مصير مجهول لدور السينما في زمن الجائحة

عن جريدة العرب اللندنية عن جريدة العرب اللندنية
Print Friendly, PDF & Email

أوقفت جائحة كورونا فجأة الخطط المقررة للاحتفال بالذكرى 125 لمولد السينما، ومع ذلك نظم “الجراند باليه” أو القصر الكبير، وهو مجمع للمتاحف وقاعات العرض في العاصمة الفرنسية باريس، معرضا شاملا منذ خمسة أعوام لتكريم الأخوين أوغست ولويس لوميير وتقدير مجهوداتهما، حيث يعزى إليهما اختراع السينما.

في العام 1895، وتحديدا في الثامن والعشرين من ديسمبر، كانت انطلاقة أول عرض سينمائي في التاريخ، ورغم أن مندوبي الصحف لم يوافقوا على قبول دعوة المنظمين للعرض الذي أقيم داخل قبو مقهى “جراند كافيه” بباريس، وحتى المارة لم يكونوا متحمسين للحضور، إلا أنه كان إعلانا رسميا عن بداية عروض الفن السابع وانتشار دور السينما في فرنسا وعبر العالم.

وكان سعر تذكرة دخول ذلك العرض التاريخي فرنكا فرنسيا واحدا، وفي مقابل التذكرة كان بوسع العدد الصغير من المتفرجين مشاهدة 10 أفلام قصيرة، بلغ إجمالي فترة عرضها جميعا 20 دقيقة. وكان رائد الأفلام السينمائية جورج ميليس من بين المتفرجين الذين اقتنعوا بخوض غمار المشاهدة والبالغ عددهم 32 شخصا.

وفي نهاية العرض سيطر الذهول على الجميع، وبدت على المتفرجين علامات الدهشة والتعجب بشكل لا يوصف، وذلك ما لاحظه المنظمون بعد على المشاهدين، وبالتالي حققت أول فعالية في العالم للعرض السينمائي على الجمهور نجاحا كبيرا.

وباستخدام جهاز بسيط أصبح متقادما الآن، يجمع بين آلة تصوير للصور المتحركة مع جهاز عرض وطابعة، قام الأخوان لوميير، وهما من رجال الصناعة، بعرض فيلمهما القصير بعنوان “العمال يغادرون مصنع لوميير بمدينة ليون”.

وبعد أول عرض خاص للفيلم في 22 مارس 1895، قام الأخوان لوميير بعرضه أمام الجمهور في قاعة إنديان بمقهى الجراند كافيه بباريس، في 28 ديسمبر من نفس العام.

وتم تسجيل عرض الأخويين لوميير تاريخيا على أنه بداية لمولد السينما، على الرغم من العمل التمهيدي الذي قام به آخرون مثل الأميركي توماس ألفا إديسون، والأخوان الألمانيان سكالدانوفسكي.

ونظم أولئك الرواد الآخرون عروضا للأفلام في مسرح فينترجارتن ببرلين قبل الأخوين لوميير بأربعة أسابيع، ولكن الجهاز الذي استخدمه الأخوان لوميير للتسجيل وإعادة عرض الصور الفوتوغرافية المتحركة، كان متقدما على جهاز عرض الصور المتحركة للأخوين سكالدانوفسكي، والذي كان يمكنه أن يعرض 24 صورة متعاقبة فقط.

ومنذ ذلك الحين بني فندق فاخر محل مقهى جراند كافيه بالقرب من دار أوبرا جارنييه بباريس، ومع ذلك تم وضع لوحة معدنية عند واجهة فندق سكريب الكائن في شارع بلوفارد دي كابوسين الشهير، كنوع من التقدير والتذكار للموقع الذي شهد مولد السينما.

وبعد فترة من عرض الأفلام الصامتة في المقاهي والمسارح وخيام السيرك، سرعان ما انتقل عرضها إلى دور السينما المخصصة لها.

واليوم انتشرت دور السينما التي توجد بداخلها شاشات عرض منفصلة، لتزيح قاعات العرض التقليدية، كما ظهرت آلات العرض الرقمية لتحل محل نظيرتها الميكانيكية، وبدأت منصات البث المباشر للأفلام على الإنترنت تجلب بشكل متزايد الأفلام السينمائية إلى بيوت المشاهدين.

وهذه التطورات الثورية غيرت سلوك المشاهدة لدى الجمهور، حيث صار بوسع المشاهدين الاستمتاع بأفلام منتجة حديثا بشكل سهل بينما هم جالسون على آرائكهم في المنازل.

والأكثر من ذلك أن إيرادات خدمات البث المباشر الرقمية مثل نتفليكس وأمازون برايم، تجاوزت الآن إيرادات دور السينما التقليدية، ما أحدث تغييرات جذرية في نموذج النشاط التجاري لهذه الدور، والذي يرجع تاريخه إلى أكثر من 100 عام.

ويتخوف مشغلو قاعات العرض وصناع الأفلام من أن تقضي منصات البث المباشر الرقمية على دور السينما خاصة وأن جائحة كورونا أثرت على متعاملين كثر في هذا القطاع.

وأثار تراجع الإيرادات المخاوف من أن هذه الأزمة يمكن أن تعني نهاية دور السينما، التي اضطرت إلى إغلاق أبوابها أثناء تفشي الجائحة.

ويقرّ الجميع بأن أحداث هذا التطور ليست المرة الأولى التي يُتوقع فيها نهاية دور السينما، منذ بداية رحلة الفن السابع، اعتبارا من العرض الأول لها داخل قبو بفرنسا، إلى عرض الأفلام على شبكة الإنترنت، حيث إن هذا التوقع له جذوره وإن كان ليس بالحدة الحالية منذ تراجع حضور المتفرجين في دور السينما، بعد انتشار التلفاز في الخمسينات من القرن الماضي. ومع ذلك فإن مدى الأزمة الحالية جعل التساؤل بشأن الشكل الذي ستبدو عليه دور السينما في المستقبل أكثر إلحاحا من ذي قبل.

ويعتقد الكثيرون ممّن يعملون في قطاع دور السينما، أن هذه الصالات بشكلها التقليدي لا يمكنها أن تبقى على قيد الحياة، ويرى المنتج السينمائي والتليفزيوني أولي أسيلمان أن تجربة مشاهدة الأفلام داخل دور السينما، لا يمكن أن تنتعش إلا إذا قدمت شيئا مميزا مرة أخرى، الأمر الذي يعني تقديم ابتكارات مثل تنسم رائحة المناظر التي تعرض على الشاشة أو مثل إتاحة مقاعد هزازة للمتفرجين.

ومع ذلك حذر أسيلمان في مقابلة مع بوابة “تشيب” الألمانية المتخصصة في التكنولوجيا والمستهلك، من أن الابتكارات التكنولوجية تفقد سريعا جاذبيتها في حالة الإفراط في استخدامها، وقال إن القصص الجيدة للأفلام هي في المقام الأول التي تبقي المتفرجين في مقاعدهم.

وهناك آخرون مثل لارس هنريك جاس الخبير السينمائي الألماني، مدير مهرجان أوبرهاوزن الدولي للأفلام القصيرة، يدعون إلى تقديم الدعم الحكومي لدور السينما باعتبارها مؤسسات ثقافية على غرار المتاحف، وقال جاس في مقابلة مع محطة دوتش فيلا الألمانية إن هذا الإجراء وحده كفيل بأن يتطلّع مخرجو الأفلام المستقلون والسينما البديلة إلى إحداث نوع من التواجد المستقبلي.

Visited 17 times, 1 visit(s) today