” الخائنة”.. سقوط أسطورة “من الفاعل؟”

نادية لطفي نادية لطفي

يحتل فيلم “الخائنة” (1965) للمخرج كمال الشيخ مكانة خاصة بين أفلامه، فهو بالتأكيد من أفضل أعماله السينمائية، كما يمثل تجربة مختلفة ولافتة سواء فيما يتعلق بمعالجة موضوعه، أو بنهايته الملتبسة، حيث يظل الفيلم مفتوحا على سؤال هوية الطرف الثاني من الخيانة، ومازالت هذه النهاية الغامضة موضع دهشة الكثيرين من الجمهور حتى اليوم، رغم إعجابهم بالفيلم، ورغم التفات الجمهور الى قوة العمل دراميا، وعناصر سرده المشوقة، ونظرته المتعاطفة الى المرأة.

ربما يكون سبب الدهشة والحيرة، تصنيف كمال الشيخ وتعريف هويته السينمائية بأنه “هيتشكوك السينما المصرية”، بمعنى أن أفلامه تتميز بالتشويق، وهو أيضا صاحب أعمال بوليسية ناضجة ومحكمة، لا تترك سؤالا من دون إجابة، وبالذات سؤال : ” من الفاعل أو الجاني؟”، سنجد ذلك على سبيل المثال فى أفلام مثل “المنزل رقم 13″ و” من أجل امرأة؟” و” الطاووس” .. الخ.

الحقيقة أن الفيلم البوليسى يتلاعب بثلاثة أسئلة هى: “من الفاعل؟” و”كيف فعلها؟” و” لماذا فعلها؟ “، والأفلام من هذه النوعية تؤجل سؤالا أو اثنين حتى النهاية، وقد تجيب عن سؤال منها فى المشاهد الأولى، أو فى منتصف الفيلم، المهم ألا يخرج المشاهد من قاعة العرض من دون الإجابة عن أسئلته، وهذا عموما منطق الدراما التقليدية الجيدة.

ولكن نظرة أعمق الى إنتاج كمال الشيخ تصحح كثيرا من المفاهيم، فرغم تفوقه فى تقديم أعمال بوليسية ممتازة، إلا أنه لا يمكن القول أبدا بأنه مخرج أفلام بوليسية وكفى، بل إن أفلامه التى ينطبق عليه مصطلح “الفيلم البوليسي” ليست كبيرة قياسا الى كل إنتاجه.

التعريف الأكثر دقة لسينما كمال الشيخ هو أنها “سينما التشويق السردي فى أعلى درجاته بصرف النظر عن موضوع الفيلم”، ومعنى ذلك أن كمال الشيخ، وقد ذكر ذلك هو نفسه أكثر من مرة فى لقاءاته، لم يكن يرى أن التشويق والإثارة نوعا سينمائيا فحسب، ولكنه كان يراهما بالأساس طريقة فى السرد، وعرض الموضوع، أيّ موضوع، أو القدرة على الإمساك بما يثير الإهتمام والتشويق فى أى حكاية، سواء كانت إجتماعية أو سياسية أو نفسية .

التكثيف والاقتصاد

محمود مرسي

التشويق عنده طريقة للعرض والسرد، وقدرة على التكثيف والإختصار، واقتصاد مذهل فى تقديم كل ما هو ضروري ومثير للإهتمام، ويمتد ذلك بالتأكيد الى تنفيذ السيناريو، حيث الإيقاع المشدود، والتوظيف المحسوب للموسيقى، والإستغناء على أي زيادات عاطفية ، أو عن أي ثرثرة كلامية.

يفترض أن كل فيلم عموما يريد أن يعرض موضوعه بشكل مشوق، هذا أمر من البداهة بحيث لا يحتاج الى مناقشة، ولكن سينما كمال الشيخ تزيد من هذه الجرعة، بل وتدفع عناصر إضافية تجعل من التشويق وسيلة وغاية فى نفس الوقت، فيمكن بسهولة ملاحظة هذه الأزمات التى تظهر كل فترة من زمن الفيلم، حتى فيما يتعلق باستلهام روايات معروفة مثل “ميرامار” لنجيب محفوظ، و”الرجل الذى فقد ظله” لفتحى غانم، بحيث يبدو السرد كما لو كان أزمات متصاعدة، ضمن بناء متماسك ومحكم للغاية.

 يمكن القول إن كمال الشيخ قد استعار طريقة الفيلم البوليسى فى البحث عن الحقيقة لكى تكون عنوانا على السرد السينمائى، فحتى لو لم تكن هناك جريمة ومجرم، فإن هناك من يقوم بدور اكتشاف الحقيقة، من خلال المعلومات، وكأنه يستعير دور المحقق البوليسي.

 هذه المهمة يقوم بها مثلا الطبيب (أحمد مظهر) في فيلم “الليلة الأخيرة” لمعرفة سر صديقته نادية التى لا تعرف هويتها، وهذا الدور يقوم به الطبيب النفسي (محمود المليجي) في “بئر الحرمان” لمعرفة سر الفتاة متعددة الشخصية، وهذا الدور يلعبه رجل المخابرات (محمود ياسين) في “الصعود الى الهاوية” لمعرفة سر الجاسوسة عبلة، وهذه المهمة يقوم بها الصحفى (نور الشريف) في فيلم “قاهر الزمن” لمعرفة سر الفيلا الغامضة، وتجارب العالم الدكتور حليم المريبة على البشر.

بديل المحقق

أما في فيلم “الخائنة” فإن مهمة بديل المحقق البوليسي فى جمع الأدلة، وكشف الحقيقة، فيقوم بها المحامى أحمد سلام ( محمود مرسى)، سواء فيما يتعلق بموقف موكلته المتهمة بالخيانة والزنا ( ليلى طاهر)، أو فيما يتعلق بالشك حول خيانه زوجته إلهام ( نادية لطفي)، ومعرفة الطرف الآخر للخيانة.

لسنا إذن أمام فيلم بوليسي كما تصور البعض بسبب استعارة طريقة التحري البوليسية، والرغبة في معرفة الفاعل، ولكننا ببساطة أمام قصة إجتماعية بحتة عن الخيانة الزوجية، استعيرت لسردها أدوات الفيم البوليسي، لجعلها أكثر تشويقا وبراعة، ورغم أننا نبدأ بمحاكمة رجل متهم بمحاولة قتل زوجته التى يتهمها بالخيانة، وننتهى بموت إلهام بطلة الفيلم برصاصة أطلقتها على نفسها، إلا أن كل ذلك لا يجعل من فيلمنا عملا بوليسيا، بل يظل من حيث الموضوع عملا اجتماعيا يدرس أبعاد  خيانة الزوجات قانونيا وعاطفيا ونفسيا.

هناك عنصران فيما أعتقد يحسمان موافقة كمال الشيخ على تقديم أيّ فيلم: الأول هو تحمسه للفكرة وللموضوع، والثانى مدى قابلية الفكرة أو الموضوع بأن يسردا بشكل مشوق ومحكم، وهذا ما توافر في قصة إبراهيم الورداني، التى أعد عنها فيلم “الخائنة”، والورداني ليس كاتب قصص بوليسية، ولكنه يهتم فى أعماله بالتشريح النفسي والإجتماعي لشخصيات مأزومة، واقتبست السينما له أعمالا في هذا الإطار، من أشهرها فيلم “حافية على جسر الذهب”، المقتبس عن قصة استلهمها الورداني من  قصة اكتشاف المخرج أحمد سالم للممثلة كاميليا.

أما كاتب السيناريو  لفيلم “الخائنة” فهو عبد الحي أديب أحد أسطوات كتابة السيناريو في السينما المصرية، وهو يمتلك حرفة الكتابة المشوقة منذ عمله المبكر والأشهر ” باب الحديد”، مما يحقق السرد المشوق المطلوب، ولكن أديب اشتهر أيضا بقدرته على تحليل العواطف والرغبات، والإهتمام بالعلاقات الإجتماعية، مما يجعله قادرا على ترجمة كل ذلك في موضوع اجتماعى وعاطفى ونفسى بالأساس، والواقع أن سيناريو “الخائنة” من سيناريوهات عبد الحي أديب الذهبية والكبيرة، فلم يفلت أبدا عنصر التشويق، ولم يتنازل أبدا، في نفس الوقت، عن رسم الشخصيات بقوة وبراعة، ولا عن قضيته الإجتماعية والقانونية والإنسانية.

وقام بكتابة الحوار موسى صبري، وهو محام وصحفي وكاتب رواية، وكلها عناصر مهمة فى الكتابة، لأن هناك جوانب قانونية يعبر عنها الحوار، ولابد أن يكون للكاتب حس الأديب فى التعبير عن المواقف المؤثرة بين أحمد وزوجته إلهام، وقد تحقق ذلك الى حد كبير في حوار الفيلم.

حبكتان مركّبتان

 ليس سهلا أبدا كتابة السيناريو لقصة من هذا النوع، لأننا فى الحقيقة أمام حبكتين مركبتين: قصة المحامى الناجح أحمد سلّام الذى يدافع عن امرأة يتهمها زوجها بالخيانة والزنا بعد أن حاول قتلها، وهى قضية علية شكري ( ليلى طاهر)، وهناك بعض المصادر التى تتحدث عن أن اسم الفيلم كان أصلا ” قضية علية شكري”، مما يدل على أن هذه القصة فى أهمية قصة أحمد وإلهام.

أما الحبكة الرئيسة فهي بالطبع حكاية شك أحمد سلام المحامى فى زوجته إلهام، التى تتلقى تليفونات من شخص تعرفه، مما يؤكد أنها خائنة فعلا، وقصة علية شكري ترتبط بقصة إلهام من خلال أحمد وتحولاته النفسية، حيث ينقلب، تأثرا بشكوكه في زوجته، الى رفض الدفاع عن علية شكري، بل ويحصل على ما يعتقد أنه يمكن أن يثبت أن علية شكري خائنة فعلا لزوجها الذى حاول قتلها.

نكتشف ببراعة أن الفيلم، وإن كان يركز على حكاية إلهام وأحمد، إلا أنه يتحدث عن حالتين للخيانة الزوجية يربط بينهما المحامي أحمد سلّام، والزوج أحمد سلاّم، وفى الحالتين يبدو تعاطف الفيلم مع المرأة مكتسحا، ففى قضية علية شكري، يرفض المستشار فخري ( حسين رياض)، منطق تلميذه المحامي أحمد فى أن العثور على صورة ل علية وهي تقبّل رجلا، لا يعنى أتهامها بالزنا، الذي يتطق شروطا قانونية وشرعية صعبة.

وفى حالة الزوجة إلهام فإن الفيلم يتعاطف مع الفراغ الذى تعيش فيه، ويميل الى مسؤولية الزوج لا نشغاله عنزوجته طوال الوقت، بل ويبرز الفيلم مقاومة الزوجة لفكرة الخيانة، وشعورها العميق بالذنب، ورغبتها في ألا يضيع زوجها مستقبله بقتلها، لذلك تقتل نفسها فى النهاية.

ومثلما نسير خطوة بخطوة في حكاية علية شكري وزوجها، نسير بنفس الطريقة في حكاية أحمد وإلهام، وبطريقة مشوقة للغاية، حيث يعتمد الفيلم على شريط مصور لرحلة ال الفيوم، تظهر فيه إلهام مع عشيق افتراضي لا نراه، فيبدأ الزوج أحمد فى التحري حرفيا، مع جمع القرائن، ومتابعة أصدقاء الرحلة من الرجال، وتحديدا المحامى شاكر (عمر الحريري)، والطبيب النفسى عادل ( عادل أدهم)، والشاب يوسف ( يوسف شعبان)، قريب الزوجة الذى كان يريد الزواج منها قبل أن يتقدم لها أحمد، وشخصيات الثلاثة مرسومة باتقان، وأسندت لممثلين كبار ومميزين، وهو أمر غير مألوف في الأدوار المساعدة فى أفلامنا المصرية.

المكالمة الغامضة

وبينما تعبر نادية لطفى بقوة عن مشاعر زوجة محرومة ومأزومة وحائرة، ويعبر محمود مرسى باقتدار عن لحظات الألم والشك والعذاب بعد أن اختلطت لديه الأمور، وبعد أرّقته الهواجس، فإن اتصالا تليفونيا متكررا تتلقاه الزوجة من صوت لا نعرفه يدفع الأمور في كل مرة ناحية الذروة، وهو نفس الصوت  الغامض الذى سنسمعه بعد اصابة الهام في المشهد الأخير، مما يبرئ ساحة شاكر ويوسف اللذين اعتقد أحمد أن أحدهما هو الذى يخونه مع زوجته إلهام.

 هذا الرجل صاحب الصوت، والذى تختلف نبرة صوته عن كل رجال الفيلم، هو الذى جعل سؤال :” من الفاعل الذي ارتكب الخيانة مع إلهام؟” مفتوحا وبدون إجابة حتى اليوم، وهو أحد أفضل وأذكى تصرفات الفيلم، سواء كان جزءا من القصة التى كتبها الورداني، أو كان إضافة من السيناريست عبد الحي أديب.

وجود هذا الصوت الغامض، واستمراره غامضا بدون تعريف، حقق أكثر من هدف بخبطة بارعة، إنه كما تقول عنه إلهام في اعترافها الأخير قبل الموت صوت لرجل لا يهمها أمره، ولم يكن يعنيها على الإطلاق، ولكنه البديل الذى سقطت فيه بسبب حياتها الفارغة، هو” لا أحد” على المستوى النفسى والعاطفى بالنسبة لها، واسمه ليس مهما على الإطلاق، لأن موضوع الفيلم والأزمة، ليس ” مع من خانت إلهام زوجها؟”، ولكن “لماذا خانت إلهام زوجها؟”.

 هوية الاسم لا تعنى شيئا طالما أن الزوجة قد سقطت، بل لعل معرفة الزوج بالاسم والصفة والمهنة سيضيع الزوج بقتل الخائن، مثلما أضاع الزوجة بسقوطها، وهذا ما تقوله إلهام فى كلماتها الأخيرة: لقد خانت، فانتقمت من نفسها بنفسها، بدلا من أن يقتل أحمد عشيقها، فتدمره مرتين: مرة بخيانته، ومرة بقتلها وقتل عشيقها، هو المحامى الذى لم تخذله العدالة أبداكما يقول في أول الفيلم والذى كان يدين  في مرافعته رجلا حاول قتل زوجته.

صوت جرس التليفون، وهو أول صوت نسمعه في تترات المقدمة البديعة، التي صممها مهيب، والتي تحاصر إلهام وأحمد بالمستطيلات السوداء، يحمل صوتا  لشخص ما، يؤدى تجريده وغموضه أن يكون رمزا لصوت الخيانة عموما. سيكون موجعا بالتأكيد لو كانت الخيانة قادمة من صديق، ولكنها في حد ذاتها أخطر من شخص بعينه، إنها البديل المتربص لفراغ الزوجات ومللهن، والوسواس المجرد الذي ينتظر فرصته حتى تقع الفريسة، ولا ننسى أن صاحب الصوت أوهم إلهام أن زوجها أحمد يخونها، ولا ننسى أن علية شكري ربما استقبلت جرسا وصوتا مماثلين، قبل أن تتهم أو تحصل على لقب الخائنة.

يوسف شعبان ونادية لطفي في لقطة من الفيلم

استخدام الماكجافن

أما الإستخدام الأهم لصوت الرجل الغامض القادم من التليفون فهو دفع الدراما للأمام، وزيادة عنصر التشويق الى ذروته، مما يجعل هذا الصوت أحد أفضل عناصر تكنيك “الماكجافن” في تاريخ الفيلم المصري عموما، وهذا التعبير العجيب كان يستخدمه هيتشكوك للحديث عن العنصر أو العناصر التى تدفع السرد الدرامي، وهى عناصر تبدو تافهة أو هامشية، ولكن لولاها ما تصاعدت الأحداث، أو لتوقفت إثارة الفيلم.

يروى أن عبارة “ماكجافن” ووردت قديما فى نكتة تعبر عن دور الكلمة في إثارة اهتمام وتشويق السامع، فقد سأل أحدهم صديقه :” ماذا يوجد فى هذه الحقيبة؟”، فرد عليه : ” فيها ماكجافن”، فرد الرجل:” وما هو الماكجافن هذا ؟”، فقال الصديق: ” هى آلة أصطاد بها الأسود فى جبال اسكتلندا العالية”، رد الرجل مندهشا : ” ولكن لا توجد أصلا أسود فى جبال اسكتلندا !!”، فقال الصديق مستدركا: ” إذا لم تكن هناك أسود هناك، فلا أهمية إذن للمكاجافن ! ” .

معنى الكلام هو أن “الماكجافن” حيلة درامية تدفع الأحداث، وتثير التساؤلات، بل إن فيلما من أعظم أفلام السينما العالمية وهو “المواطن كين” قائم كله على “ماكجافن” فريد هو كلمة “روزبد”، آخر كلمات المليونير تشارلز فوستر كين، والتى يبحث الصحفيون عن معناها طوال الفيلم، من خلال مقابلات مع شخصيات عرفت كين، وفي المشهد الأخير يعرف المتفرج معنى “روزبد”، ولا يعرفه الصحفيون أبطال الفيلم.

أقول إن الصوت الغامض القادم فى التليفون  فى فيلم “الخائنة” هو أشهر وأذكى “ماكجافن” في فيلم مصرى: لأنه دفع الأحداث فى اتجاه التصاعد، ودعم الشكوك بخيانة إلهام، وزاد من حيرة الزوج أحمد، حتى بعد موت زوجته الخائنة، وسنراه فعلا معذبا ، وبجواره مربع أسود، فى آخر لقطات الفيلم، بل إن هذا “الماكجافن” ليس تافها كما فى أفلام كثيرة أجنبية، ولكن يصل الى مرتبة الرمز كما شرحت، وهو ينفى عن الفيلم شبهة النوع البوليسى، الذى يحتم على صناعه، أن يجيبوا على سؤال :” من الفاعل؟”، إنه فيلم اجتماعي، استخدم آليات الفيلم البوليسى المشوقة، وموضوعه “لماذا تخون المرأة؟”،  وليس “مع من تخون المرأة؟”

وهل يتناقض أن أعرض أسباب الخيانة وأكشف فى نفس الوقت عن هوية الخائن؟ لا يتعارض أبدا،  ولكنه سيجذب انتباه المتفرج الى  عنصر غير مطلوب، ويمكن أيضا أن يحقق راحة غير مطلوبة للبطل الذى يجب أن يظل مؤرقا بمشكلته، ومعاقبا بالقلق والشك، لأن الفيلم يعتبره من أسباب الماساة، وسيحقق راحة غير مطلوبة أيضا للمتفرج، الذى يجب ألا ينام مطمئنا بمعرفة الخائن وهويته، فيصبح في كل زاوية رجل خائن، ومتربص محتمل، طالما أن الأزواج لا يشعرون بزوجاتهم.

فيلم “الخائنة” يسيطر فيه كمال الشيخ روحا وأسلوبا وتشويقا على كل عناصره، من عناوين المقدمة حتى النهاية، بل ومنذ العنوان “الخائنة” الذى يقدم حكما قاطعا على بطلتيه ، ثم يتحداك ألا تشاهد الفيلم، انتظارا لكى تعرف المزيد، وفي الفيلم تتضح قدرة الشيخ  على اختيار المملثين، وإدارتهم بالذات فى منزل أحمد الذى تقع فيه معظم الأحداث، وقدرته أيضا على توظيف الموسيقى، وفى ضبط إيقاع السرد، من خلال مونتاج شقيقه المونتير القدير سعيد الشيخ.

 الأستاذ كمال هنا فى ملعبه تماما، بعد أن انضبطت الحبكة على الورق، هناك مسدس، وزوجة خائنة، وشروع فى القتل، ومع ذلك فالحكاية اجتماعية بحتة، عن محام خسر قضيته معها كما تقول إلهام لأحمد، بل إنه خسر قضيتين وليست قضة واحدة: قضية علية شكري، وقضية زوجته إلهام.

هذا فيلم تسقط فيه المرأة، ولكنه يقول إن الرجال مسؤولون عن هذا السقوط، والأهم من ذلك أن الفيلم الذكى يسقط تماما أسطورة سؤال “من الفاعل؟”،  لصالح تحليل فعل الخيانة نفسه، وقد نجح في ذلك نجاحا عظيما.

Visited 239 times, 1 visit(s) today