فوز الفيلم المصري “ريش” بالجائزة الكبرى لأسبوع النقاد بمهرجان كان

فاز الأربعاء الفيلم المصري “ريش” للمخرج عمر الزهيري بالجائزة الكبرى في مسابقة أسبوع النقاد الموازية بمهرجان كان التي تنظمها جمعية نقاد السينما الفرنسيين بالتعاون مع اتحاد الصحافة السينمائية الدولي (الفيبريسي). وعرض الفيلم المصري الثلاثاء على شاشة سينما ميرامار بحضور عدد كبير من الجمهور وأبطال الفيلم والمنتجين. وهو من إنتاج مصري فرنسي هولندي يوناني مشترك، وساهم في العمل من الجانب المصري محمد حفظي.

يدخل الفيلم في إطار السينما الواقعية الحديثة المغرقة في واقعيتها حيث تظهر الكاميرا كافة تفاصيل الحياة التي يعيشها أبطال الفيلم، بيد أن مخرجه قرر الدخول لعالم الواقعية من خلال الفانتازيا والخيال المتمثل في القصة غير المسبوقة لعائل أسرة فقيرة يقرر إقامة حفل عيد ميلاد ولده البكر (خمس سنوات) ويحضر ساحرًا ليحيي الحفل ببعض الألعاب السحرية. في إحدى هذه الألعاب يدخل الأب في صندوق خشبي ليخرج منه دجاجة، وفي المشهد المعكوس حيث يعيد الساحر الدجاجة للصندوق من أجل إخراج الأب تحدث المفاجأة ولا يخرج الأب أبدا من الصندوق.

يمتلئ الفيلم بالمفارقات والرموز والرسائل المبطنة… يكاد يكون الفيلم صامتا فالحوار أفسح مجالا كبيرا للصورة التي كانت تتحدث عن نفسها، ولم يلجأ إليه المخرج إلا في المشاهد التي كان من الضروري أن يجري بها الحديث بين الممثلين. 

المفارقة الأولى تتمثل في الأم المسكينة التي لم تعرف العالم المحيط بها إلا من خلال زوجها، لكنها تقرر العيش مع الدجاجة بوصفها زوجها وتعمل المستحيل من أجل إعادته لوضعه الطبيعي سالكة في ذلك كل السبل حتى ولو كانت باتباع طرق السحر والشعوذة والدجل. تعتني الأم بالدجاجة وتخصص لها غرفة بمفردها وتعطيها الطعام المغموس بالوصفات السحرية علَّ وعسى أن تفلح في إعادة الأب.

المفارقة الثانية، كل ديكور الفيلم متداعٍ ومتهالك، من الشقة الحقيرة التي تعيش بها الأسرة إلى المصنع الذي يعمل به الأب ومحل الملابس الذي تعمل به الأم لإعالة أسرتها المكونة من ثلاثة أطفال آخرهم رضيع يظهر طوال الفيلم إما صارخا وإما راضعا. ربما أراد المخرج الإشارة إلى حالة المجتمع المصري الذي يعيش حالة من التحول بعد اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 ويظهر ملامح التداعي والتهالك التي تضربه في كل جنباته بحيث لا نجد ولو مشهدا واحدا في الفيلم يدل على أي مظهر من مظاهر الحداثة.

الأمر الآخر اللافت للنظر في هذا الفيلم هو الغياب الكامل للموسيقى التصويرية، فالموسيقى في الفيلم لا تخرج إلا من بوق كاسيت السيارة أو جهاز التلفاز الذي لا يعرض إلا أفلام الكارتون والمشاهد الأجنبية الراقصة لفتيات شبه عاريات. وكأنما أراد المخرج بذلك نزع كل ما يدل على السعادة في حياة الأبطال.

يقدم فيلم “ريش” بورتريها اجتماعيا لوضع المرأة المصرية الممثلة في الأم المضطرة لمواجهة الواقع والحياة التي لا تعرف عنها شيئا، فهي تعتمد بصورة شبه كلية على زوجها الذي لم يعد موجودا والذي كان يعطيها مصروف البيت يوميا من حصالة معدنية يغلقها بمفتاح ويقرر حتى ما يجب أن تأكله الأسرة كل يوم. تنطلق المرأة إذن في الحياة الواقعية وليس بيديها أي سلاح تواجه به القسوة التي تلون كل جنباته. فلا أحد يقف بجانبها أو يقدم لها يد المساعدة، ومن يفعل ذلك لا يفعله إلا لاستغلالها جنسيا كما صنع صديق الزوج الذي لا يتوانى عن مطاردة الأم بعد فشله في الوصول إلى غرضه منها مطالبا بكل أمواله التي صرفها على العائلة. 

يغيب كل شكل من أشكال الرحمة والتكافل الاجتماعي، فهيئة الإسكان التي تؤجر الشقة للأسرة لا تعرف إلا لغة المال ودفع الإيجار وعند التأخر عن الدفع تصادر ممتلكات الأسرة. والمصنع الذي كان يعمل به الأب لا يعترف إلا بالوقائع المتمثلة في غيابه عن العمل والديون المتراكمة على الأسرة جراء ما سحبه من سلف شهرية، فيجبر الأم على تشغيل طفلها الصغير في محل الأب لتسديد الديون دون الأخذ في الاعتبار براءة الطفل المنتهكة.

كل ما جرى بعد كارثة تحول الأب إلى دجاجة يساعد المرأة الأم في الحصول على حريتها والتخلص من ربقة ضعفها وخنوعها للسلطة الذكورية المتمثلة في الأب الذي يظهر مجددا مشلولا فاقد النطق ليضيف عبئا جديدا على تلك المرأة المسكينة المضطرة لإعالته هو أيضا.

ونهاية نختم بمشهد البداية الذي يبدأ بظلام دامس وأصوات همهمات ليظهر بعدها رجل في باحة مصنع يسكب على جسده سائلا قابلا للاشتعال ليحترق بعدها حتى التفحم الكامل. يلخص هذا المشهد الأول معاناة بطلة الفيلم وربما رغبتها في التخلص من حياتها أملا في وقف آلام الوجود في واقع يسحق الوجود الإنساني  

عن فرانس برس

Visited 20 times, 1 visit(s) today