مقال رئيس التحرير: عام جديد وسينما جديدة
عام مضى محمل بكل أثقاله ومتاعبه ومعاناتنا جميعا معه.
عام مضى بكل ما حمل لما في بداياته من إشراقة عربية، أطلق عليها البعض “ربيع الثورات العربية”.. كانت تحمل لنا بشرى بتغيير عميق في جوهر الأنظمة الاستبدادية الحاكمة في المنطقة العربية منذ عشرات السنين.
هذه البشرى سرعان ما تحولت، بكل أسف وأسى، إلى حمامات دم ونزيف مستمر هنا وهناك، في ليبيا وسورية اليمن وأيضا، وياللمفارقة، مصر التي كانت المراهنة على تماسك وتلاحم الجيش والشعب فيها قد أيقظت الآمال في إمكانية تأسيس دولة ديمقراطية حديثة تليق بحضارة الشعب المصري وتراثه العريق، وتضرب مثالا في المنطقة.
لكن السلطة القائمة في مصر منذ 1952 تدافع عن امتيازاتها بكل جبروت، واضعة الدبابة أمام القلم، والسيف فوق أعناق الجميع، محاولة فرض مجموعة من الاصلاحات المحدودة في بنية نظام هش يعادي بطبيعة تكوينه وتشكيله، الجماهير الشعبية ولا يثق فيها. إنه يستخدم قوى اليمين الديني الغاشمة مرحليا قبل أن يعود لانقضاض عليها قريبا كما يتوقع الجميع، إذا ما أوهمت نفسها بأن السلطة قد دانت لها.
انتصرت الثورة في ليبيا وانتهت بسقوط الديكتاتور الذي لقي مصرعه بشكل مهين.
ولا تزال الثورة السورية تدفع ضريبة الدم يوميا ولا يبدو أن النهاية قد اقتربت بعد.
وفي اليمن يساوم الديكتاتور الشعب على خروجه دون أن يلقى جزاءه.
في تونس فقط ساهم الوعي وساهمت الحكمة لدى كل التيارات، في تحقيق نوع من الاستقرار نحو بناء الدولة الديمقراطية العصرية.
وكانت السينما العربية ضحية كل هذه الصراعات والاضطرابات المستمرة والممتدة.
صحيح أن الانتاج تراجع هنا وهناك، وأن النوعية الهروبية من الأفلام ربما ترتفع وتيرتها ويزيد عددها، لكن المؤكد أيض أن الثورة المستمرة التي لن تنتهي إلا بسقوط الأقنعة وتعرية الأنظمة القديمة، قادرة أيضا على خلق سينماها الجديدة، تلك السينما الثورية التي تأخر ظهورها في بلادنا أكثر من أربعين عاما.
في 1968 رفعت جماعة السينما الجديدة في مصر شعار تغيير السينما وسيلة لتغيير الواقع، وكان هذا في اعقاب الهزيمة المدوية في 1967، أي في خضم حركة رفض جماهيرية للنظام الشمولي لم تهدأ إلى أن أجهضها السادات باستخدام الجماعات التي تتسر بالدين، وتحمل الأسلحة البيضاء والسوداء في ساحات الجامعات والنقابات المهنية وغيرها، قبل أن تعود لتنقض على السادات نفسه فتقضي بتكفيره ثم قتله.
الآن لاشك أن حركة السينما الجديدة، في مصر وغير مصر، ستنطلق من بين جيل الفيسبوك أيضا، تماما كما كانت الانطلاقة الثورية نفسها، باستخدام طرق ووسائل تكنولوجية جديدة، وأساليب جديدة في الإنتاج والتوزيع والعرض والانتشار.
أي أننا على الرغم من كل مساحات التشاؤم البادية في الصورة حاليا بفعل مناخ التعصب والجهل والارهاب باسم الدين، وطغيان السلطة العسكرية وتمسكها بأهداب الأنظمة العتيقة البالية، إلا أننا نشهد مولد سينما جديدة تتراكم ارهصاتها هنا وهناك، تتجه جماعاتها للتوحد وتوحيد جهودها، واختراق منظومة الرقابة الاستبدادية وضربها إلى الأبد.
الثورة المستمرة معناها باختصار: سينما جديدة تظهر، تقاليد جديدة في الانتاج والعرض والتوزيع، جمهور جديد يقبل على أفلام مختلفة، وتحرر نهائي من الرقابة.
وليس لدينا أدنى شك من أن عام 2012 سيكون عاما فاصلا، في الثورة، وفي السينما.
وكل عام وأنتم بخير.