أضواء على تجربة المخرج الأمريكي الأسود سبايك لى
ترجمة : ممدوح شلبى
إذا راجعنا جميع المصادر السينمائية، سنجد أن صناع السينما من الأمريكيين الأفارقة (السود) تواجدوا بشكل دائم منذ العمل الطليعى لأوسكار ميتشو فى عشرينيات القرن العشرين، الا أن أحدا لم يكن له ذلك التأثير الثقافى والفنى الذى حققه سبايك لى Spike Lee، سواء كمؤلف او كمخرج أو ممثل او منتج أو ناشر أو ناشط، فقد قام سبايك لى بتثوير الدور الذى يقوم به السود فى هوليوود، ممزقا عقودا من الكلاشيهات والصور النمطية عن السود ليؤسس لحنا جديدا يصدح به الأمريكيون الأفارقة.
إن أفلامه – وهى سلسلة من الاحتجاجات السياسية الاجتماعية عالية النبرة والمتحدية – يتم تقديمها بالتزام موضوعى فى تحدٍ للتصورات الثقافية، ليس فقط فيما يتعلق بالعنصرية ولكن أيضا الاشكالية الطبقية واشكالية التفرقة بين الرجل والمرأة. إن افلامه تقوم بتثبيت وجوده كشخصية سينمائية معاصرة واسعة التأثير، كما أنها تقدم جيلا جديدا من الممثلين، من بينهم دينزل واشنطون وويسلى سنيبرز وسامول ال جاكسون وانجيلا باسط ولورانس فيشبارن.
وعلى طول مشواره الفني، مهد سبايك لى الطريق لمزيد من صانعى الافلام السود مثل جون سينجلتون وماتى ريتش ودارنيت مارتن وارنست ديكرسون ( الذى عمل مديرا للتصوير فى أحد افلام سبايك لى) وألبرت هيوز و آلن هيوز.
من الرياضة إلى السينما
اسمه الحقيقى شيلتون جاكسون لى، من مواليد اتلانتا، فى 20 مارس سنة 1957، وقد نشأ فى حي بروكلين بنيويورك.
وهو ابن لأحد عازفي موسيقى الجاز وهو بيل لى، وأول شغف لسبايك لى كان شغفه بالرياضة، فقد كان مشجعا متحمسا لنادى نيكس لكرة السلة بمدينة نيويورك، وكان يخطط لأن يصبح لاعبا محترفا لهذه اللعبة.
لكنه واثناء حضوره احتفالية كلية مورهاوس فى اطلانتا، بدأ شغفه بالسينما يسيطر عليه. واثناء حصوله على الدرجة الجامعية فى تكنولوجيا الاتصالات، عاد الى نيويورك، ليقدم أول أفلامه وهو فيلم “الصخب الاخير فى بروكلين” فى عام 1977. ويصور هذا الفيلم مجتمع السود الذى يختلط به اناس بورتريكو، اثناء ذروة ماجنة فى احد حفلات الديسكو، وتم تصويره بشرائط فيلم مقاس سوبر 8 مم وهو مقاس افلام كان مخصصا للهواة.
وبمجرد تخرجه من كلية مورهاوس، التحق بمدرسة تيس الجامعية للفنون، لينال درجة ماجستير في الفنون الجميلة فى تخصص الانتاج السينمائى.
كان اول افلامه فى عام 1982 وهو يحمل عنوانJoe’s Bed-Stuy Barbershop: We Cut Heads
ويمكن ترجمة هذا العنوان بـ “صالون حلاقة جو، نحن نقطع الرؤوس” وكان أول فيلم يُخرجه طالب ويتم عرضه فى أهم مركز سينمائى فى أمريكا والعالم وهو مركز لينكولن ضمن سلسلة (مخرجون جدد وافلام جديدة) كما حصل هذا الفيلم على جائزة الطالب من أكاديمية فنون وعلوم السينما.
شجعه نجاح هذا الفيلم على أن يسجل نفسه كمخرج لدى وكالة وليام موريس، ولكن عندما فشل في الحصول على عروض للعمل، بدأ يبحث عن وسائل بديلة لتمويل الانتاج السينمائى المستقل. وبعد سلسلة من الاخفاقات استطاع ان يؤمن مبلغ 125 الفا من الدولارات لانتاج فيلم جنسي نموذجي بعنوان “انها ستحصل عليه” فاز بجائزة العمل الاول من مهرجان كان السينمائى، وربح منه ما يقارب التسعة ملايين دولار من شباك التذاكر.
وعلى الفور بدأت شركات هوليوود تتصل به، وفى عام 1988 عرض فيلمه المثير للجدل “حيرة مدرسية”، ولكن فيلمه الثالث “افعل الصواب” فى عام 1989 هو الذى وضعه على قائمة أهم مخرجى السينما الامريكيين. انه فيلم ذو رؤية عميقة وغير مسبوقة تتركز حول التوتر العرقى العنصرى. وكان هذا الفيلم واحدا من اكثر أفلام ذلك العام اثارة للجدل وحظى بكتابات نقدية كثيرة مما رشحه لاوسكار احسن سيناريو (وعلى الرغم من عدم ترشيحه لجائزة أحسن فيلم، فان كثيرا من الجدل دار حول هذا الامر).
كان عالم الجاز هو موضوع فيلمه لعام 1990 والذى حمل عنوان “افضل معزوفات البلوز لمو” الذى استقبلته الصحافة بترحاب، وكذلك فيلمه الذى قدمه فى العام التالى “حمى الادغال”، وللمرة الثانية فان سبايك لى كان محورا لجدل مثار يتمحور حول موضوع الفيلم المبنى على قصة رومانسية على خلفية الصراع العنصرى بين البيض والسود في امريكا، وبمجرد انتهائه من هذا الفيلم ، شرع فى العمل فى مشروعه السينمائى الذى ظل يحلم به كثيرا، وهو فيلم “مالكولم إكس” فى عام 1992.
مالكولم إكس
وقد تم تصوير هذا الفيلم فى مواقع عدة حول العالم من بينها مكة المكرمة. ان هذا الفيلم سيرة حياه مدته ثلاثة ساعات يدور حول اغتيال زعيم الحقوق المدنية مالكولم إكس، وقد تم عرض الفيلم على الشاشات الامريكية بعد حذف نحو نصف ساعه ليتوافق مع متطلبات صالات العرض وشركة وارنر الموزعة للفيلم.
بعد ذلك قدم سبيك لى فيلم “كروكلين” وهو كوميديا لاذعة استلهمها سبايك لى من تجربة حياته الشخصية فى بروكلين فى نهاية السبعينات، وكان سيناريو الفيلم من تأليفه بمشاركه شقيقتيه جووى وسينكى.
وفى عام 1995 قدم فيلم “أصحاب مهنة الساعات” وهو من افلام الجريمة، وتم تقديمه برؤية انسانية عميقة. وهذا الفيلم يعتمد على رواية للمؤلف ريتشارد برايس. وفى عام 1996 قدم سبايك لى فيلمين روائيين مختلفين جدا:الأول هو “فتاه الجنس“وهو يدورعن ممثلة شابة تُجبر على العمل كفتاه اثارة جنسية عبر الاتصالات التليفونية. اما الفيلم الثانى فهو “اركب الاتوبيس“وهو احياء لذكرى المسيرة المليونية التاريخية فى مئويتها الاولى.
إلا أن فيلمه عن لاعب البيسبول الشهير جاكى روبنسون الذى ظل سبايك لى يخطط له مدة طويلة قد تم اهماله والتخلى عنه، ففى عام 1997 قدم فيلما تسجيليا بعنوان “اربع بنات صغيرات ) وهو يتناول التفجير المتعمد العنصرى الذى حدث فى كنيسة “برمنجهام . أ . ل” عام 1963 والذى راح ضحيته اربع فتيات.
من كسب اللعبة
وبعد أن وقع سبايك لى عقدا احتكاريا مع شركة كولومبيا، شرع فى تصوير فيلم “لقد كسب اللعبة” وهو دراسة عن سياسة مدرسة عليا لكرة السلة، وقام دينزل واشنطون – الذى صاحب سبايك لى فى معظم افلامه- ببطولة هذا الفيلم.
وقد حظى هذا الفيلم بكتابات نقدية كثيرة، ساهمت فى تقديم سبايك لى الذى اثار الجدل مجددا بفيلمه التالى والذى يحمل عنوان “صيف سام” وتم تصويره فى بروكلين اثناء الصيف الحار الطويل لعام 1977، عندما قام السفاح ديفيد بركويتز – ابن سام – بارهاب المدينة. ويتناول الفيلم هذه الجرائم من خلال عيون سكان المنطقة الكثيرين. وقام بالادوار الرئيسية ادريان برودى وجنيفر ايسبوسيتو وميرا سورفينو وجون ليجويزامو. وقد اثار الفيلم ردود فعل مختلفة، بعضها تشيد بالفيلم وبعضها الآخر ترفضه، وهى من الأمور التى أصبحت شائعة فى كتابات النقاد عن أفلام سبايك لى.
المشروع التالى للمخرج كان فيلم “بامبوزلد” فى عام 2000، الذى أثار نفس ردود الفعل المتخبطة، حيث يقدم رؤية نقدية شديدة العنف لصورة الزنوج فى ثقافة الأمريكيين التى يسيطر عليها البيض. وقد حظى هذا الفيلم بعديد من الكتابات النقدية بصفته فيلما غير مسبوق ويختلف عما اعتادت عليه السينما، كذلك كان شهادة جديدة لقيمة سبايك لى كواحد من أعظم صانعى الافلام ذو الرؤية المركبة المتعمقة والمثيرة للجدل والذين ظهروا فى العشرين سنه الماضية.
أربعة مشروعات
وفى الأعوام التالية تناول سبايك لى أربعة مشروعات هى “قصة هيوى بى نيوتن، “تعالى فى المطر أو تعالى فى الجو الصحو” والثانى “جيم براون: جميع الامريكيين” قطعة من عشر دقائق “لأقدم عشر دقائق الترومبيت” قبل أن يعود مرة ثانية الى الافلام الروائية بفيلمه “الخمس وعشرين ساعة”، إنه فيلم استثنائي لسبايك لى تخلى فيه عن أطروحته المعتادة فى القضايا العرقية فى اعداده رواية ديفيد بينوف المشهورة للسينما. واظهر هذا الفيلم مقدار تأثير سبايك لى على الرغم من ان هذا الفيلم لم يحقق سبقا فى شباك التذاكر، وبعدها وقف سبايك لى خلف الكاميرا ليُخرج فيلم “مدينة العبيط الحرة” فى عام 2004 وعاد فى عام 2004 أيضا الى الدراما الكوميدية فى فيلم “إنها تكرهنى”.
وبالإضافة الى عمله الرئيسى كمخرج سينمائي، فقد ألف عددا من الكتب عن صناعة الافلام مثل كتابه فى عام 1997 “أحسن مقعد فى الدار: ذاكرة كرة السلة” الذى يوثق ولعه الشخصى بفريق نيكس لكرة السلة.
ولكى يدعم سبايك لى عمله فى الاخراج السينمائي فقد اضطر الى التحول الى مصادر اخرى لتحقيق دخل مادي.
وبالإضافة الى ذلك، فانه أخرج عددا من الإعلانات، كان أشهرها سلسلة (نيك) التى ظهر فيها بنفسه، كما ظهر بجوار مايكل جوردان لاعب كرة السلة الشهير، كذلك فقد أنتج فيديوهات موسيقية لستيف واندر ومايلز ديفيز وبرنس، كما أسس شركة المعهد السينمائى 40 Acres and Mule فى حرم جامعة لونج ايلاند ببروكلين لكى يساعد صناع الافلام الموهوبين.
مصدر المقالة :