أنوك إيميه: أيقونة الستينيات الخلابة صاحبة الرغبة الغامضة

Print Friendly, PDF & Email

كانت نجمة فيلمي “الحياة اللذيذة” و”رجل وامرأة”، التي توفيت أخيرا عن عمر يناهز 92 عامًا، تمتلك حضورًا فريدًا على الشاشة، فقد كانت تجمع بين الجاذبية والرهبة في آن.

جمال انوك إيميه البديع، وملامحها الأرستقراطية جعلوا منها أيقونة سينمائية في الستينيات، في فرنسا وإيطاليا، وفي بلدان مختلفة، فقد كانت تتمتع بحضور جذاب ومهيب، وكان لديها ما كانت تمتلكه جوان كراوفورد في صباها، أو مارلين ديتريتش، أو حتى معاصرتها العارضة والممثلة الفرنسية كابوسين.

كانت إيميه تشع بهالة مثيرة وغامضة ممزوجة بحزن راق متحفظ، لم يكن وجهها من النوع الذي يمكن أن يتصنع الدلال أو الانزعاج، بل يتجلى ذلك على الرجال المفتونين بها.

كتب هيروكازو كوريدا ذات مرة، عبارة طريفة مفادها أن جميع الممثلات الفرنسيات العظيمات يحملن ألقابًا عائلية تبدأ بنفس الحروف الأولى لأسمائهن مثلا: دانييل داريو، سيمون سينوريه، بريجيت باردو، وكذلك أنوك إيميه الذي ينطبق عليها تماماً تقليد العلامة التجارية هذا، رغم أنه اسم فني (فهي ولدت باسم نيكول دريفوس) واسمها الفني مستوحى من اسم الشخصة التي لعبتها في أول أدوارها، وعلى نفس الوزن الرنان للكلمة الفرنسية “محبوبة”.

جمال من نوع خاص

قامت أنوك إيميه بدور البطولة في فيلم “لولا”- Lola الموسيقي من دون موسيقى، الذي يحمل نفس الاسم للمخرج چاك ديمي. وهو دور مغنية في ملهى ليلي (مثل الدور الذي لعبته مارلين ديتريش في فيلم الملاك الأزرق) تسحر عقول الرجال في كل مكان، لكن عدم قدرتهم على الوصول إليها يُعد أساس جاذبيتها. أعاد ديمي تجسيد شخصية لولا مرة أخرى على الشاشة في فيلمه «متجر العارضات»- Model Shop في عام 1969، وفيه تعمل الآن في استديو خليع حيث يستطيع الرجال التقاط صور فاضحة للعارضات.

مخرجون آخرون وجدوا فيها نفس الروح الميلودرامية المُلّهمة، التي ربما يحيط بها جو من الغموض، كما في فيلم «مونبارناس 19» عن حياة الرسام موديلياني للمخرج چاك بيكر، وفيه قامت بدور حبيبته وموضوع رسوماته جين هيبوتيرن.

ويظل المخرج الوحيد الذي وضعها في أفلامه تحت عيون الجمهور على نحو غير معتاد هو فيديريكو فيلليني، فهي لم تكن على شاكلة بطلاته، لكنها تركت انطباعا قويا في الأدوار الصغيرة التي قامت بها في روائعه الأولى مثل «الحياة اللذيذة» La dolc vita  (1960)، وفيلم «ثمانية ونصف»-  ½8 عام (1963)، وفي فيلم “الحياة اللذيذة” قامت بدور مادلينا (في إشارة مستترة للمرأة الخاطئة في الكتاب المقدس) وهي سيدة ثرية رائعة، ينتابها ملل شديد من الحياة العصرية في روما. وبعد أن تلتقي بالصحفي (مارسيللو ماستروياني) في ملهى ليلي، تذهب معه ومع إحدى فتيات الليل (ربما مادلينا الحقيقية) إلى شقتها الفوضوية لتعيش معهما علاقة ثلاثية منحلة.

الرقي الطبيعي الذي تتمتع به إيميه جعلها ملائمة وطبيعية في هذا الدور، ويمكن القول إن حسّها وحُسنها الانعزالي قد يكونا وراء الإحساس بالملل العصري في السينما الإيطالية الذي طوره فيما بعد المخرج مايكل انجلو انطونيوني.

مع مارشيللو ماستروياني في “ثمانية ونصف”

قام فيلليني بخطوة وجلة عندما أسند لإيميه دور زوجة المخرج المُعذبة في فيلم “ثمانية ونصف”، وجعلها ترتدي نظارات غير جذابة، وكانت أكثر تطلبًا وانتقادًا وبعيدة عن الحسية الأمومية التي تكررت في رؤيته عن النساء المثاليات، لكن إيميه أبدعت في تجسيدها للدور.

 حققت إيميه النجاح العالمي في دورها الرومانسي مع المخرج كلود ليلوش أمام البطل القوي والمشاكس جان لوي ترينتينيان في الفيلم الذي حقق نجاحا كبيرا في شباك التذاكر “رجل وامرأة” A man & a woman عام 1966، حيث رشحت عنه لجوائز البافتا والجولدن جلوب والأوسكار، وهو يروي قصة حب يمتزج حلوها بمرها، وتتكشف أحداثها على خلفية من التحديات والمخاطرات الرجولية الجريئة.

ويقوم كل من إيميه وترينتينيان بدوري أرملة وأرمل يلتقيان لأن طفليهما يدرسان في نفس المدرسة. زوجها الراحل كان يعمل كرجل مخاطر في الأفلام (دوبلير) ولكنه قتل أثناء تأدية أحد المشاهد الخطرة، أما ترينتينيان فهو سائق سباق سيارات، يخاطر بحياته في كل مرة يخرج فيها لمضمار السباق. يخيم الموت بظلاله على الأحداث، مما يجعل العلاقة الجنسية بينهما أكثر إثارة وكثافة، فهذا فيلم فرنسي جدا في افتقاره للعاطفة على عكس قصص الحب الهوليودية.

مع كلود ليلوش في آخر ظهور لها في فيلمه “أفضل ايام الحياة”

تعود إيميه وترينتينيان لتجسيد مجددا في جزئين أخرين فاترين من نفس الفيلم- يحمل الفيلم الثالث منها عنوان “أفضل أيام الحياة”-The Best Years of a Life  ويعتبر آخر ظهور لها على الشاشة- رغم أن علاقتهما كانت أكثر إثارة واإقناعا في أول أفلام هذه الثلاثية.

في فيلم “چوستين”- Justine  للمخرج جورج كيوكور، قامت إيمى بأداء يلمح إلى ديانتها اليهودية (غيرت ملّتها في وقت غير محدد بالضبط) وفيه يقوم مايكل يورك بدور مدرس بريطاني شاب ساذج في الإسكندرية في الثلاثينيات من القرن العشرين، والفيلم مقتبس عن رواية لورانس داريل “چوستين”، وهو يشبه على نحو غريب فيلم “كباريه”- Cabaret، وتلعب إيميه دور سالي باولز، وهي امرأة جميلة وساحرة تتورط في مؤامرة ضد الانتداب البريطاني في فلسطين.

هنالك في الواقع أمر يدعو للغرابة لتكراره في الطريقة التي تعاملت بها الأفلام مع أنوك إيميه:
لقد قامت مثلا، في أوائل أعمالها وهو فيلم المخرج رونالد نيوم “السل
امندر الذهبي”- Golden Salamander في عام 1950 بدور الشقيقة الجذابة لتاجر أسلحة في زمن الحرب في شمال افريقيا، ويقع تريفور هوارد في غرامها.

وعند المخرج برناردو برتولوتشي كانت إيميه مرة أخرى الزوجة في فيلمه “مأساة رجل سخيف”- Tragedy of a Ridiculous Man عام 1981 مع أوجو تونيازي الذي يلعب دور مالك البان ثري من أصول متواضعة، يطالبه خاطفو ابنه بدفع فدية، وهو متزوج من امرأة فرنسية من أصول نبيلة، تلعب دورها إيميه بالطبع، ويساهم تفوقها الاجتماعي عليه في إضفاء الجو العبثي التراجيدي في الفيلم.

بعد عقد أو أكثر وجدت إيميه نفسها قد ارتقت الى نوع آخر من الأدوار الفرنسية، في فيلم “جاهز للارتداء” لروبرت التمان لعبت دورا ضمنه لها جمالها وملامحها الأرستقراطية، وهو دور عشيقة رئيس مجلس إدارة دار أزياء يقوم بدوره جون بيير كاسيل، وتتمتع بوضع اجتماعي يكاد يكون على قدم المساواة مع زوجة أوليفييه الذي يفارق الحياة بشكل هزلي، مختنقا أثناء تناوله شطيرة في بداية الفيلم.

إيميه تحمل الدب الذهبي الذي حصلت عليه عن مجمل أعمالها في مهرجان برلين عام 2003

وربما كان أكثر أدوارها تميزًا وتأثيرًا ذلك الذي قامت به في الفيلم القصير  “الستار القرمزي” – The Crimson Curtain عام 1953 للمخرج المؤلف الفرنسي الكسندر استروك – الذي اشتهر برؤيته أن كاميرا صانع الفيلم هي بمثابة القلم لدى المؤلف- عن قصة كتبها جول باربي دورفيلي تدور حول ضابط شاب متعجرف يشعر بالملل أثناء الحروب النابليونية، ويستأجر غرفة من زوجين محليين في بلدة مملة، يسحره جمال ورقة ابنتهما ألبيرتين التي تلعب دورها إيميه، والتي تدهشه عندما تمسك بيديه تحت طاولة العشاء، لكنها تموت بعد أن يمارسا الحب.

كان الغموض والحسية والوهن الذي تتسم به شخصية إيميه على الشاشة نابع من الجوهر، ومن الوحدة المرافقة للجمال قبل أي شيء.

Visited 7 times, 1 visit(s) today