مقابلة مع المؤرخ السينمائي الأذربيجاني آيدين كاظم زاده
ترجمة: اكبر قاسم
الثاني من شهر أغسطس مسجل في التقويم الاذربيجاني”يوم السينما في أذربيجان” ويعود الفضل في ذلك الى جهود”آيدين كاظم زاده Aydın Kazımzada عالِما سينمائيا ومحققا سينمائيا شهيرا في بلاده، الذي استطاع ان يثبت ان تاريخ بداية السينما في اذربيجان قد بدات من ( 2 اغسطس 1898) خلافا لما يعتقد سابقا انه بادئ من سنة 1916.
هو من مواليد 1940، التحق بكلية الصحافة سنة 1958 وبعد اتمام الدراسة سنة 1963 اجتهد في ساحة السينما، وتاريخ السينما الاذربيجانية مدين بمجهوداته والآن يبلغ قرابة 60عاما يسعى في هذه الساحة.
هنا نص مقابلة معه:
* تقييما لوضعنا السينمائي الراهن- شئنا ام ابينا- لابد ان نلقي نظرة الى الماضي ولايمكن النظر إلى الحاضر بمعزل عن الماضي. لو لم ناخذه في الحسبان لما استطعنا فهم وضعنا العاهن. واقول بصدد المقارنة: كانت في الإتحاد السوفياتي السابق تصنع تسعة افلام فنية في كل سنة. كان هذا الخطة التي قد اعطتناها موسكو. واليوم افلامنا المصنوعة تكاثب 10 افلام توجد بينها افلام قصيرة الطول وحتى افلام متكونة من جزئين . لهذا حينما نقارن يمكن مشاهدة هذا الرقي في السينما الأذربيجانية الحالية. انا محللّا سينمائيا اود ان اتحدث بالمستندات والحقائق و لهذا اخذت الوقائع مأخذ العناية. حاليا يرصد للسينما سنويا اكثر من 6 ملايين مَناتا. في عام 1933 لم يصنع فيلم فني ولو واحد. علاوة على صنع الافلام توجد مسئلة اخرى وهي طاقم السينما، اكثرية المسنين من اعضاء الطواقم المحترفين الذين كاانوا يشكلون نواة السينما رحلوا عن الدنيا ،وهذا جعل يتحول الجيل الوسط في العهد السوفييتي الى جيل الكبار في العصر الحالي. بعد تفكك الحكم السوفييتي وما اعقبه من الفوضى والهرجلة، حدث في فترة الإنتقال فراغ في اقتصاديات السوق السينمائية وهذاالفراغ والخواء بدل ان يتسبب في ازدياد العاملين الموجودين في هذاالفن تسبب في نزوحهم عن الوطن والديار، وقد نعلم جليا ان السينما ليست مضمارا يتشكل من المخرجين والممثلين فحسب. ويوجد اناس في المجالات المختلفة من هذا الحقل من لا يكملون التحصيل الجامعي ويشتغلون بالعمل فيه وبعد 20- 25 سنة من العمل يصبحون من اساتيد هذا الفن. ومع تفرق هؤلاء وتبعثرهم تحول الجيل الوسط الى جيل الطاعنين في السن و هكذا حصل خواء يلوح بنفسه طيلة السنين الطويلة.
** كيف برأيك تحل هذه المسئلة؟
* إن شعبة صناعة الافلام في وزارة الثقافة والسياحة قد وجدت طريقة حل ملائمة. قد اُنشئ في فترة استوديو”دبوت Debüt ” ثم اغلق فترة من الزمن ولكنه حاليا قد اعاد نشاطه. في هذا الاستوديو الشباب يأخذون انفسهم مأخذ المِحك ثم تقدم لهم افلام كبيرة. لكن دخول مشروع “هذا الميدان وهذه الشاشة”حيز التنفيذ كان لنا نجاحا كبيرا في السينما لدينا، بانه جعل يتمكن اي شخص ان يكتب سيناريوا ويشترك في المسابقة بزمالة مراكز الانتاج واذا تلقى السيناريو قبولا فيجري افراد الميزانية له و يتم اسناد صنعه للشباب ايضا. وعبر هذا الطريق ذلك الفراغ الذي تحدثت عنه على بتات الردم والارتفاع. حاليا توجد مشاكل في السينما ولكنه لو نظرنا اليها من زاوية اخرى لتبين لنا ان مسالك ترقي السينما الأذربيجانية هي: في المرحلة الاولى الكوادر الفنية. في الحاضر ياتي صوت الشباب وأخبارهم من الدول الاجنبية.
كان فيما مضى ارسال افلامنا الجيدة الى خارج البلاد، بحاجة الى إذن من موسكو ولكنه حاليا يجيء صوت الشبان من امريكا وفرنسا، وقد تشارك افلامنا في مهرجان كان السينمائي. فيلم “القلعة qala “ لمخرجه “شامل نجف زاده”قد جرى ارساله لجائزة اوسكار وهذا انجاز كبير. ان حصول “روستم ابراهيم بَي اوف” على تمثال اوسكار قد أثار الشباب، وهو بالاعمال التي انجزته يقود ورائه الجيش الكبير للسينما ، والشباب خاصة ياخذون منه طعاما معنويا. ان مشكلتنا فيما اعتقد تكمن في عدم قدرتنا على الولوغ في الاسواق العالمية. لايوجد لدى اعضاء اتحاد الدول المستقلة اي اكتراث للسينما من جانب الحكومة والحال ان في أذربيجان ترصد الحكومة تسهيلات مالية لها و ليس هذا بعمل صغير.
من جهة ثانية لا تتمكن السينما العيش بالتمام على حساب الحكومة وليس بصحيح استمراره ايضا. نحن نسير باتجاه الرأسمالية، وكما ان الاستقلالية توجد في كل المجالات فقد تم تكوينها في مجال السينما ايضا،اذن نحن نحتاج الى مراكز الانتاج وهي واجب مجالٍ في السينما. الحكومة تطلب من مراكز الانتاج صياغة الافلام فتخصص لها الاموال، ويمكن القول انها تجعل المراكز تندفع. لكن المراكز عليها ان لاتتوقع وتترقب متصورةً ان الحكومة ستعطيني نقودا فأنا سأصنع فيلما ثم اسلمه لـ”مؤسسة خزانة الافلام”، سيجيء زمان يطالب من المراكز انما عليها ان تسترد على الاقل نصف المبالغ التي تم انفاقها لصياغة الفيلم لكي تُخصص ميزانية للافلام الاخرى وفي هذا المجال يجب ان نستفيد من التجارب العالمية واعتقد ان الامر هذا يجد عما قليل سبيله للحل.
** في بداية الحديث تحدثت عن انجازات الشباب والآن ننظر الى تجارب الدول المجاورة.. في إيران مثلا اكثرية الطلاب الذين يريدون الحصول على تخصص الاخراج السينمائي يدخلون الجامعة في الخامسة والعشرين من عمرهم، انهم يتعلمون الاختصاص بعد الخوض في العديد من تجارب الحياة المختلفة ولكننا لدينا الفتى الذي ينتهي من المدرسة يتعلم الاخراج من دون ان قد تعرف على الحياة. في رأيي مأساتنا الموجودة في السينما تبدأ من هنا. كيف ترى هذا الامر؟
*اتمام المدرسة الثانوية والقبول في اختصاص الاخراج في الجامعة، لايمكن لاحد التصىدي له وليس كارثة بالمرة ولكن لايمكن تسليم فيلم بديع لكل من حصل الشهادة الجامعية آنفا. انهم يحتم عليهم في البادئ ان يعملوا مساعدا ثم مخرجا ثانيا وهكذا. ان فنانين امثال”لطيف صفر اووْ”،”اجدر ابراهيم اووْ” سلكوا هذا المسلك. الطالب الذي ينهي كلية الطب لايتمكن ان يغدو جرّاحا على فوره ولابد عليه المرور بمراحل عدة، فالصنعة السينمائية هذه لابد ان تكون هكذا و يجتاز اصحابها مراحل مختلفة.
** انت تدرّس في جامعة الثقافة والفنون الجميلة، أ تجد في طلابها رغبة او عبرة بوتيرة السينما الحالية؟
*”إلدار قولي إوْ”،”اوغتاي ميرقاسم اووْ”،”أمين نوروز اووْ” والفنانون الآخرون يدرسون في الجامعة، وانهم -الى مدى ما اعلم- يستجلبون طلابهم الى افلامهم وهم يشاركون في صنعها بحماس.
**أ يوجد المستمرون فيه؟
*صارحتني ذات يوم احدى الطالبات انها تريد الاشتغال بتاريخ السينما فسررتُ بهذا، لأن الاشتغال بتاريخ السينما امر جدّ عسير. هذا يقتضي منك ان تجلس طوال اليوم تقوم بالبحث في الارشيف والمكتبات، وكلفتها بتوثيق المعلومات المتعلقة بتاريخ السينما من الصحف من عقد الثلاثينات، بعد مضي اسبوعين اتصلت بي الفتاة هاتفيا قائلةً: الاستاذ آيدين، لم أعد اذهب الى هناك، هذا ينرفزني بشدة. بيد ان في شتى القنوات الفضائية والنشريات المختلفة يعمل اساسا الخريجون الاذربيجانيون. عملية الدراسة والتحقيق عملية عصية، ولقد انفقت 7-8 اعوام من الوقت لكتابة تاريخ”إستوديو باكو السينمائي”.
**كم يتمكن من الدرجة من التاثير في سينما أذربيجان النقد السينمائي الحاضر ؟
*علم السينما ينقسم الى ثلاث ساحات: تاريخ السينما، نظريات السينما، ونقد السينما. “آيدين داداش اووْ” يكون عالما ممتازا في النظريات انضم اليه لاحقا “علي صفدرحسين اوو”، اما عن النقد السينمائي فليس له وجود، يوجد 3-4 من الشبان لكنهم ليسوا بقادرين على خلق معالم النقد السينمائي. ليس بالصدفة ان في الاجتماع الاخير لاتحاد السينمائيين تم استدعاء ناقد من موسكو من اجل خلق الملامح العامة للسينما في اذربيجان، هذا يعني انه ليس لدينا نقد السينما. يوجد بشكل رسمي عدة اشخاص ولكن لاتوجد بالفعل منتوجات نقدية. يُطلق اسم”عياض سالاي إوْ” في كل الامكنة ولكن العمل النقدي لايوجد في هذا الحقل. انا لا أرى ذنبا في عياض لانّ “النقد السينمائي واجه بسد اختراقه اصبح غير ممكن”.
**أين ترى المشكلة؟
*عندما يقال رأي ما عن فيلم ما –بصرف النظر عن صحة الرأي او سقمه- يُقابل صاحبه بالتهديدات. صناع الافلام ينزعجون انزعاجا شديدا من النقد ولا يستقبلونه بشكل سوي والطرف المقابَل يقف موقف الهجوم على الدوام. في سنة 1984 انعقد اجتماع عام بخصوص ترقي السينما السوفيتية في موسكو حيث قائدنا الوطني “حيدر علي إوْ” الذي كان يعمل في منصب المساعد الاول لمجلس الوزراء كان يحمل خطابُه في الاجتماع خصائص برنامجية. هذه المقولة يذكرها الفنانون البارزون في موسكو. في هذا الخطاب كانت لديه افكار جيدة عن النقد وهو يقترح استجلاب العالِم السينمائي حين عملية كتابة السيناريو، وهذا يعني ان السيناريو القوي يحزّ في تحقق الفيلم الجيد اي قوة السيناريو يؤثر في جودة الفيلم وكيفيته. وكما سبق وقلت يتقدم في الوقت الحالي شِقان من علم السينما، واما نقد السينما فباقٍ في مكانه كما كان.
** خزانة السينما في اذربيجان اهميتها واضحة امام العيون، ماذا ترى؟
*هناك في الفترة السوفيتية كانت قاعدة تقول: يجب عليك بعد انجاز الفيلم ايداع النسخة الروسية منه في أرشيف موسكو الوطني، ثم الفيلم نفسه يتم قبوله من جانب هيئة السينما القومية للاتحاد السوفيتي السابق. وحين نال اذربيجان استقلاليتها تم تاسيس المؤسسة الوطنية للافلام (خزانة الافلام الاذربيجانية) بمرسوم من ناحية الرئيس”حيدر علي إوْ”. تبوّأت المؤسسة ابتداء في قاعة الغلبة(qələbə) السينمائي لكن جراء عدم توفر الظروف الملائمة لم نكن قادرين على الحفاظ على اشرطة الفيلم كما نريد حفظها. تاريخ المؤسسة ينشطر الى مرحلتين: الاولى صالة الغلبة و المرحلة الثانية تحققت حينما صُهرج مبنى حديث للمؤسسة بمرسوم من “الهام علي إو” واليوم تحافظ الافلام هناك بظروف جد جيدة. وقد يتحول المكان الى معهد التحقيقات العلمية. وهنا في هذه الساحة يحسن التنويه بشكل خاص إلى اسم”جمال قولي إو” مدير المؤسسة بانه لكونه مخرجا سينمائيا يعرف قدْر الاشرطة وقدر المهنيون في السينما.
**كما اعلم انت تقوم بتهيئة موسوعة السينما..
*لم نكن لسنوات طويلة نستطيع ان نحضر ونستكمل موسوعة السينما الاذربيجانية جراء الظروف التي كانت لا تسمح لنا بانجازها ولكن حاليا متاحة جميع الظروف وقد أكملنا المجلد الاول منها وهذا حدث كبير بحيث يمكن الحصول منها على كل المعلومات السينمائية منذ نشأة السينما في اذربيجان الى يومنا هذا. الموتى والأحياء لاسيما اسماء الشباب يمكنك رؤيتها فيها وقد تواجه اشخاصا يجهل اسمائهم اهلُ السينما والحال انهم افنوا بحياتهم في السينما.
**هل جاءت اوقات سئمت فيها العمل في هذا المجال؟
في سنة 1963 دخلت السينما وفي 1966 اقتُرحت علي وظيفة جيدة ولكن السينما لم تأذن لي بالذهاب، بعد ذلك اعطيت نفسي قولا ان لا اتوجه الى اي مكان بحثا عن الشغل.والآن عمري مشرف على اكتمال السبعين، اتسائل ماذا املك انا؟ صرت انا لائقا بلقبَين من الشرف(الفخر)، لقب العامل الثقافي الكبير(2000) ولقب الخادم الكبير للفنون الجميلة(2005)، و بيت بغرفة واحدة وكرسيي وطاولتي وكتبي، هذا ما خولتني السينما من المكاسب وانا بالقطع لاأتاسف ولااحزن على ما اكتسبت، لقد اكملت المجلد الثاني من كتاب”السينمائيون الأذربيجانيون” وانهيت كتاب”جعفر جبارلي وسينما” و اقوم بالتدريس في السينما وكلفني رئيس التحرير المحترم بكتابة كتاب دراسي عن”تاريخ اذربيجان السينمائي” وفي الوقت العاهن اشتغل بجمع المواد المرتبطة به. اكتب ايضا كتابا عن مدير التصوير”كنان ممّد اووْ”. هذه الامور هي ما تنعشني وتجعلني انسى المشاكل الشخصية. ان شريكة حياتي تقول لي انك سعيد، فأسئلها لماذا؟ فتجيب لأنك لا خبر لديك عن مشاكل البيت،فاقول لو علمت بها فهل تنحل المشكلة؟ فلا تنحل . حينما اتذكر ما عملته من الاعمال احسبني سعيدا.
( المقابلة منشورة في صحيفة مدنية الاذربيجانية Mədəniyyət- 17-07-2009)