مغامرة غير ناجحة في “الرجل الذي قتل دون كيشوت”
” لقد ولدت بإرادة السماء الخاصة في هذا العصر الحديدي، لإنعاش عصر الفروسية الضائع، انا الرجل الذي تحجز له كل الاخطار، و المغامرات الكبرى، وايضا الاعمال الشجاعة، انا دون كيشوت دي لا مانش” هذه هي الكلمات التي اختارها سيناريست فيلم “الرجل الذي قتل دون كيشوت” أو The man who killed Don Quixote” المقتبس عن الرواية الكلاسيكية الشهيرة “دون كيشوت ” للكاتب الاسباني ثربانتس، لتكون العبارة الافتتاحية لفيلمه.
يدور الفيلم حول توبي ” ادم دريفر” المخرج السينمائي الامريكي الذي يعمل على فيلم يدور حول شخصية “دون كيشوت” ويتم تصويره في اسبانيا ولكنه يواجه بعض المشاكل في عمله، ثم يشتري بمحض الصدفة اسطوانة قديمة لاول فيلم قام بإخراجة منذ عشر سنوات كمشروع تخرجه من الجامعة وكان بدوره حول “دون كيشوت”. وبسبب ضعف الامكانيات اضطر توبي وقتها الي الاستعانة بالسكان المحليين لاحدى القرى الاسبانية كطاقم عمل للفيلم.
يعود توبي من جديد لنفس القرية التي صور بها فيلمه الاول ليجد ان صانع الاحذية العجوز “جونثن بريسي” الذي كان يلعب الدور الرئيسي بفيلم التخرج قد امضى العشر سنوات السابقه متقمصا شخصية دون كيشوت، يرى العجوز ان توبي هو “سانشو” المزارع الساذج ومساعده الامين، فيتورط توبي في مغامرات دون كيشوت القرن الحادي والعشرين.
الفيلم من اخراج تيري جيليام الذي كتب السيناريو والحوار بالاشتراك مع توني جريسوني، فعليا فان عمل جيليام في هذا الفيلم لنحو خمسة وعشرين عاما، فقد بدأ تصوير الفيلم عام 2000 وكان من المفترض ان يقوم بدور البطوله كل من جوني ديب وجان روشفور وفانيسا بارادي، ولكن مر الفيلم بالعديد من الازمات مما ادى الي تعطل التصوير، على مدار كل هذا السنوات كان جيليام يصارع من اجل تصوير وعرض فيلمه حتى ظهر للنور علم 2018، ولكن هل يستحق الفيلم كل هذا الجهد والعناء؟
من المفترض ان الفيلم يجمع بين الكوميديا والفانتازيا، لكن في الحقيقة ان السيناريو الذي يعتبر اهم عنصر في اي عمل سينمائي ضعيف للغاية، والمشاهد التي من المفترض ان تضحك الجمهور ضعيفة ولا تنجح حتى في انتزاع ابتسامة، بالإضافة الي التطويل والملل الموجودين بأحداث الفيلم، فقبل ان يصل توبي الي دون كيخوت سيكون الملل قد وصل اليك، المؤثرات البصرية بالاضافة الي التصوير وكادرات الكاميرا جيدة الي حد ما مناسبة للجو العام للفيلم.
بالنسبة لاداء الممثلين فإن ما اضاف بعض الجاذبية لروح الفيلم كان الاداء المميز وغير المفتعل لجوناثان برايس، اما آدم دريفر فإن اختياره لم يكن موفقاً، اداء غير جذاب وباهت يفتقر للحضور والكاريزما بالاضافه الي عدم القدرة على ايصال مشاعره او التاثير في الجمهور، فمثلا في مشهد موت دون كيشوت وبالرغم من انه كان من المفترض ان يكون المشهد الاكثر تاثيرا بالفيلم الا ان آدم دريفر لم يتمكن من ايصال المشاعر الموجودة بالمشهد للمشاهد، بالاضافة الي عدم وجود كيمياء حقيقية يمكن استشعارها بين توبي “ادم دريفر” و حبيبته انجليكا “جوانا ريبيريو”، او حتى توبي و صديقة دون كيشوت ” جوناثان بريس”، ويمكن القول ان اداء “جوانا ريبيرو” في دور “أنجليكا” كان جيدا.
الفيلم يفتقر الي المنطقية في بعض الزوايا، فمثلا “انجليكا” الفتاة التي احبت توبي وشاركت في فيلمه الاول منذ عشر سنوات حين كانت لاتزال في الخامسة عشرة، ثم هربت الي مدريد لتصبح نجمة سينما وعلاقتها برجل الاعمال الروسي المسيطر والذي يعاملها بإذلال و يعتدي عليها بالضرب، لا نعرف اسباب تقبلها لهذه العلاقة، كما ان علاقة رئيس توبي في العمل مع زوجته غير مقنعة، ففي بداية الفيلم نجد ان زوجة المدير تخشى انكشاف علاقتها مع توبي امام زوجها، ولكن في النهاية وبدون اسباب نجد انها لم تعد تخاف استعراض خيانتها لزوجها امام عينيه بطريقة هيستيريا وغير مبرره.
من الواضح ان صناع الفيلم كانوا يتطلعون الي انتاج مزيج من الكوميديا والنظرة الفلسفية والفانتازيا في قالب واحد، تماما كروح الرواية الأصلية وشخصياتها ولكن الحقيقة ان ضعف السيناريو وسطحية المشاهد الكوميدية وضعفها، وضعف اداء بعض الممثلين لم يمكنهم من الوصول الي هدفهم.
يحتسب للفيلم اختيار الازياء ومناطق التصوير التي كانت تخدم الجو العام للفيلم او روح الفيلم بشكل عام.
الفيلم يتأرجح بين الواقع والخيال أو الهلوسات، ولكن في بعض المشاهد يختلط الاثنان معا، وقد يكون هذا مقصودا، لكن كان من الافضل ان يحاول المخرج الفصل أكثر بين الواقع والخيال او بمعنى اصح التمييز بينهما بصورة اوضح، اي اظهار الواقع بصورة اكبر قبل الوقوع في هوة الهلوسات والفانتازيا.
الفيلم يعتمد على بعض المشاهد التي من المفترض ان تكون كوميديا لكنها وبشكل اساسي تعتمد على التمييز العنصري والنكات التي يمكن ان تمثل نوعا من العنصرية او التي يمكن ان تسبب نوع من الحساسية بشكل او باخر.