“الوشاح الأحمر”: المغاربة الأشرار والجزائريون الطيبون!

Print Friendly, PDF & Email

محمد اليونسي تجربة سينمائية شابة تحاول حفر مسار مختلف وتحقيق تراكمات فنية مختلفة، فبعد انجازه مجموعة أفلام قصيرة وفيلمين روائيين هما”آلو 15″ و “بن إكس”، اتجه رأسا نحو تحقيق فيلم ثالث بصلابة وقوة وعزيمة، حاول من خلاله تجاوز هنات الأفلام السابقة و تكريس مكانته بين المخرجين المغاربة، وذلك بالإشتغال مع طاقم فني وتقني أكثر احترافية، رغم الامكانيات المادية الضئيلة والمشاكل المتراكمة من تنازع على فكرة سيناريو الفيلم مع القاص مصطفى الغتيري بداية وصديق الجميع رشيد الأندلسي نهاية، و تناول موضوع جد حساس تتقاطع فيه الأبعاد السينمائية بالسياسية والإنسانية، أبعاد يستعصي على الكثيرين التحكم فيها وتوجيه خيوطها.


محمد اليونسي ركب تحدي الصعوبات، وأنجز “الوشاح الأحمر”، في أماكن مغربية مختلفة، أساسا في المغرب الشرقي، موظفا طاقاته الابداعية ونظرته للواقع والحياة، من خلال شخصيات تلخص عمق مأساتنا المغاربية وتذكرنا بمرحلة جد مريرة من العلاقات المغربية الجزائرية، علاقات مد وجزر وشد وجذب، أثرت على تاريخ مشترك ومصير واحد وتحديات واحدة متوحدة، بل عملت على تشتيت عائلات وخلقت حدودا وهمية مغلقة بين شعبين يحب كل منهما الآخر.

 كل ذلك من خلال حكايات بسيطة و لكن عميقة، لأسر تعرضت للتشتيت والتفريق، بسبب قرارات سياسية متعنتة، رامت الضرب من تحت الحزام بدل البحث عن توافقات وتحكيم الضمائر القادرة على رص الجبهات لمواجهة التحديات والتصفيق لكل منجز يخدم هذا البلد او ذاك.


يسعى محمد اليونسي في فيلمه إلى تصوير مأساة الآلاف من ابناء الشعبين المغربي والجزائري، وبناء نموذج القصة على طرفين، زوجان يتقاسمان سعادة بيت الزوجية، الحبيب المغربي ولويزة الجزائرية، قبل أن يداهمهما يوم ولادة ابنتهما رحمة، إجراء مباغت يقضي بطرد المغربي إلى ما وراء الحدود بسبب الأزمات الحاصلة في المشهد السياسي المغاربي،  وأساسا مشكل الصحراء المغربية ، ليبدأ فصل عذاب مفتوح تتوارثه الأجيال حتى اليوم.


الغرض من تصوير الفيلم كان الدفاع عن الأسر المغربية المرحلة، وهو دفاع كان ولاشك سيجعل اليونسي يقدم لنا مغاربة طيبين و جزائريين سيئين، لكن ما حصل (ولست أدري هل عن قصد أم أن المخرج تداخلت بين أصابعه خيوط الحكي)، ان الشخصيات التي جسدت الجزائريين، جاءت في مجملها طيبة بل قمة في الطيببة والتضحية، بينما تلك التي جسدت المغاربة، بدت في عموميتها شريرة، أو على الأقل، محكوم عليها بالسير في الطريق الخطأ، كيف ذلك؟

بإستثناء شخصية الحبيب المغربي المقاوم في صفوف جبهة التحرير ايام الاستعمار الفرنسي الذي يتعرض لظلم كبير بترحيله الى المغرب يوم ولادة ابنته  رغما عنه ورغ ما قدمه للثورة الجزائرية من تضحيات، وتمسكه بشكل جنوني بحق العودة لملاقاة زوجته وابنته التي تركها هناك (كان يعتقد أن زوجته أنجبت ولدا) فإن باقي الشخصيات الأساسية في الفيلم، بدت عنيفة ومنحرفة، فالعاهرة المغربية نكتشف مع تطور الأحداث، أنها هي الأخرى ضحية الترحيل من الجزائر ولم تجد حلا للعيش بالمغرب سوى بيع جسدها، عكس لويزة الجزائرية التي ظلت طول الشريط، رغم الضغط والترهيب الذي تتعرض له من طرف المسؤول بلهواري، صامدة وفية لزوجها المغربي المرحل.

أما بلخضر الجزائري، صديق البطل (لعب بطولته الفنان الراحل محمد بسطاوي ، فإنه يعاني الويلات والتعسف فقط لكي يحافظ على أسرة صديقه المغربي الغابر، بل لا يألو جهدا في حمايتها والذهاب كل جمعة للحدود المغلقة كي يبحث ويسأل عن الحبيب ، مناديا من يقفون في الضفة الأخرى سائلا عن أخ افتقده وصديق يعزه، عزيز على أسرته. الأكثر من ذلك، فإن الحبيب المهجر نحو المغرب لا يجد شغلا إلا مع اقطاعي فرنسي، اقطاعي، لايزال رغم استقلال المغرب، رابضا على الصدور خانقا أنفاس العمال، أساسا بطل الشريط الحبيب، الذي يضطر للإنتقال نحو وجدة لكي يسأل و يبحث دون علم مشغله، وحده صديق الحبيب المشتغل بمقهى شعبي بمدينة وجدة من بدا الى حد ما رجلا شريفا متسامحا متفهما لمعاناة الحبيب، اما الكل  كل المغاربة، فهم إنتهازيون ومستغلون .


صحيح ان المخرج صور العسكر الجزائري بلا رحمة، وحراس الحدود بلا شفقة، لكنه في نفس الوقت، قدم لنا المخازنية وحراس الحدود المغاربة مرتشين ومتواطئين في التهريب وقساوتهم لا تختلف عن قساوة الآخرين الرابضين هناك في الجهة الجزائرية،أما شرير الفيلم بلهواري وتابعه المخنث (أدى دوريهما بكل اقتدار الفنان الكبير جمال الدين الدخيسي والممثل الجميل سعيد آيت باجا) فقد جسدا القساوة في أبشع أوجهها، فهما شخصيتان يحملان أوصاف الشيطان، قساوتهما لم تطل الحبيب المغربي فقط بل طالت أكثر لويزة الجزائرية وبلخضر الجزائري بل سائر سكان المنطقة التي تدخل تحت نفوذهما، بمعنى أنهما شريران تتقاطع ملامحهما مع كل أشرار الدنيا ونجد لهما نماذج في كل مكان من العالم.


عموما يبقى الفيلم تجربة مختلفة  رغم حساسيتها، تسلط الضوء على جراحنا وتنبهنا الى أخطائنا وأخطاء من يحكموننا، بل وتؤكد ان المغرب والجزائر بلد واحد فرقه الإستعمار، وعائلات واحدة مزقها التنافس الفج و المصالح الضيقة.


شكرا لمحمد اليونسي على شجاعته في تناول المحظور وجرأته في ذر الملح على الجروح، التي نتمنى أن تندمل بسرعة وتفتح الحدود لتتواصل العائلات الواحدة، من أجل مغرب عربي واحد تنصهر فيه الآمال والأحلام.

Visited 51 times, 1 visit(s) today