أفكار حول تعليم السينما

رومان بولانسكي رومان بولانسكي

كليات ومعاهد كثيرة منتشرة في دول العالم، أعدت لتعليم السينما،بمستويات متدرجة منهجيا، (الدبلوم والبكالوريوس والماجستير والدكتوراة وما بعدها)، وبمستويات متفاوتة ومختلفة،مع وجود بون شاسع بين هذه وتلك

وأحيانا تشترك وتتشابه في بعض المفردات والمناهج التعليمية النظرية بل وحتى التطبيقية، وخيار تعليم السينما معرفيا وحرفيا، ليس ضمانا حتميا لخلق سمة مخرج أو كاتب سيناريو أو مصور أو ممثل أو مونتير وغير ذلك، وإنما تعتمد على مهارات وقدرات الطالب وما يتمتع به من مواهب وسمات فنية متفردة عن سواه، فضلا عن مدى عمق الاستفادة من حصة التعليم التي ياخذها بشكل جاد.

وتعد فرصة التعليم، مناخا مثقلا بالوعي والمعرفة والاطلاع والتطبيق وتنوع مفردات المنهج واحتكاك مباشر بتجارب فنية  مختلفة، غالبا ما تكون هي نقطة الانطلاق لهذا الفنان أو غيره.

بيد أن العديد من المخرجين والكتاب والمصورين والممثلين والمهارات الفنية الأخرى قد أثبتوا جدارة  فائقة وشهرة مرموقة في العمل الابداعي، بعد تعويض مستوى تلقي المعارف والثقافة الفنية باطلاعهم الشخصي، رغم عدم حصولهم على فرصة التعليم هذه.

وكذلك يوجد في اغلب جامعات وكليات ومعاهد السينما في العالم، عددا من الأساتذة المختصين بالتعليم فقط، دون أن يتقربوا من الميدان، وهناك أيضا بعض الاساتذة الذين يعملون في حقل التعليم، ولكنهم  مخرجون معروفون، لهم نتاجاتهم السينمائية المعروفة.

وفي اطار ذلك، لا يمكن الاستغناء عن المناهج التي تقدم  الدرس الأكاديمي الذي يقربك من الحرفة ويجعل منك”طالبا أو باحثا سينمائيا فاعلا”  في وسط الميدان، مع الكاميرا، في الاستوديو، في غرفة المونتاج، والملحقات اخرى، فمناهج التعليم السينمائي  متعددة، تقود لتنمية الفكر المرئي القائم على أهمية فلسفة الصورة في تجسيد الافكار والقصص، وأغلبها تتضمن تاريخ السينما ومدارسها واتجاهاتها واساليبها وحرفيات العمل السينمائي بكل أدواته،وكذلك الأبصار الفكري في نظريات الفيلم وعصر الحداثة وما بعدها وما وراء ذلك من فضاءات قادمة.

وهناك دراسات متعددة في السينما تتوغل إلى مديات ابعد بكثير من الحدود المرئية، فقد ذهبت عبر المذاهب الفنية، مشارف خارج الإطار الذهني، ناقشت كثيرا في الجزئيات الدقيقة ودورها الكبير في تمثيل الكل، وكذلك عن الفكر التقني السيبراني وقدرته في التاثير الذهني المرئي، وعن حدود مساحة المجتمع الشبكي، ومتى يبدأ عصر نهاية الخصوصية، وعن فلسفة الصورة المتخيلة وسيادتها في منافذ الوعي، والإدراك، وما ينجم عن مركب الدلالات.

وكذلك مستوى الصنعة التقنية الرقمية في الفيلم قياسا إلى الرؤية الابداعية،والى اي مدى يمكن الفصل بين العقل والالة؟

وهل ان التوظيف التقني الرقمي المتطور يأخذ من جرف الإبداع؟ وتساؤلات جمة تمحورت حول سؤال أين يكمن الابداع، وهل ان اللقطة هي كالخلية وكائن حي في الجسد السينمائي؟

وهل بالامكان تخمين، ما هو مصير السينما مستقبلا؟ نحن ندعو إلى دراسات وبحوث تحمل افكارا ومقترحات تعظم من قيمة الحقل السينمائي وتعمل على تطويره، دون أن تحفظ في أتربة الإدراج، ذلك الذي يعزز من قوة و فاعلية العلاقة المشتركة بين مؤسسات التعليم وبين المؤسسات السينمائية المختصة، ومن الشائع في مدارس السينما، تتضمن المناهج التعليمية، مفردات عديدة مختلفة منها، طرق دراسة الاخراج السينمائي وعناصر البناء الفيلمي، وجماليات الاخراج، وتقنيات وتطبيقات وجماليات فن التصوير والتصوير الرقمي وكذلك عن فلسفة السرد والتقنيات السردية، مرورا بفن كتابة السيناريو، وأساليب وتقنيات المونتاج الرقمية الحديث.

فيما تذهب حصص أخرى مهمة أيضا عن الاساليب الحديثة للإنتاج السينمائي، مع الاهتمام الواضح بفلسفة الفن وعلم الجمال، وعلم نفس السينما وعلم السيمياء وعلم السرد،،وكذلك الحصص التطبيقية للمؤثرات الصورية وفن الكرافيك والحيل والخدع السينمائية، وتقنيات الحاسوب وغيرها من العلوم المجاورة والداعمة.

 وهناك بعض الكليات بحاجة كبيرة الى ان تضع في مخطط دراستها، فروعا إضافية، بتخصصات مهمة مثل الانتاج السينمائي، والتمثيل السينمائي، وفن كتابة السيناريو، والنقد السينمائي، والتي نجدها في هذه المؤسسة دون غيرها، كفروع مستقلة، يفضل ان تكون مدعمة بمناهج مستوفية وكوادر تعليمية مختصة وذات خبرة.

ورغم سعة انتشار هذه المفردات والحقول والمناهج، الا أن قيمة ورقي التعليم هنا، تعتمد بالدرجة الأساس على مستوى كفاءة المعلم وحجم الخبرة التي يمتلكها، والتي يجب أن لا تبتعد عن سمة “القدوة” في التخصص أمام الطلبة والباحثين، فضلا عن  ضرورة تطورفاعلية النظم التعليمية والمنهجية وكفاءة إدارتها، كي تقدم درسا أكاديميا احترافيا لطالب السينما.

هذا الطالب الذي يتوجب عليه تقديم مشروع اطروحته كفيلم قصير، يخضع لتقييم لجنة مشكلة في المنهج الدراسي،  وهنا لابد أن نسأل،هل أن افلام طلبة السينما في  المعهد أو الكلية “بكالوريوس” أو الماجستير أو الدكتوراة، على قدر من المعاييرالتي تضع الفروقات بحسب تطور المرحلة التعليمية؟، أم اننا قد نجد مثلا، أن فيلم طالب المعهد أو البكالوريوس أفضل بكثير من فيلم الدكتوراة؟

هذه مسالة لا تخلو من اشكالية، نحن بحاجة إلى معايير تعليم تعتمد الجهد الخالص للمتعلم دون أدنى انتحال أو مواربة أو مقايضة أو الجهد بالنيابة، ذلك ما يعتمد على دقة ورفعة النظام التعليمي للمؤسسة المعنية، كذلك نجد ثمة اختلاف واختلاف بين هذه المؤسسة وغيرها ،وبعض الكليات أو المعاهد، يصعب التسجيل فيها، لصرامة معايير القبول فيها والتي عادة ما تكون  ليست عابرة، فمثلا، لحد الان يشار إلى معهد ” س” السينمائي من أشهر معاهد السينما في العالم، وخريجوه من النجوم ” فلان وفلان” ، الذين لعبوا اشواطا مثيرة ومعروفة في إنتاج واخراج وتمثيل العديد من الافلام المهمة في العالم، فميلوش فورمان خريج مدرسة براغ للسينما، وجان جاك انود من معهد باريس ورومان بولانسكي واندريه فايدا  من مدرسة بولندا، واوليفر ستون من مدرسةنيويورك ودافيد فينشر من مدرسة انكلترا، وسكورسيزي خريج مدرسة ييتش في جامعة نيويورك التي أصبح استاذا فيها، وغيرهم، فيما بقيت بعض المؤسسات التعليمية السينمائية المنتشرة هنا وهناك، في إطارها التقليدي دون أدنى تحديث ومواكبة.

ونحن هنا يتوجب علينا، ان نتساءل، كيف تدرس السينما؟ ووفق اية اشتراطات ومعايير مجربة عالميا؟ ، وهل ان كليات ومعاهد فنون السينما، هي معنية بالانتاج السينمائي؟ وهل هي على قدر عال من المنافسة مع المؤسسات والشركات الانتاجية الأخرى؟ أم انها، ليست إلا مؤسسة تعليمية تطبيقية تجريبية؟

 وبحسب نظامها واختصاصها التعليمي وليس الإنتاجي، فكليات ومعاهد السينما ذات مسؤولية بث المعرفة وعلوم الجمال ودراسة حرفيات الاشتغال في الحقل السينمائي من الفكرة إلى الفيلم، والاشتغال على تفسير وأيضاح مستوى النص، والقدرة على قيادة الممثلين، وكيفيات التصويرواستخدام الاضاءة والإدارة الفنية، والمونتاج، والإدراك الحقيقي لمبدأ أن السينما هي صناعة، وان هناك ثمة اشتراطات ومواصفات خاصة بالتسويق فكريا وجماليا وغيرها، مرورا بالافكار  والمفاهيم والمبادى الأولية والحرفية  والسياقات المتبعة في اليات انتاج الافلام، وورش مشاهدة الافلام وتحليلها وكتابة النقد السينمائي عنها، ولكي تجعلها مؤسسة أكثر فاعلية، لابد أن تحول صرحها إلى ورشة دائمة في التعليم التطبيقي وكيفية بناء وصناعة الفيلم، وكيف نحسن التقاط اللقطة، وكيف نبني المشهد، ولابد أيضا من فتح منافذ التعاون والتبادل المشترك مع الخبراء المتميزين حرفيا في كتابة النصوص وفي الاخراج والتمثيل والانتاج والتصويروالاضاءة  والمونتاج والمكياج والديكور وغيرها من العناصر، وان تؤمن لديها ارقى وأحدث الأجهزة والمعدات المطلوبة في التدريب والتطبيق.

فليس صعبا على كلية أو معهد السينما مثلا، أن يستضيف كبار المخرجين أو المصورين اومصممي الاضاءة أو فني ماهر في المكياج وغيرهم، ومن المعروفين محليا عربيا عالميا، لتقديم ورش تعليمية وتطبيقية وللاستفادة من خبرتهم وتجاربهم وان تعمل على اشتغال نماذج فيلمية منتقاة ومعمولة بحرفية متقدمة، وبما يحتذى بها، وكذلك على المؤسسة التعليمية في اختصاص السينما أن تحدث الأجهزة والمعدات والاستوديوهات اللازمة للتنفيذ، لمساعدة الطلبة في تعليمهم كيفيات صنعة الفيلم، والإلمام بكل متطلبات ذلك، وان يعمل على تفعيل سبل التبادل والتعاون المشترك في الخبرة العملية والمعرفة الأكاديمية مع كليات ومعاهد الفنون باختصاص السينما وبما يحقق اسلوب التكامل وتبادل المنفعة، ولأجل تطوير الذائقة الجمالية لطلبة الاختصاص السينمائي.

ويفضل وضع برنامج شهري لعرض فيلم سينمائي اشتهر بمواصفات عالية، مع عقد جلسة نقدية وتبادل الآراء والتحليلات لدى الطلبة والأساتذة، في اطار تشريح الافلام، ومعرفة كيف تبني وكيف تصنع، وكيف نفهمها ونفسرها لاجل الحصول على المتعة والترفيه والمعنى، ويجدر بالمؤسسات التعليمية السينمائية والتلفزيونية أن تتمسك بخبرة كوادرها التعليمية ممن يجيدون فن اشتغال البرامج التلفزيونية والأفلام السينمائية، ولن تفرط بهم بوصفهم فنانين ماهرين في التعليم والتدريب.

وجميل جدا أن نحضى بتكليف الاساتذة المختصين بإلقاء محاضرة سنوية خاصة، عن أهم تطورات اختصاصه لغرض الاطلاع على أحدث التطورات الحديثة في الاخراج والكتابة والتصوير والمونتاج والمؤثرات وغيرها،.

ورغم سعة المعارف والأفكار والمفاهيم النظرية وتعدد الاتجاهات والأساليب الفنية، والنقدية، الا ان الحاجة الأهم هو التطبيقات المختبرية العملية وزج الطلبة بالعديد من الفعاليات والمشاريع المختلفة لصقل مواهبهم وتنمية قدراتهم.

ومعروف أن العمل السينمائي هو عمل ابداعي، يتطلب الموهبة والمعرفة وعدد من المهارات والقدرات، فضلا عن القدرة المتميزة في استثمار وتحريك المواهب والكفاءات الأخرى وتوظيفها في عمليات صناعة الفيلم، وبشكل يثبت حسن قيادة المخرج “الطالب” وحسن اختيار النص المهم، مع دقة اختيار الممثلين والمصورين وبقية العاملين.

هذا ما يمكن أن نراه، وقد نراه في زمن ما قبل كورونا، اما في مرحلة تداعيات كورونا التي نعتقدها حالة استثنائية،حالة قد عطلت الكثير من فرص العمل، فقد ذهبت الكثير من هذه الأسطر التي دونتها، تحت رحمة الممحاة، ولم تعد تحمل ما نطمح له، بفعل النظام التعليمي الإليكتروني، الذي يتطلب الكثير من الوعي والصدق والأمانة.

وكذلك تتطلب التقنيات العالية الكفاءة في بث شبكات وبرامج ومنصات الانترنيت العالية الكفاءة، في تداول مصادر المعرفة والمعلومات عبر البرامج المتطورة الامنة، وكذلك الحاجة الأكبر إلى ميادين التطبيقات العملية التي حرمتها لوائح وسياقات الحياة في ظل التباعد وعدم السماح للمجاميع في أداء الأعمال والواجبات التي بنيت على منظومة العمل الجماعي، وان العمل الذي نقصده لا يمكن أن يتم ويكتمل بأسلوب المراسلة أو عبر الهاتف والحاسبة، فهو، تمثيل واداء وتبادل مشاعر وانفعالات ومشاهد تحتمل التماس القريب، واستوديوهات ومنظومات مونتاج، وفرق تصوير واضاءة ومكياج، وجيوش وعوائل ومعارك و وغيرها من فرق الطلبة ومجموعات عمل متعددة.لا بد من الحاجة إليها في أجواء مناسبة جدا لتحقيق مهمة أفضل الطرائق المتقدمة في  “تعليم السينما”.

Visited 25 times, 1 visit(s) today