الخيوط الروائية والشخصيات في الفيلم السينمائي

إن الفيلم مجال تعبيري فريد في نوعه، له خواص تميزه عن سائر الأشكال الفنية من  قبيل الفن التشكيلي والرواية والدراما، وفي نفس الوقت هو أداة لرواية الحكايات، لذا فهو ليس سهلا في دراسته، لاعتماده على عناصر مرئية وصوتية. والخيال حاضر في جميل الأحوال، فهناك فراغات في السيناريو لن يتم ملؤها إلا بخيالنا، علما بأن السيناريو ليس للقراءة وإنما للتنفيذ على الشاشة.  أي أن الفيلم الجيد في النهاية حكاية جيدة في حبكتها. إن الفيلم السينمائي يصور واقعا، بل يوجد واقعا مرئيا متحركا أمام المتلقي، ولكنه يثير الخيال، ويحتاج إلى خيال المتلقي، الذي سيتحرك حتما، مع قصة الفيلم، وما تثيره عناصرها. فالسرد السينمائي خيالي متحقق فنيا ومرئيا، ويحتاج إلى خيال المشاهد كي تصل رسالته كاملة، وفي سبيل ذلك، فإنه يشترط في السرد السينمائي أمور عديدة:

1- أن يكون مبنيا بإحكام حول موضوع رئيسي كيفما تركزت بؤرته على الشخصية أو الأسلوب أو الفكرة، فالسيناريو الأدبي كتابة بصرية/ سمعية في بنية درامية لحكاية تروى، بالدرجة الأولى بوساطة الصور ويتضمن الوصف الخالص للفعل والأحداث، وقد  أصبح السرد السينمائي بعد مرحلة السينما الناطقة ذا أهمية إضافية، فلم يعد الحوار وحده يكتب، إنما قبل كل شيء أصبحت علاقته المناسبة مع الصورة هي الأساس. وبالتالي يجب أن يوصف كل ما يصاحب الفعل من تعبير وحوار ومؤثرات وموسيقا، يمثل كل ما سيراه المشاهد على الشاشة وكل ما سيسمع لكن أن لا يتضمن أي معلومات تقنية أو أي إرشادات إخراجية لأن الانشغال بالتقنيات هي مهمة كتابة الديكوباج الفيلمية لمرحلة التصوير.

2- لابد أن تفضي كل واقعة إلى واقعة أخرى ضمن الخيط الدرامي، تبقى العلاقة بين الأجزاء والكل المسألة الحاسمة في بنية السيناريو الدرامية التي هي ترتيب تخطيطي لحوادث ووقائع وأحداث يرتبط بعضها بالبعض الآخر وتقود إلى الحل الدرامي. ولا نعني هنا بالترابط الترتيب، فمن الممكن أن يبدأ السرد من النهاية أو الوسط أو البداية، وإنما نعني أهمية تضافر عناصر السرد لإيضاح القصة، والإجابة المبطنة عن مختلف الأسئلة السردية التي يمكن أن تثار في خاطر المتلقي.

3- إن السرد السينمائي خطاب منظم بوساطة أشياء محسوسة، بهدف سرد قصة درامية تفترض وجود مستويات درامية تتطور في زمن السرد المحدود. ويقوم كل ذلك على المبدأ الذي اكتشفه أرسطو في الدراما اليونانية ووضعه قبل أكثر من ألفين سنة. ورغم أن المفاهيم والمصطلحات، التي أوردها أرسطو في كتابه “فن الشعر” كانت تتغير، لكنها تتشابه في الجوهر مع مفاهيم ومصطلحات بنية الدراما اليونانية. وليس الهدف من معرفة المبادئ الدراموتورغية أن نخضع لها كأوامر أو أحكام بل لأنها تجارب قيمة يمكن الاستعانة بها. فابتكار أي حكاية هو إبداع حر غير ملزم وإبداع عقلي لا يقدّر، لكن طريقة بناءها الدرامي يمكن أن تحسب بدقة متناهية. 

4- المشابهة الفنية للحقيقة، فصانعو الأفلام قادرون على إيجاد نوع خاص من الحقيقة أو الصدق، عبر تكنيكاتهم ومؤثراتهم، فيما يمكن أن نسميه الصدق الفني، وهذا الصدق مبني على أجواء الإيهام التي هي سمة ملازمة للفن الدرامي عامة، وهي أشبه بالتعاقد الخفي بين المتلقي وصانع الفيلم، فكلاهما يعلم مسبقا أنه يقدم خيالا، ولكنه خيال ماتع، وكلما كانت الحرفية في صياغة الخيال السينمائي، ازداد الإيهام وانجذب المتلقي، وصار الفيلم جزءا من إدراكه وضمن ذائقته.

رسم الشخصيات في الفيلم السينمائي:

وهذا يخالف ما نقرؤه أدبيا، ففي السينما هناك تقنيات أخرى لرسم الشخصية تعتمد على:

– المرئي والصوتي والحركي لها، مثل الملابس، وطبيعة الصوت، ومشية الشخضية وحركتها.

– حواراتها وقاموسها المستخدم، وأفعالها وتصرفاتها.

– ردود أفعالها أيضا، بجانب إظهار هواجسها الداخلية، ومناجاتها الذاتية، وكذلك رد أفعال الشخصيات الأخرى.

عادل إمام

هذا وهناك أنماط عديدة لرسم الشخصية في السرد السينمائي منها، ما يكون من خلال عنوان الفيلم، كما في فيلم “المنسي” 1993، وتدور أحداث الفيلم خلال يوم واحد، ويتناول الصراع بين رجل أعمال فاسد ومتسلط، يريد تقديم سكرتيرته كضحية لتاجر ثري لإنهاء صفقة تجارية مهمة بالنسبة له، وبين شاب فقير وبسيط وضعته الظروف في طريق هذه الفتاة، ويسعى لإنقاذها متحدياً رجل الأعمال وحراسه، أما عنوان الفيلم “المنسي” فيعود إلى البطل عامل السكة الحديد البسيط المهمش، الذي تم نسيانه في محطة فرعية للسكة الحديد.

 ومن الأنماط أيضا، ما يتم رسمه من خلال الشخصيات المختزنة والشخصيات النمطية، مثل شخصية اليهودي في السينما العربية عامة وكيف تظهر بشكل سلبي، أو شخصية أمراء الأسرة المالكة في مصر قبل الثورة كما في فيلم الأيدي الناعمة.

كما يمكن أن يكون هناك تناقضات في الشخصيات، فيما يسمى المعارضات الدرامية، بأن تظهر الشخصية بسمات وسلوك، وتظهر شخصيات مضادة في الفكر والتوجه والسلوك. على نحو ما نجد في فيلم “عمر المختار” 1981، فالسرد قائم في أحد أوجهه على تقابل شخصيتين: شخصية عمر المختار،الكهل المقاوم الصبور، وشخصية “غراتسياني” الضابط الإيطالي الممثل لإيطاليا الفاشية المحتلة لليبيا، وتظل الأحداث متراوحة بين الاثنين، وهناك مشهد بين الاثنين، بعد القبض على عمر المختار، وحاوره غراتسياني، الأول ثابت الإيمان، والثاني متغطرس، ولكن اضطر أن يحترم عمر المختار، وتقديره لبطولاته وثباته.

علما بأن هناك شخصيات جامدة /استاتيكية، وهناك شخصيات متطورة/ دينامية. فالأولى تظل على حالها ومواقفها وهيئتها طوال الفيلم، مثل الأم الطيبة أو الأب القاسي، أما الثانية فتصاب بتطورات كبيرة في أحداث الفيلم.

وهناك شخصيات مسطحة يسهل التنبؤ بردود أفعالها ومواقفها، وتخلو من العمق النفسي أي نمطية في طابعها، مثل شخصية الباشا أو مالك الأرض كما في فيلم الزوجة الثانية: شخصية اليهودي المحاسب، وشخصية الشيخ المداهن.

وهناك شخصيات مستديرة: ونعني بها الشخصيات فردية الطابع، التي لا يمكن توقع ردود أفعالها، وبها قدر من التعقيد والغموض، مثل شخصية الزوجة الثانية في الفيلم المذكور، فلم نتوقع من بطلة الفيلم ” سعاد حسني ” أن تكون على هذا القدر من الدهاء، وتخدع كل من حولها، وتذل من تزوجها غصبا، فيمكن أن نطلق عليها الشخصية المفاجأة، أو مفاجأة الشخصية.

Visited 31 times, 1 visit(s) today