أزمة السينما بين إشتراكية حسن الإمام و”همبكة” رشدى أباظة!

منذ مولد السينما المصرية، ومنذ عرفنا الأفلام الروائية الطويلة، ونحن نسمع ونتحدث عن مصطلح “الأزمة” حتى أصبحت السينما المصرية والأزمة كلمتين متلازمتين كالعسل الأسود والطحينة البيضاء، أو كالجبنة والحلاوة، وكأن استدعاء أحدهما يستدعى بالضرورة الطرف الآخر.


كنت أقوم بترتيب بعض الكتب فى مكتبتى، فعثرت على كتاب ضخم أصدرته وزارة الثقافة المصرية فى عام 1967عن دار الكاتب العربى. يحمل الكتاب الذى تقترب صفحاته من 400 صفحة عنواناً هو ( 4 مؤتمرات)، ويتضمن النصوص الكاملة لحوارات الدكتور ثروت عكاشة، وزير الثقافة وقتها، مع المبدعين فى أربعة مجالات هى: السينما والمسرح والكتاب والفن التشكيلى، ومن خلال مؤتمرات متتالية أراد  عكاشة عن طريقها التعرف على المشكلات لوضع سياسات واتخاذ قرارات لحلها.

المؤتمر الأول مع السينمائيين كان لمدة يومين فى أكتوبر عام 1966، وحضره مبدعون ومنتجون ومسؤلون استمع إليهم وزير الثقافة السابق وناقش أفكارهم.. وهناك 115 صفحة ممتعة من الكتاب مخصصة لمحضر حوارات عكاشة مع السينمائيين كنت أتمنى أن أنقلها كاملة لدلالتها على العصر وعلى آراء أصحابها وعلى تطور فكرة أزمة السينما مع ظهور القطاع العام السينمائى، ولكن مالا يدرك كله لا يُترك كله.

سأختار هنا بعض الآراء لشخصيات مختلفة أثارت ضجة فى وقتها لأنها قيلت بعفوية وتلقائية وصراحة، وأفضّل أن أترك لكم حرية التأمل والتعليق.

المهم أن ثروت عكاشة قال حرفياً بعد نهاية المؤتمر: “الظاهرة الغريبة التى لاحظتُها اليوم وأمس أن هناك سوء إدارة فعلاً، والفرص غير متكافئة فعلاً، ويجب أن نولى هذا الموضوع أهمية و نُنْصف كل الناس بمعدّل. لا أقول هذا الكلام كشعار، ولكن أستعجب لماذا لا يكون هناك تنظيم فيه شئ من العدالة بحيث نرضى أكبر قدر منا سواء عمال أو فنيين .. ليس من الضرورى أن تستحوذ طائفة معينة على كل شئ ويجوع الباقين.إن هذا غير معقول فى مجتمعنا الذى يُبنى على عدم استغلال الإنسان للإنسان”.

وقال أيضا : ” لن أعمل المعجزات ولكن سأعمل ما فى وسعى لتحقيق الأهداف السليمة الصحيحة النقية التى تكلمنا عنها أمس واليوم “.

والآن أعرض بعض الآراء التى طرحت منسوبة الى أصحابها بدون تغيير بالحذف أو الإضافة.



المخرج فطين عبد الوهاب
“هو لما سيادتكم قلتوا عن الأزمة المالية يافندم الموجود فيها المؤسسة حالياً أعتقد أن سببها الرئيسى إن السينما المصرية من يوم ما بدأت اعتمدت على 60% إيرادات من الخارج، 40% من الداخل – الـ60% من الخارج دول محددين للبلاد التى تتكلم العربية..السوق ده دلوقتى لخلافات سياسية بينا وبين هذه البلاد أو معظمها مقفول تقريباً، ولذلك قلّت الإيرادات فى الوقت الذى زادت فيه التكاليف، فيه رأى بيقول نخفّض التكاليف عشان نوازن بين المصاريف والإيراد. هذا الرأى سلبى ونتيجته حتكون إننا نعمل أفلام رديئة – أقصد أردأ من الأفلام اللى احنا نصبوإليها – فيه رأى ثانى بيقول إننا نخرج من هذا السوق لأن حل المشاكل السياسية دى قد يأخذ وقت طويل جدا، فعشان نخرج للسوق العالمية، يجب إننا نعمل أفلام على مستوى عالى جدا، وفى الوقت نفسه النجوم بتوعنا يكونوا معروفين فى الخارج، وده بييجى فى دور الإنتاج المشترك، الإنتاج المشترك لو يجيبوا مثلا بطلته مصرية وبطله أمريكى، فيلم مثلا بطلته إيطالية وبطله رشدى أباظة يتكلم طليانى ييجى ويمشى، آجى أنا أعمل فيلم لرشدى مثلاً، وأعمل فيلم بخمسين ألف جنيه فقط، فهل أقدر أسوّق فى الخارج؟ لازم نبحث عن سوق جديد، وحتى البلاد الصديقة لها ظروف برضه تمنعها إنها تشترى الأفلام بتاعتنا.السبب لهذا إن إحنا فى المرحلة اللى يجب فيها على القطاع العام بالذات إنه يعمل أفلام اشتراكية وأفلام سياسية، هذه الأفلام نعلم مقدماً إنها مش حيشتروها، يعنى مثلا فيلم ثورة اليمن مرضيوش يشتروه، ذنب الشركة المنتجة إيه؟ هية لازم تنتج بالطبع..أقصد إنها ستخسر 70ألف جنيه فى خبطة واحدة، وأنا أقترح إن الإتحاد الإشتراكى ينتج هذه الأفلام على مستوى عالى جداً، وتتلاءم مع قيمة المواضيع اللى إحنا محتاجينها للتوعية، الفيلم الثانى مكتوب كويس وموضوع كويس حتى لو كان فيلم استعراضى، فيه أفلام فيها رقص وغناء، هذه الأفلام تخدم الناحية الإشتراكية، حيعمل الفيلم الشرقى يضحك يرقص ليرد على الدعاية اللى بيقولها الإستعمار إن احنا عايشين فى كآبة وفى حرمان وغيره وشكراً ” .


الأستاذ كمال الشناوى:
“كلمتين باختصار بالنسبة لدور القطاع الخاص، قبل أن يُنشأ القطاع العام، القطاع الخاص كان بيعمل حوالى 60فيلم فى السنة، هل بيستوعب جميع العاملين من فنانين أو عاملين فى التصنيع السينمائى، ما كانشى فيه يمكن مستويات كبيرة لكن القلة كانت جيدة ولحد ما قطعاً أفلام تُعرض فى مهرجانات، تسوق تسويق خارجى، وكانت بتجيب معاها عُملة صعبة فى خزانة الدولة، دلوقتى عشان نخلّى القطاع العام يعمل، ويعمل أفلام جيدة، الأفلام طبعا حتكون جيدة ومش بالعدد الكبير اللى يمكن القطاع العام يقوم بيه، يعنى نقدر نقول نحدد القطاع العام يعمل 20فيلم فى السنة، طيب المفروض إن احنا فى بلد إشتراكية فيه جميع العاملين بالسينما الدولة توجد لهم العمل، ففيه إقتراح لتنشيط القطاع الخاص، القطاع الخاص ممكن يكون تحت إشراف الدولة من ناحية القصة والإخراج والتصدير، وفى هذه الحالة نكون فى تعاون مع القطاع العام بمساعدة القطاع الخاص، دى تتأتى بحاجات كتير جداً.النظر فى الإمكانيات اللى هية موجودة فى السينما زى الإسديوهات..الأجور عالية فيجب نشوف ليه الأجور عالية، ليه الفيلم الخام غالى، ليه دور العرض لا تحاول إنها تعمل نسبة خاصة للقطاع العام عشان يقدر يسهم مع الدولة فى اتجاهاتها، ولكن كمان للقطاع الخاص إمكانياته، فى الأول كان بياخد الأستديو والبلاتوه، ويمضى على كمبيالات، وكان كل واحد يقدر يدفع إلتزاماته كان بياخد ومكناش بنشتكى شكاوى كثيرة لكن كانت العملية ماشية، فلو فكّرنا فى مساعدة القطاع الخاص عشان يمشى دوره، أعتقد إن ده حل عشان ميكونشى فيه بطالة وشكراً”.


المخرج حسن الإمام:
“إننى أحتج على ما ذكره السيد/السيد صلاح تهامى بأنه لا يوجد وعى اشتراكى بين السينمائيين، لأن بعضهم أو معظمهم قد تمكن من الحصول على أكثر من عشرة آلاف جنيه، ويؤسفنى كثيرا جدا أن أقرر أمام السيد الوزير الحقيقة المؤلمة بأن هناك بعض السينمائين الكبار لا يجدون عملاً منذ أكثر من عام نتيجة لسوء تنظيم الإدارة، ولم تمد الدولة لهم يداً بمساعدة مما اضطر هؤلاء أن يبيعوا أثاث منازلهم وحاجياتهم فى المجتمع الإشتراكى الذى يعيشون فيه، فى حين أن السينمائى المصرى أول من نادى بتطهير أرضنا الخضراء من الإقطاع، وأول من نادى بالجمعيات التعاونية ، وحث على ضرورة وجود التعاون فى فيلم الخرساء …إلخ ، وأود أن أقول بأننا جميعا جمال عبد الناصر، وكلنا ثروت عكاشة لأنه فنان، وإننى أخاطب فناناً، ولا أود أن ألقبه بالسيد النائب، وإنما أقول له زميلى وأخى ثروت عكاشة لأننا نعيش فى مجتمع اشتراكى، والحل الوحيد إننا ننتشر، ولا داعى للتضخم الموجود فعلا بين المخرجين و السينمائيين، وإذا كان لدينا 250مخرجا فكيف تشغلهم الدولة ؟ إن هذا مستحيل، ولابد من أن ننتشر فى العالم العربى والأجنبى ، فمن بيننا من لديه ثقافة أجنبية كبيرة، ومنا من درس أصول السينما، يجب أن يكون هناك وعى بالميزانية والإنتاج والصناعة.. ولا شك أن الإستاف الموجود فى الورش والمعامل و الموظفين يشكلون عبئا على ميزانية الفيلم نفسه فى الوقت الذى لا توجد فيه وسائل مريحة للنوم والجلوس والمشرب بالإستديوهات، فالوعى السينمائى للإنتاج الجديد غير موجود، وكما قلت إن القديم كالجارية يقل ثمنها كلما كبرت..وفى رأيى أن يعاد النظر بالنسبة لتقييم أجور الفنانين والمخرجين والممثلين.. إلخ، وأتمنى أن يظل باب سيادتكم مفتوحاً” .


الأستاذ حسن يوسف:
“.. أقترح إنشاء بنك للسينما، وربما أتكلم أكبر من تفكيرى أو عقلى ولكن هذا هو رأيى. نفرض أنه وضعت ميزانية للسينما مليون جنيه، نأخذ ربع مليون تتحكم فيها الدولة لتعمل فيلمين أو ثلاثة على مستوى فيلم ثورة اليمن وغيره من الأفلام التى تخدم الأهداف السياسية مثل قضية فلسطين أو قضية اليمن، والتى يهمها أن تروجها لخدمة القضايا الوطنية، يتبقى لدينا ثلاثة أرباع المليون، أرى إلغاء شركات القطاع العام فى الإنتاج ، والرجوع للمنتجين الذىن يعملون فى مكاتبهم، وتشكل لجنة لبنك السينما من أشخاص نثق فيهم تقر الموضوعات والسيناريوهات، ونعطى للمنتجين سلفيات ، ويوضع لهم حد أدنى وحد أقصى، أى أن لجنة بنك السينما هى التى تحدد ميزانية كل فيلم، وبعد أن ينتج الفيلم ويكسب منه المنتج، يعطى للبنك السلفية ونسبة معينة من الأرباح، ثم يعطى البنك هذا المبلغ لمنتج آخر حتى يرجعها، وهكذا نجد ال20ألفا مثلا تعمل فى السنة ثلاث مرات.. ويكسب البنك فى كل مرة 15% من كل منتج. ربما يكون هذا الحل تافهاً ولكن هو رأيى وأشكركم”.



الأستاذ رشدى أباظة:
“بالنسبة للإنتاج دخلت فى مجال الإنتاج وعملت ثلاثة أو أربعة أفلام، لم أدخل كتاجر لأننى أساسا ممثل ، وكان عندى إتنين من الموظفين فى المكتب، كانوا يقومون بالعمل الكافى حتى ينتهى الفيلم، وفى يوم من الأيام تعلمت من الأستاذ حلمى رفلة شيئا ، قال إن المنتج الناجح ليس من الضرورى أن يكون لديه مكتب، ويمكن وهو فى القهوة أن يعمل”.


“ورداً على قيل من إن المنتج يشرب القهوة ويخرج، وما ذكره الأستاذ سماحة، أود أن أقول إنه أيام القطاع الخاص كان هذا يحدث أيضاً، المهم أن لدينا مديرين إنتاج على الرف، وأن مساعد إنتاج تجعله مسئولا عن أنتاج الفيلم، لقد بدأت بـ150جنيه، وكنت أحاول فى كل فيلم أن أزيد ولو عشرة جنيهات حتى وصلت الى ما وصلت إليه، كان أمامى فريد شوقى وشكرى سرحان، كنت أجاهد وأحاول أن أكون أحسن منهم، وإلا لكنت قنعت بشهاداتى، وعملت فى أىّ شركة، وكنت قد وصلت الآن الى رئاسة مجلس إدارة أى شركة أحصل على 250جنيه وعربة فيات 2300.


“إن أىّ شخص يدفع للسايس قرشين صاغ، أما رشدى أباظة فلو دفع أقل من عشرة قروش لبصق عليه السايس، إنى مضطر لأن يكون عندى عربتين، عربة عادية وأخرى تبقى فى الخارج 28 يوما كل شهر ولا أركبها إلا ليرانى الناس بين وقت وآخر فيها.هذه كلها تشكل تكاليف. إنى مضطر لأعمل 60بدلة كل موسم لأن أغلب هذه البدل أمثل بكل منها فيلم ثم أتركها.



“إن لدينا ظروفاً معينة تجعلنا مضطرين لأن نعيش فى فخفخة بالنسبة للسفر الى الخارج الذى تكلم عنه السيد حسن الإمام، ويدعى البعض أن الحكومة تمنع السفر، إنى متأكد أن هذا غير سليم ولكن الملاحظ إنه عند سفر أىّ واحد، نجد إن الصحافة المصرية تشتم فيه..لماذا ؟ إننى عندما أسافر وأعمل هناك فإنما أمثل بلدى. إنى رشدى المصرى ، إنى سفير غير اعتيادى،وأذكر عندما سافرنا الى برلين لحضور المؤتمر كان جيمس ستيوارت معه باسبور على أنه سفير رسمى، كنت أنا وبدرخان والليثى عندما نذهب الى (الأفرو) نقسم ثمن التاكسى سوياً، بينما جيمس ستيوارت يجلس فى سيارة مكشوفة فى موكب كبير وراءه عشر عربات وحوله أربعين موتوسيكل. كان لديه إمكانيات.


“إننى أتوقع إذا سافرت الى برلين، وعندى عربة رولزرويس وسواق ومظاهر لأمكننى الرجوع بالجايزة الثالثة.


“السينما كما قال توفيق الدقن همبكة ومظاهر وحداقة وليست روتين.. ونحن كمصريين أبو الحاجات دى”.

انتهت الإقتباسات، والمجال مفتوح للتعليق وطرح علامات الإستفهام والتعجب أيضاً.

Visited 44 times, 1 visit(s) today