حالات قد وصل إليها”؛ وبالتالي تتضح الصورة لنستنتج أنَّه – أي المؤلف- قد قام بصنع توليفة (كوكتيل) من الشخصيات المثليَّة التي سمع عنها ليصنع منها بطل فيلمه، فيجعله بذلك غير واقعي بالمرة. وهذا بالتأكيد يدل على سذاجة شديدة في خلق وتطوير المؤلف لشخصيته المحورية بالفيلم.

الجوانب الفنية

أما عن الجوانب الفنية في الفيلم، فقد جاء الاخراج ضعيفا الفيلم، وبالتالي لم يحث باقي صُنّاع الفيلم على بذل مجهود أكبر للارتقاء بفنيَّات الفيلم. فنجد أن التصوير فقير والإضاءة فقيرة، وليس للديكور دور سوى شغل الحيز، والمكساج به الكثير من الأخطاء الفنية؛ كظهور واختفاء أغنية لعبد الحليم حافظ – بلا أي منطق- في مشهد السطو على البطل، والمونتاج تقليدي همَّش حتى فكرة الفلاش باك حينما عاد من الفلاش باك عبر جملة يقولها الراوي/ البطل، فلم يدعمها بأي حيلة بصرية أو صوتية أخرى مما يجعل السهو عنها واجبًا. والتمثيل ضعيف من جانب غالبية الممثلين؛ مثل المبالغة الفجة في تمثيل شقيق البطل (سامح/ أحمد عبد الوهاب)، والموسيقى الرومانتيكية الحالمة لم تكن مناسبة أبدًا لمضمون الفيلم.

أدى ما سبق إلى جعل كل من الفريقين – فريق المثليين، وفريق مَنْ يعتبرون المثليين فيروسات بالمجتمع- لا يعجبهم الفيلم ولا يهتمون به أو بمضمونه؛ فيلقى بذلك فشلًا جماهيريًّا ونقديًّا. بل والأسوأ من ذلك أنَّ الفيلم يساعد على توسيع الفجوة بين الفريقين، فيجعل الفريق الناقم على المثليين يراهم كفيروسات لا بد من حماية المجتمع بالتخلص منهم، ويجعل فريق المثليين يتقوقعون أكثر فأكثر داخل الجيتو الخاص بهم، رافضين الاندماج في المجتمع الذي يراهم كشخصيات شاذة لا تنتمى له. وبالتالي فقد فشل الفيلم حتى في تقريب المسافة بين الفريقين.

ربما نستطيع أن نستثني من ذلك الممثلة سلوى محمد علي، التي قامت بدور الأم باحترافية شديدة من خلال أدائها خصوصا مع توفيق مصمم الملابس في تصميم ملابسها والماكياج في طريقة تصفيف شعرها التي كانت تبدو كرماح مدببة قادرة على جرح أقرب الناس إليها؛ وهم أفراد عائلتها، إلا أنَّ بقية الممثلين كانوا يتراوحون بين المبالغة في الأداء وغير الاحترافية.

Visited 119 times, 1 visit(s) today