في مهرجان القاهرة السينمائي: الحب حسب دالفا

Print Friendly, PDF & Email

محمد كمال

“ومن الحب ما قتل” تعد من أبرز المقولات الشعبية حتى وان كان مصدرها الأصلي غير متفق عليه لكن هناك أراء كثيرة تسير في اتجاه ارتباطها بحكاية الشاعر الأصمعي مع ذلك ليس من الصعب ألا نعترف بتطبيق تلك المقولة على مستوى الواقع وهو ما يعبر عن الفيلم البلجيكي “Love According to Dalva” أو “الحب حسب دالفا”  للمخرجة إيمانويلا نيكو في تجربتها الأولى مع الأفلام الروائية الطويلة ويشارك الفيلم في المسابقة الدولية للدورة 44 من مهرجان القاهرة التي تقام حاليا في الفترة من 13 إلى 22 نوفمبر وسبق لهذا الفيلم المشاركة في مسابقة أسبوع النقاد لمهرجان كان الأخير، وتتصدر البطولة الطفلة صاحبة ال 12 عاما زيلدا سامسون التي قدمت أداء ملفت للنظر في تجربته التمثيلية الأولى.

بالعودة إلى مقولة “ومن الحب ما قتل” والمقصود فيها ليس القتل كفعل مادي بل التأثير المعنوي الذي يوازي في تأثيره الضرر الذي يسببه فعل القتل وهو ما ارتكز عليه الفيلم من خلال علاقة حب من نوع خاص تجمع بين الابنة دالفا والأب جاك الذي تناديه ابنته باسمه حيث يبدأ المشهد الأول بوجود صياح شديد بين رجل كبير يقول”دالفا” وابنة صغيرة تقول “جاك” وتقوم الشرطة بالقبض على جاك بينما تخضع دالفا للتحقيقات.

تجهل دالفا تماما الفعل الذي أقدمت بسببه الشرطة بالقبض على والدها ويتم فحص دالفا طبيا ويظهر أن والدها اعتدى عليها جنسيا ومن هنا يتم وضع الأب في السجن قبل العرض على المحاكمة، وترحيل دالفا إلى دار رعاية خاص لكن الأزمة هنا كانت في عدم انكار دالفا للأمر بل التعامل معه على أنه أمر عادي وأنه هو الحب.

يتضح خلال الأحداث أن والدة دالفا هجرتهم منذ أعوام وتكن لها دالفا مشاعر سلبية وتعتبرها خائنة على النقيض الشعور تجاه والدها فهي لا تعرف من العالم غيره ليس لها أصدقاء حتى الجيران لا يعرفون شكلها أو انها تسكن معهم في الحي أو في نفس المبنى.

هذا الحب الذي أقنعها والدها به جعل دالفا تعيش في عالم ضيق محدود لا يتعدى المنزل، تعامل معها على أنها إمرأة كبيرة وهذا ظهر في طريقة حديثها وملابسها وتسريحة الشعر حتى في خطوات المشي يبدو أن الفراغ العاطفي الذي يعاني منه الأب كان جزء من أن يعتبر ابنته بمثابة حبيبته أو عشيقته.

قابلت دالفا وضعها الجديد برفض كبير وصل إلى استخدام العنف والفظاظة في التعبير سواء تجاه والدتها أو معلمها الجديد جايدن أو أصدقائها في الدار خاصة شريكتها في الغرفة سامية وهي فتاة في نفس المرحلة العمرية تعود أصولها من دولة الكنغو الديمقراطية وسامية تمتلك غضب يوازي نفس غضب دالفا لكن بالعكس سبب غضب سامية من والدتها التي تتركها وتعمل عاهرة مما جعلها تتركها كثيرا.

في تلك الفترة اعتمدت المخرجة إيمانويلا نيكو على استخدام اللقطات القصيرة لتكون شديدة القرب من وجه دالفا والتي خلال تلك اللقطات تظهر كأنها فتاة يافعة وليست طفلة صغيرة حتى تضع المتفرجين في نفس شعور البطلة التي تخفي المخرجة عن قصد تفاصيل جسدها الحقيقي وفي معظم المشاهد لا يظهر منها سوى الوجه.

لكن بعد قضاء دالفا فترة في دار الرعاية وخوضها تجربة مختلفة ساعدتها على الخروج من حدود حياتها الضيقة ومفهوم الحب الغريب الذي كانت تراه الذي برغم قسوة الطرح الذي قدمته المخرجة والتي هي أيضا كاتبة السيناريو لكنها أرادت أن تقدم نوع من الحب الأناني بل والمرضي أيضا لم يتسبب في الأذى الجسدي لطفلة بل الأهم جعلها تعيش حياة ضيقة حياة لا تتسق مع مطلبات عمرها.

عدم تركيز مانويلا في بداية الفيلم على ظهور وجه الأب لم أراه نوع من التهميش أو للتقليل من شأن هذا الوحش الذي يعتدي على ابنته باسم الحب لكن في تقديري ان المخرجة أرادت أن الفعل شنيع لكن الأخطر هنا هو نتائجه وهو ما أعطته المساحة الأكبر خلال الأحداث ومن هنا بدأت خطوات عدم التركيز على القضية والشرطة والمحاكمة والسجن وبدء رحلة التركيز مع دالفا وما أصبحت عليه.

كنت أتمنى ألا تعود مانويلا نيكو للمحاكمة في نهاية الأحداث حتى تقدم قوة أكثر للحبكة التي أرادت من خلالها التركيز على أمر على حساب الآخر لكن جنوح مانويلا لمثول الأب أمام المحاكمة جعل النهاية تقليدية على عكس فكرة ومسارات الفيلم.

قد يرى البعض أن التحول في شخصية دالفا جاء بشكل غير منطقي في عودتها سريعا كطفلة لكن الحقيقة ان المخرجة قدمت تمهيد مثالي لهذا التحول الذي حدث لدالفا من كونها تعتبر نفسها إمرأة وعودتها إلى ممارسة طقوس حياتها الطبيعية وهذا التمهيد جاء بسبب أربعة عوامل الأول اعتراف الأب بجريمته وهو ما أيقنت منه دالفا بشكل تصاعدي.

والثاني عودة الأم مرة أخرى وظهورها أمام دالفا بصورة مغايرة عن الصورة الشيطانية التي تسبب الوالد في رسمها لابنتها عن والدتها، والسبب الثالث صد جايدن لمحاولات دالفا الحميمية معه مما جعل دالفا تتيقن بأن الحب هو شعور إنساني في المقام الأول وليس مجرد علاقة جنسية بين طرفين.

أما السبب الرابع وهو الأهم والأفضل على مستوى التعبير الدرامي والذي نال الجزء الأكبر من المساحة على الشاشة كانت شخصية سامية ذات الأصول الإفريقية وشريكة دالفا في الغرفة، وساهمت سامية بالفضل الأهم في تغيير دالفا في أمرين الأول ساعدتها في انها تعيش مرحلتها العمرية وتغيير هيئة السيدة وتحولها إلى فتاة صغيرة في أدق التفاصيل حتى على مستوى الملابس لأنها في النهاية قامت سامية بإهداء دالفا معطفها.

والأمر الثاني الذي ظهر مع بداية العلاقة وهو نظرة سامية إلى دالفا على انها عاهرة مثل والدتها وهو الأمر الذي كان أكثر ارباكا لدالفا لأنها كانت ترى ان مشاعرها المتبادلة مع والدها هي الحب الطبيعي وبرغم ان نظرة سامية إلى دالفا كانت مربكة بالنسبة للثانية لكن على المستوى الدرامي كانت النقطة الأفضل خلال الأحداث.

Visited 1 times, 1 visit(s) today