خليل الدمون: نقاد السينما المصدر الحقيقي للثقافة السينمائية بالمغرب

عقدت الجمعية المغربية لنقاد السينما جمعها العام العادي يوم 22 أكتوبر 2011 بالدار البيضاء حيث تم تجديد الثقة في رئيسها السابق الأستاد خليل الدمون لولاية جديدة مدتها سنتين.

عن أهم قرارات هدا الجمع العام وظاهرة الترحال النقدي ومشروع تجميع كتابات الناقد الراحل نور الدين كشطي في كتاب توثيقي، كان لنا مع الناقد الدمون الحوار التالي:

* ما هي أهم القرارات التي خرج بها الجمع العام الأخير لجمعيتكم؟

** قبل الإجابة عن سؤالكم ألفت انتباهكم إلى أن الجمعية المغربية لنقاد السينما هي ربما الجمعية الوحيدة التي تنظم جموعها العامة بانتظام وتحاسب مكاتبها بشكل شفاف من طرف الأعضاء. أدعوكم إلى إلقاء نظرة من حولكم حول الغرف والجمعيات والهيئات التي تشتغل في المجال السينمائي، متى تعقد جموعها العامة وكيف… ولا أحد يحاسبها كما نحاسب نحن بل تستفيد من المنح وتشارك في “القرارات” و”الاجتماعات” وكأن الأمور على أحسن ما يرام. بالنسبة لنا عقد الجموع العامة يندرج ضمن أولوياتنا التنظيمية.

أما ما خرج به الجمع العام الأخير المنعقد بالدار البيضاء في 22 أكتوبر الماضي فهو في غاية الأهمية: يتمثل أساسا في وعي الأعضاء بأن النقد السينمائي في المغرب، رغم الهامش الضيق الذي يتحرك فيه أو يراد له أن يتحرك فيه، هو في تطور مستمر من حيث عدد الكتب النقدية التي تصدر كل سنة، من حيث المستوى الرفيع للجدل حول السينما حيثما سمح بوجود نقاد حقيقيين، من حيث إن نقاد السينما هم اليوم المصدر الحقيقي للثقافة السينمائية بالمغرب وإن تقييمهم للأفلام، الوطنية منها والأجنبية، عادة ما يكون المرجع الأساسي لكل الكتابات الصحفية.

من هنا بحث أعضاء الجمعية في السبل الكفيلة بفك الحصار عن الخطاب النقدي الأصيل الذي أصبح يعيش اختناقا متزايدا بسبب انسداد فضاءات الكتابة في السينما في الصحف اليومية أو حتى الأسبوعية وانقراض البرامج السينمائية في الإذاعة والتلفزيون. في المقابل يفتح الباب على مصراعيه أمام كتابات سطحية سرعان ما تلصق بأصحابها صفة ناقد، إلى غير ذلك من المعيقات التي تقف في وجه تطور سريع وطبيعي للكتابات النقدية.

إضافة إلى ذلك يتواجه الآن في الساحة نوعان من النقد: من جهة هناك النقد الذي يقوم بوظيفته التي ولد من أجلها وهي النقد وتنمية العين الناقدة وتطوير الأساليب النقدية، ومن جهة أخرى هناك نقد لا ينقد شيئا، نقد مهادن، نقد تبريري يمكن أن يجعل من الرداءة مجالا للقراءة والبحث والتحليل.

نحن في الجمعية بقدر ما نحاول بكل إصرار، الحفاظ على كرامة النقد من خلال عقد لقاءات وندوات جدية وإصدار كتب ومنشورات تحمل في طياتها المواصفات النقدية بقدر ما نجد أنفسنا في مواجهة توجه يتوخى تبييض الكتابات اللانقدية. من هنا نتشدد كثيرا في قبول العضوية في الجمعية ولا نسمح بحمل بطاقة الجمعية إلا لمن أثبت بكتاباته أنه أهل لكي يكون ناقدا بالفعل لا ناقدا بالقوة.


*لوحظ بعد تأسيس “الجمعية المغربية للدراسات السينمائية” مؤخرا التحاق بعضأعضاء جمعيتكم بها، فهل هدا يعني انسحابهم من ” الجمعية المغربية لنقاد السينما ” أم أنهم لايزالون أعضاء بها ؟ ما هي، في نظركم، ملابسات وحيثيات هدا الانتقال من جمعيتكم إلى الجمعية الحديثة التأسيس؟ 

** هذا سؤال / فخ أشم فيه رائحة الكبريت أي أنك تريد أن تشعل النار في التبن الراقد. ومع ذلك سأجيبك بكل صدق وبكل صراحة.

لا أخفيك سرا أننا منذ أن تأسست جمعيتنا سنة 1995 وهي على أفواه البنادق. كان البدء من بعض الأصدقاء في اتحاد كتاب المغرب الذين كانوا يرون أن الكتابة في السينما من صميم الكتابات الإبداعية وبالتالي فإن نقاد السينما يجب أن يصطفوا إلى جانب الكتاب المغاربة داخل الاتحاد خصوصا وأن بعض الداعين آنذاك إلى تأسيس إطار خاص بنقاد السينما كانوا أعضاء بارزين في اتحاد كتاب المغرب. فجاء الترويج حينئذ على أن الدعوة إلى خلق إطار لنقاد السينما وكأنه انشقاق عن المنظمة العتيدة آنذاك.

ثم جاءت الطلقة الثانية من بعض الإخوان والأصدقاء في الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب الذين اعتقدوا أيضا أن خلق إطار للنقاد كان موجها لضرب الجامعة وكانت مناوشات ونقاشات كثيرة في هذا الاتجاه في حين أن من بين الإفرازات الطبيعية والهامة لحركة الأندية السينمائية في المغرب ظهور نقاد سينمائيين متميزين وكان الأجدر بالجامعة أن تفتخر بذلك.

وجاءت الطلقة الثالثة لما أسست جمعية أفلام وأعطت الانطباع بأنها جاءت لتقض مضجع جمعية النقاد خصوصا وأن أعضاءها كانوا قريبين جدا من الإدارة إلا أن عمر”أفلام” كان قصيرا، وانسحبت في هدوء.

في سنة 2011 أذكرك بأنه ظهرت للوجود ثلاث جمعيات توحي بأنها تشتغل في المجال النقدي ولست أدري هل من الصدف أن تحمل هذه الإطارات الجديدة نفس الاسم. هذه الجمعيات هي: الجمعية المغربية لنقاد السمعي البصري، الجمعية المغربية لحماية مستهلكي السمعي البصري، وأخيرا الجمعية المغربية للدراسات السينمائية. إننا تعودنا على المنافسة، وبقدر ما نرحب بهذه الإطارات الجديدة بقدر ما نلح على أن يلعب الجميع اللعب النظيف وأن تحك هذه الإطارات الجديدة جلدها بأظافرها وألا تعمل وفق أجندة معينة…

أما إشارتك إلى انتقال أعضاء من هنا إلى هناك فكل واحد يتحمل مسؤوليته متمنيا ألا تنشأ عندنا ظاهرة الترحال النقدي كما هو الحال في البرلمان حيث الترحال قوض العمل السياسي في المغرب من جذوره وضربه في الصميم.

* قرأتم الفاتحة على روح الناقد السينمائي الراحل الصديق نور الدين كشطي قبل انطلاق أشغال جمعكم العام العادي الأخير ، أين وصل مشروع تجميع كتاباته النقدية والصحافية وإصدارها في كتاب كنوع من تكريم الجمعية لأحد أعضائها المؤسسين ؟

** بالفعل جمعنا أهم كتابات الراحل نور الدين كشطي وأشرف على العملية الأستاذ محمد صوف وقمنا بتصحيحها. ننتظر فقط أن ينجز غلاف الكتاب الذي ألحت ابنة المرحوم على أن تقوم هي بإنجازه. نحن في انتظار رسم الغلاف وسنعمل على إصداره بعد ذلك في أقرب الآجال.

نور الدين كشطي من مؤسسي الجمعية، قام إلى جانب الأعضاء الآخرين بنشر ثقافة النقد المتمثلة في الإيمان بالحوار الراقي والجاد واحترام الاختلاف والترفع عن الاحتكاكات التي لا تمس إلا قشور القضايا المطروحة. للأسف الشديد نحن لا نقيم أي اعتبار لذواتنا كنقاد ولما نقوله وما نكتبه فكأننا أمام حوار الصم. آن الأوان لكي نصغي إلى ذواتنا ونعطيها ما تستحق من هدوء داخلي.

ووفاء لروح نور الدين كشطي آن الأوان لطرح أسئلة النقد الحقيقية. فليس الناقد من يحمل فقط بطاقة الجمعية المغربية لنقاد السينما، ليس الناقد من يحضر المهرجانات فقط، ليس الناقد من يكتب هنا وهناك قذفا وشتما في فلان أو فلان. الناقد من يساهم بشكل أو بآخر في تطوير الخطاب السينمائي والعمل على احترام قواعد الإبداع السينمائي بالجدال والحوار أولا فالكتابة ثانيا. الناقد من يتعاطى بالدرجة الأولى مع الأفلام ويرفع من مستوى القراءة الفيلمية. العمل النقدي اختيار وهوية في نفس الآن. من هنا لا بد من عقد جلسات حوار حقيقية بين كل الفاعلين في مجال الكتابة في السينما من نقاد وصحفيين وباحثين للخروج بخارطة طريق تفضي بنا إلى تجاوز الخلط الموجود حاليا في من هو مؤهل لولوج ميدان النقد السينمائي وفي من هو دخيل عليه.

Visited 37 times, 1 visit(s) today