يوميات فينيسيا- 8: أحلام السبعينيات

Print Friendly, PDF & Email

أمير العمري

هناك بعض الأفلام إن لم تكن على معرفة بالخلفية التاريخية لها، ويمكنك أن تشعر بالاهتمام بموضوعها وما يمكن أن يثيره فيك على المستوى الشخصي قبل أن تشاهدها، فلن يمكنك ان تستمتع بها، ربما ستشعر بالغربة وسط جمهور عريض جاء خصيصا لمشاهدة الفيلم، مترقبا أن يرى أحداثه رغم أنها معروفة من القصة الأصلية القديمة التي حدثت في الواقع، كما يريد أن يرى مجموعة الممثلين أو “النجوم” المشتركين في الفيلم الحاضرين بشحمهم ولحمهم أمام الجمهور.

هذا ما حدث عندما تورطت في حضور أحد العروض العامة، وسط الجمهور، مع عرض الفيلم الأمريكي Dreamin’ Wild الذي لا أعرف له ترجمة مناسبة سوى أن تكون مثلا “أحلم بجنون” أو “بتوحش” وهو على أي حال عنوان “ألبوم” غنائي، أو إحدى أغاني ذلك الألبوم الذي صدر عام 1979 لشابين من شباب الغناء الأمريكي الشائع (البوب) الذي لا أزعم أنني فهمته ذات يوم أو أحببته، لكن غيري فعل بكل تأكيد.

أبطال فيلم Dreamin’ Wild مع مخرج الفيلم في مهرجان فينيسيا

لا أعرف من أبطال الفيلم الذي حضروا إلى العرض الجماهيري في قاعة سينما جراندا الرائعة، سوى كيسي أفليك وبو بريدجز (الذي بدت عليه علامات التقدم في العمر)، ومعهم طبعا المخرج بيل بولاد Bill Pohlad وهو مخرج (على قد حاله- كما نقول) وفيلمه أيضا يحاول أن ينقل لنا حرفيا كيف غامر شابان مراهقان (شقيقان) هما دوني وجو إيمرسون، وأنفقا كل من حصلا عليه من مال من والدهما، في عمل ذلك الألبوم الذي لم يهتم به أحد، ولكن بعد مرور أكثر من عشرين سنة، بعد أن كبرا وتجاوزا منتصف العمر أصبح هناك الآن من يعيد اكتشافه، ويقوم بطبعه وتوزيعه ليحقق ما عجز عن تحقيقه في الماضي. وهكذا يصبح الحلم القديم حقيقة.

عمل شديد المحلية، يثير بعض النوستالجيا لدى البعض من الأجيال الأكبر التي عاصرت تلك الفترة من أواخر السبعينيات، مع بطء في الإيقاع وثرثرة كثيرة في الحوار كعادة هذا النوع من الأفلام، ومشاهد جامدة داخلية مع كثير من الأغاني من ذلك الالبوم على شريط الصوت، والأداء التمثيلي البليد من جانب كيسي أفليك الذي يختلف في رأيي، كثيرا عن شقيقه بن أفليك، فهو لا يمتلك ما يتمتع به شقيقه من كاريزما رغم اجتهاده وإصراره. أو ربما أن هذا هو انطباعي الشخصي عن أدائه في هذا الفيلم تحديدا.

إلا أن هذا كان يوم الفيلم البريطاني المنتظر “الإبن” The Son للمخرج الفرنسي المحظوظ فلوريان زيلر، الذي سبق أن نال التقدير عن فيلمه السابق مباشرة “الأب” The father وكلا الفيلمين عن مسرحية له، فهو كاتب ومخرج مسرحي أساسا، وهو مولع على ما يبدو بهذا النوع من الدراما العائلية البسيطة التي يجيد تحويلها الى بناء درامي معقد مليء بالحيوية مع قدر لا بأس به من المبالغات العاطفية.

هذا فيلم آخر من الأفلام التي تصور المتاعب التي تنتج عن العلاقة بين زوجة الأب، والإبن المراهق (أبناء الآخرين) الذي لا يمكنه تخيل غياب أمه عن المنزل، لكنه ليس سعيدا أيضا مع أمه التي تعيش وحيدة لذا ينتقل للعيش مع والده الذي تزوج امرأة أخرى غير أمه. ويرفض الفتى قبول واقعه الجديد، بل ويحمل والده مسؤولية التخلي عنه وعن أمه، وصولا إلى أقصى درجات الانهيار النفسي.

يقوم أنطوني هوبكنز (الذي كان الأب في الفيلم السابق) بدور صغير هو دور الأب أيضا ولكن والد الأب الأصغر أي أنه جد الفتى، وهو قد تنكر أيضا لابنه ووالدته وهجرهما، وبالتالي يمكن القول أن الأب من الجيل الثاني سار على نهج والده، وهكذا تستمر الدراما لتصل إلى ذروة الميلودراما. ولكن الفرق أنها مصنوعة جيدا ومقنعة.

الفيلم الإيراني “وراء الجدار” للمخرج جليل فاند، فيلم جيد جدا، وهو ثالث أفلام مخرجه الروائية الطويلة بعد سلسلة من الأفلام التسجيلية ومسلسلات التليفزيون. وهو يروي قصة رجل (غامض) فقد نظره تقريبا يقيم وحيدا في شقة معزولة تبدو كسجن، يتردد عليه رجال الامن، يستجوبونه باستمرار، تصله رسائل من امرأة لا يعرفها ولم يرها سوى مرة واحدة، هذا الرجل له قصة شديدة التعقيد، لا يكشف عنها الفيلم سوى من خلال التراكمات المستترة التي تسمح لك، إن استطعت طبعا، بتجميع خيوطها وربطها معا، والعثور على صلة بين الماضي الذي تتكرر مشاهده المفصلية، وبين الحاضر، لتتبين الفرق بين الواقع والخيال، وبين الحلم والحقيقة. والفيلم يقتضي دون شك، وقفة خاصة منا.  

وهو نفسه، شأن الفيلم اللبناني “حديد، نحاس، بطاريات” لمخرجه وسام شرف، الذي يروي قصة حب تجمع بين لاجيء سوري ولاجئة أثيوبية في ظروف قاسية، في بيروت. فهو عمل رقيق، جديد في موضوعه وسياقه الدرامي وتفاصيله، بعيد عن النمطية التي صبغت الكثير من الأفلام اللبنانية بل والافلام التي تناولت موضوع اللاجئين عموما.

الفيلم الإيراني معروض داخل المسابقة، أما الفيلم اللبناني فعرض داخل قسم “أيام المؤلفين” وهي التسمية الإيطالية لهذا القسم الذي يعرف عالميا باسم “أيام فينيسيا” وهو في الحقيقة مهرجان مستقل يقيمه اتحاد المخرجين الايطاليين على غرار “نصف شهر المخرجين” الذي يقام في مهرجان كان. ولكن الفرق أن مهرجان فينيسيا الرسمي يتبنى عرض أفلام هذا القسم ويضمنها كل مطبوعاته، ويعرضها في قاعات المهرجان، أي أنه لا ينفصل بقاعة خاصة واحدة كما هو الحال في “نصف شهر المخرجين”.

Visited 4 times, 1 visit(s) today