أفلام مهرجان تطوان تواجه الأزمات المعاصرة في شمال المتوسط وجنوبه
تضم قائمة الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان تطوان لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط، 12 فيلما روائيا، لخوض سباق المسافات الطويلة نحو الظفر بجائزة “تمودة الذهبية” وباقي جوائز المهرجان الذي يقام في الفترة من 24 إلى 31 مارس الجاري في أقصى شمال المغرب. واقتصرت قائمة الأفلام الوثائقية على 8 أفلام، أغلبها توثق للتراجيديات العربية المعاصرة.
أزمات وأزمات
تعود المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر إلى تطوان للمشاركة بفيلمها الروائي الثالث “واجب”، الذي عرض، مؤخرا، في مهرجانات لندن ومونبلييه ودبي والقاهرة ويصور مفارقات عرب 48، وصراع الأجيال ممثلا في العلاقة بين الابن وأبيه “أبو شادي”، العائد من روما صوب فلسطين. أما الفيلم الإسباني “لا أعرف كيف أقول وداعا”، لمخرجه لينو إسكاليرا، فقد اختار مقاربة الأزمة التي أحدقت بإسبانيا منذ عقد من الزمن، وكيف انعكست على أسرة يواجه فيها الأب مرضا دونه الموت. وكان الفيلم الإسباني قد عرض في مختلف المهرجانات المتوسطية والآسيوية. ويروي فيلم “أم مخيفة” للمخرجة الجورجية آنا أوروشادز أزمات المرأة وطموحاتها التي ستصطدم بالمجتمع لما قررت الإفصاح عن موهبتها، وكتابة الرواية، فوجدت نفسها مجبرة على التضحية بكل شيء. والأمر نفسه مع “صلاة جنائزية للسيدة”، للمخرج الصربي بوجان فولوتيك، الذي صور معاناة المرأة الصربية داخل الأسرة والمجتمع، حتى وصل الأمر ببطلة الفيلم إلى درجة التفكير في الانتحار. لكن السيدة “ج” سوف تكتشف كيف أن الموت في صربيا المعاصرة أصعب بكثير من الحياة نفسها.
وعلى مرايا الفيلم اللبناني “غذاء العيد” للوسيان بورجيلي، انعكست الصراعات التي تمزق المجتمع اللبناني على عائلة السيدة “جوزيفين”، رغم كونها استطاعت لم شمل العائلة في على مائدة “عيد الفصح”.
ومن جملة قضايا الأسرة، اختارت المخرجة اليونانية دورا ماسكالافانو قضية التبني وتداعياتها على الفرد في فيلمها “بوليكسني”. فقد تبنت أسرة أرستقراطية ابنة رضعية، ومنحتها كل شيء، بما في ذلك اسمها العائلي. سوى أن المجتمع اليوناني سيرفض الاعتراف بها، ليصل بها الأمر حد الجنون. وإذا كانت الأسرة اليونانية قد تبنت طفلة، فإن الأسرة الرومانية في فيلم “أصوات” لقسطنطين بوسيكو قد فقدت ابنتها، التي اختطفت منها، لتتحول حياة الأسرة إلى تراجيديا يومية، في سبيل البحث عن الابنة المفقودة، وهو الفيلم الذي تابعنا عرضه الأول في مهرجان لوكارنو، في دورته الأخيرة.
ولا يختلف الوضع مع سالم وحليمة في الفيلم التونسي “بنزين” لسارة عبيدي، وهما يبحثان عن ابنهما الذي خاض مغامرة الهجرة السرية نحو إيطاليا، بعد أيام على ثورة 14 يناير 2011، غير أنهما لم يعثرا له على أثر. أما الفيلم الفرنسي الجزائري “السعداء” فتجري وقائعه في الجزائر العاصمة. غير أن لكل جزائره. فلسمير مدينته كما عاشها، ولزوجته أمال عاصمتها الخاصة بها، وفق ذكرياتها ومراتع طفولتها وشبابها. غير أنهما ما كانا يأملان في أن تؤول الجزائر إلى ما هي عليه اليوم. وكان الفيلم قد عرض في مهرجان مونبلييه لأول مرة، قبل أن يصل اليوم إلى تطوان.
وفي الفيلم الإيطالي “فيلينو” للمخرج دييغو أوليفاريس، يناضل كوسيمو وروزاريا من أجل الحفاظ على مزرعتهما، وعلى ماشيتهما، وحمايتها من التلوث، بسبب النفايات السامة التي تستغلها إحدى المنظمات التي تريد الاستيلاء على أرضهما. فيلم يؤكد مرة أخرى أن الصراع حول الأرض هو دائما ما يكون صراعا من أجل الحياة على ضفاف المتوسط.
وفي فيلم “زهرة الصبار”، اختارت المخرجة المصرية هالة القوصي الانطلاق من معاناة فنانة، لتحكي لنا معاناة مصر بكاملها مع الفقر والعزلة والتهميش، إلى جانب قسوة التعصب الفكري على الأفراد والمجتمع أيضا. أما الفيلم المغربي “صرخة الروح”، لعبد الإله الجوهري، فيحكي مفارقة إدريس، الذي درس الفلسفة في جامعة الرابط، قبل أن يلتحق بسلك الشرطة، في زمن السبعينيات. غير أن مقتل فتاة مجهولة الهوية في ظروف مجهولة سوف يقوه هو الآخر نحو المجهول.
ريبوريتاج عربي
تقدم الأزمات المعاصرة في العالم العربي ريبورتاجا عربيا تراجيديا، تجري وقائعه الدامية على شاشة جنوب المتوسط، أمام أنظار العالم. وهو ما بات يغري الكثير من السينمائيين لإنجاز أفلام تسجيلية عن الراهن العربي. وتسجل هذه الأفلام حضورها بقوة في مهرجان تطوان. وفي مقدمتها الفيلم السوري اللبناني “مظلم”، الذي يصور اندثار الذاكرة السورية الجماعية وانهيارها أمام عيني طفل صغير، يهرب من الفجيعة الكبرى، ليلوذ ويحتمي بصمت رهيب.
وفي الفيلم اللبناني السوري “194 نحنا ولاد المخيم”، يصور لنا المخرج سامر سلامة قصة التحاقه بجيش التحرير الفلسطيني في سوريا، قبل شهر من اندلاع الثورة، مع تصاعد عنف وهجمات جيش النظام السوري على مخيم اليرموك، حيث يحاول المخرج ورفاقه أن يوثقوا ما عاشوه من آمال وصراعات وخسارات ورحيل. والأمر نفسه مع المخرج الفلسطيني رائد أنضوني، الذي يحاول، من خلال فيلم “اصطياد أشباح، إعادة ترميم ذاكرته، سينمائيا، وهو يتذكر تجربة اعتقاله في مركز التحقيق “المسكوبية” التابع للمخابرات الإسرائيلية، عندما كان عمره 18 عاما.
وعن فلسطين، دائما، يحكي فيلم “صيف طويل حارق في فلسطين”، لمخرجه الفرنسي من أصل فلسطيني نورما ماركوس، حكاية حرب غزة في صيف 2014، انطلاقا من آثارها على الضفة الغربية. وإلى جانب هذه الأفلام، يعرض الفيلم الإسباني “طرد مشبوه” قضايا الهجرة السرية، باعتبارها من أزمات المتوسط، التي تقع على الحدود مع الضفة الأخرى. أما بطل فيلم “”أرمونيا وفرانكو وجدي” للمخرج الفرنسي لادجوانط كسافيي، فيحاول العودة إلى جذوره الإسبانية، وتتبع كيف وصل جده إلى فرنسا، وما هي أسباب وخلفيات ومسالك هذه الرحلة.
واختار فيلم “بيت في الحقول” للمخرجة المغربية طالا حديد الحديث عن آلام شعب من شعوب المتوسط الأصيلة، متمثلا في مجتمع الأمازيغ، وكيف يقاوم من أجل الحياة في أقاصي جبال الأطلس المعزولة والنائية، وكيف تتعرض النساء، بشكل خاص، لقسوة الحياة في هذه الجغرافيات المنسية.
خارج المسابقة
خارج المسابقة الرسمية، وضمن فقرة “عروض خاصة”، اختار المهرجان مجموعة من الأفلام التي أنتجت سنة 2017، وفي مقدمتها فيلم “على كف عفريت”، للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، وفيلم “دروزينكا” للمخرج السلوفيني جان سيتكوفيتش، وفيلم “فورتوناتا” للمخرج الإيطالي سيرجيو كاستييتو، وفيلم “بورناوت” للمخرج المغربي نور الدين لخماري، وفيلم “جريمة الملائكة” للمخرجة الفرنسية بانيا مدجار.
كما يقدم المهرجان فقرة خاصة لجمهور الشباب، وهي فقرة “استعادة: من ضفة متوسطية إلى أخرى”، تعرض فيها خمسة أفلام، بشراكة مع المعهد الفرنسي بتطوان، بدءا بفيلم “محطة عبور” للسويسري لكافين بختياري، فيلم “كورنيش كيندي” للمخرج الفرنسي دومينيك كابريرا، و”شعار” للمخرج الفرنسي رشيد جيداني، وصولا إلى الفيلم المثير “خمس كاميرات محطمة”، للمخرج الفلسطيني عماد برنات والمخرج الفرنسي غوي دافيدي. وبشراكة مع المعرض الفرنسي ومؤسسة “بولوري لوجستيك- ميناء طنجة المتوسط”، يعرض المهرجان ستة أفلام لفائدة الأطفال، تقدم طوال أيام المهرجان، الذي يراهن هذه السنة على جمهوري أكبر، في مختلف قاعات السينما بتطوان وفي فضاءات أخرى داخل المدينة المتوسطية وخارجها.