مارشيلو ماستروياني: كيف أصبحت مثل الحرباء؟
لا أعرف حقيقةً ما الذي يجعلني أستمر في التمثيل. أحياناً أشعر بالدهشة لأنني ما زلت هنا، في هذا العمر، أشارك في الأفلام كما لو كنت في بداية عملي الفني.
أنا أمثّل منذ أربعين سنة. ربما لم أوجّه عناية كافية إلى ما كنت أفعله. على أية حال، أنا لم أعش حياةً مدروسة ومحسوبة بدقة، وربما لم أتصرّف كمحترف. لم أواجه عملي – في السينما والمسرح – مثل حرفيّ حقيقي. عادةً أرمي نفسي نحو فيلم جديد كما لو أخوض مغامرة جديدة: لأنني أحب المخرج، لأنني أحب السفر إلى مواقع التصوير في الأماكن البعيدة.. خارج إيطاليا أو – على الأقل – بعيداً عن روما، ولأنني ميّال للتفاؤل. وأخيراً، فإن التمثيل مجرد لعبة.
الشيء المهم هو أن تعرف أي فصل من حياتك أنت تعيشه، وأن لا تحاول أن تبدو مضحكاً أو سخيفاً على الشاشة. ينبغي أن تكون واعياً للزمن الذي تعيشه، واعياً لصورتك. لكن هذا لا يعني أن تفكر في النتائج مسبقاً، وأن تجري حساباً لكل شيء، وأن توجّه حياتك ومهنتك مثل محاسب.
لقد بدأت أدرك هذا بعد أن شاركت في فيلم فدريكو فلليني “الحياة اللذيذة” الذي غيّر حياتي المهنية في مجال التمثيل. قبل ذلك لعبت أدواراً غير ضارة أو مؤذية في أعمال كوميدية لطيفة ومرضية، كنت فيها الشاب المرح السعيد الذي يسكن في الجوار، أو الذي يعمل سائق تاكسي، أو تلك الأعمال الكوميدية مع صوفيا لورين.
الحياة اللذيذة
لكن فيلم “الحياة اللذيذة” فتح أمامي أفقاً مهنياً أو إحترافياً واسعاً جداً. فقد بدأت أؤدي أدواراً مغايرة تماماً، كما هو دوري في فيلم أنتونيوني “الليل”. شخصيات ذات تنوّع وتباين، أقل نمطية وأقل تماثلاً مع بعضها. في “أنتونيو الجميل” أديت دور رجل عاجز جنسياً، وفي “الطلاق على الطريقة الإيطالية” كنت النقيض تماماً.. مجرم حقيقي، مستغل، ذو اهتمامات جنسية مختلفة.
لكنني لم أرسم خريطة لرحلتي، ولم أضع خطة دقيقة لمسيرتي الفنية. نظراً لامتلاكي خلفية مسرحية (عشر سنوات مع فيسكونتي وفرقته المسرحية) قبل التوجّه إلى السينما، فقد شعرت بالحاجة إلى التنوّع والإختلاف، أن أؤدي نماذج جديدة من الشخصيات.
أردت أن أكون مثل الحرباء، أغيّر لوني باستمرار، أدخل جلوداً جديدة وألبس وجوهاً جديدة. في السينما، هذا ليس سهلاً، لأن خاصياتك وسماتك الجسمانية مرئية بوضوح تام بواسطة الكاميرا، والجمهور يبدأ في التعرّف عليك حتى لو توغلت تحت بشرة شخصية جديدة.
تستطيع فقط أن تغيّر لون شعرك في الغالب، أو تضع شارباً أو لحية عدة مرات. في الأخير، الشخصية ليست شيئاً يمكن تحقيقه عبر التحوّل الجسماني فحسب. يتعيّن على التحوّل أو التغيّر أن يحدث في داخلك. على سبيل المثال، لم يكن بإمكاني أبداً أن أؤدي أدواراً كتلك التي كان يؤديها جون واين أو جاري كوبر أو كلارك جيبل.. سوف أبدو بالغ الحماقة والسخف وأنا على صهوة حصان في أحد أفلام الويسترن.
لقد اكتشفت بأن الجمهور يحبني ليس بسبب الشخصيات التي أمثّلها، وإنما لأن الشخصيات تتصل بذاتي. كانت تملك جزءاً معيّناً مني. شخصيات جون واين محبوبة لأنها تمثّل نموذجاً معيناً من البطل.. ذلك الذي لم يغيّر أبداً اللباس أو الحصان. وهو ليس النموذج الذي يعنيني أو يثير إهتمامي كممثل. مع ذلك، فقد كنت أرغب في أن يحبني الجمهور.. هذه الرغبة كامنة في شرايين الممثل ولا يمكن إنكارها أو إغفالها، وطبعاً هي تتصل بالضرورة الإقتصادية.
ربما ذلك هو التخطيط الوحيد الذي رسمته لنفسي: أن لا أقبل أدواراً هي خارج نطاق قدرتي.. جسمانياً وسيكولوجياً. كنت دائماً مدركاً لحقيقة أن حضوري على الشاشة لا يكفي وحده لأن يثبّت المتفرج في مقعده ويشدّه إلى الشاشة، كما هو الأمر مع حضور كلارك جيبل مثلاً، لذا قرّرت البحث عن طريقة أخرى أستطيع بها أن أشدّ انتباه الجمهور واحتفظ باهتمامه.
شخصيات متغيرة
إذا استطاع أولئك الممثلين تحقيق ذلك عبر تجسيد الشخصية ذاتها – البطل المحبوب الشجاع – المرّة تلو الأخرى، فقد حاولت تحقيق ذلك بطريقة عكسية: أن أتغيّر باستمرار.. أن ألعب شخصيات مختلفة ومتغيّرة. هذا ينسجم مع طبيعتي الخاصة، فأنا أحب أن أتغيّر، أن أكون مختلفاً في كل مرّة. التغيّر ساعدني على التغلّب على مشكلة ذاتية أعاني منها، وهي افتقاري إلى الشخصية القوية والمتماسكة في الحياة.
الجمهور أحب وجوهي العديدة، مع إنهم – في أحوال كثيرة – يزعمون (والمنتجون يدعمونهم في هذه النظرة) إنهم يحبون مشاهدة الشخصية ذاتها المرّة تلو الأخرى. بطريقة ما، أنا ربحت معركتي، فلقد أدّيت كل الشخصيات تقريباً: رجل حامل، مثليّ الجنس، سلسلة كاملة من الشخصيات العاجزة جنسياً، الرجل الذي يحصل على الإستثارة في الحب فقط وفي أوضاع بالغة الخطورة.
في أفلام فلليني أكون دائماً المثقف المشوّش نوعاً ما، المتخم بالتخيلات الجنسية الطفولية. في أفلامي مع صوفيا لورين أكون دائماً الضحية.
إنني أقبل هذه الأدوار لأنها تشكّل تحدياً لي.. حتى عندما لا يكون العمل كله مضموناً، أو تكون هناك تحفظات على قدرات المخرج. إن قائمة أفلامي لا تتألف من الأعمال الناجحة فقط، بل هناك الكثير من الأعمال المتوسطة.
أعتقد إنني شاركت في تمثيل 140 فيلماً.. لا أتذكّر، أمي اعتادت أن تحصي عدد الأفلام التي أظهر فيها، بعد وفاتها لم أهتم بإحصاء العدد وإنما صرت أعتمد على التخمين، وهناك الكثير من الأدوار الثانوية التي لم يستغرق تصويرها سوى أيام قليلة.
من أجل إشباع فضول الجميع، أكشف هنا سرّاً: أنا من مواليد العام 1924، في فونتانا ليري، الواقعة بين روما ونابولي. والآن، وقد أوشكت على بلوغ السبعين، أجد نفسي أعمل كما كنت أفعل حين كنت في الثلاثين.. لابد إنني معتوه.
ضد البطولة
طوال هذه السنوات لم ألعب أبداُ دور البطل بالمعنى التقليدي، بل بالأحرى أدّيت أدواراً تكون فيها تعقيدات الحياة ومشقاتها وأخطارها ومآزقها مقبولة ببساطة وحنوّ. لا أحب أن أبدو مدّعياً، لكنني فعلاً أميل إلى الشخصيات التي لها تخوم معيّنة، وتتسم بحالات ضعف، ولا تخرج من الصراعات منتصرة أو رابحة. هذا يتوافق مع شخصيتي في الحياة، فأنا لست من النوع الرابح والمنتصر في الحياة الواقعية.
شخصياً، أشعر بنفور من الأبطال.. إنهم أفراد تعوزهم حس المسؤولية. أنفر حتى من القديسين. كيف يمكن لكائن بشري أن يكون استثنائياً إلى هذا الحد؟ هل هذا يعني أنني، بالمقارنة معهم، شخص تافه، مجرد نفاية؟
الناس، في الحياة الواقعية، أكثر غموضاً وأكثر تعقيداً من القديسين ومن شخصيات جون واين. إنهم لا يستطيعون تعديل أوضاع العالم بالقبضة أو بإطلاق الرصاص.
مشكلتنا إننا نُحدث جلبة لا داعي لها بشأن كل شيء. نهتاج حول مسائل تافهة. يجب أن نكفّ عن ذلك. شخصياً، عندما يفشل فيلم لي، فإنني لا أتذمّر ولا أشكو، ولا أعاني من الأرق.. ذلك لأنني أدرك بأن ما فعلته كان مفيداً من بعض النواحي، وكما يقول المثل الإيطالي “من كل شيء تستطيع أن تعد الحساء”.
أحاول أن أكون صبوراً وحليماً. أن تكون لي فلسفة معيّنة بشأن الحياة، تقترب من فلسفة الشارع، حيث كل الرموز عرضة للهتك. أعتقد أن في البساطة، وفي النزوع الإنساني، أجوبة مفيدة لأولئك الذين يشاهدون أفلامي.. هذا ما أتمناه على الأقل.
وفيما تمضي السنوات، أجد أن خياراتي تصبح دقيقة أكثر. كنت على الدوام أرفض المشاركة في الأفلام الكبيرة، الأعمال الأميركية الضخمة، ذات الميزانيات الخيالية، ولهذا السبب إعتبرني أصدقائي مجنوناً.
مجازفة التمثيل
كنت أرفض الأفلام الضخمة، وأقبل المشاركة في أفلام صغيرة، حميمة، ذات تكاليف قليلة، والتي لا يمكن أن تنجح على الصعيد الجماهيري. المشاركة في مثل هذه الأفلام تعد مجازفة، لكنني تجاهها أشعر بالإعتزاز والفخر. خذ كمثال ذلك الفيلم الذي حققته في اليونان مع المخرج ثيو أنجيلوبولوس، The Beekeeper.. إنه فيلم لا يتوجه إلى الجمهور العريض.
الأفلام “الكبيرة” الوحيدة التي وافقت على المشاركة فيها، كانت أفلام فلليني.. لأنها ذات محتوى، ذات ثقل، ذات عمق. لكن، بوجه عام، أفضّل تلك الأفلام الصغيرة التي ينفّذها عدد محدود من الفنيين، من الأصدقاء، من الممثلين.. تلك التي لا تضع اعتباراً للإيرادات، والتي توفّر المتعة والبهجة لصانعيها. المشاركة في هذه الأعمال أشبه بالمغامرة التي ننخرط فيها بلذة.
لا أستطيع أن أرتبط بمشاريع مستقبلية. لا أحب أن أوقّع عقداً للتمثيل في فيلم سوف يُنجز بعد عام تقريباً. من يدري أين سأكون خلال هذا العام. لهذا أقبل الأفلام الجاهزة للتصوير بعد فترة قصيرة، وأرفض تلك التي سوف يتم تصويرها بعد فترة طويلة.. ففي هذه الحالة يصبح العمل واجباً، وظيفة، ويكفّ عن كونه مجرد لعبة. العمل السينمائي بالنسبة لي لعبة، والإنتظار لا يدخل ضمن شروط اللعبة، إنه ليس ممتعاً.
إنني أقبل ما تقدّمه لي الحياة بكل بساطة وبامتنان. لا شروط لديّ. أقبلها في الحال. الشيء ذاته يحدث في حياتي الخاصة. هناك أحياناً ترددات واعتبارات، أعرف ذلك. لكن إذا وهبتك الحياة أشياءً معينة، خذها واقبلها. إذا قدّمتلك الحياة امرأةً، فيلماً، مغامرة، لقاءً، طفلاً.. خذها كلها بلا تردّد. دعها تنخرط في الموكب، مع تلك الأشياء التي توفرت لك من قبل. لهذا السبب أجد نفسي في انسجام تام مع فلليني.. هو أيضاً لا يتردّد في قبول الأشياء التي تمنحها له الحياة. كل شيء بالنسبة لنا عبارة عن مغامرة، رحلة.. حتى الصداقة.
عن العمر والشعور بالوحدة
أنا لا أستطيع أن أبقى وحيداُ. حين أكون وحيداً، أدخل مجال العدم. لا أكون شيئاً على الإطلاق. هذا النهار شعرت بالضياع لأنني كنت عاطلاً عن العمل، عاجزاً عن فعل شيء، ولأنني كنت وحيداً. لكن الليلة سوف نخرج جميعاً ونتناول العشاء معاً. سوف نجلس حول طاولة كبيرة، نأكل ونضحك ونتحدث، أو يتندر بعضنا على البعض، ونلهو. المهم أن لا أبقى في العزلة، أن أكون مع الناس.
هناك العديد من الفلسفات والعقائد والنظريات، الإجتماعية والسيكولوجية، التي تؤكد على ضرورة أن يجد الفرد نفسه قبل أن يكون ذا نفع وفائدة للآخرين. أنا أرى العكس تماماً: عليّ أن أكون ذا نفع للآخرين قبل أن أجد نفسي، أو أستطيع أن أكون نفسي.
ربما هذا الموقف يتصل ببدايات تمثيلي في المسرح. كنت دائماً أمثّل. لم تمرّ عليّ لحظة لم أمثّل فيها.. حتى في مرحلة المراهقة، في الكنيسة، في المدرسة. بالطبع كنت هاوياً. في تلك الفترة، رغبت أن أكون مهندساً معمارياً، لكن منتجاً شاهدني أمثّل أيام الدراسة فقدّمني إلى لوكينو فيسكونتي الذي كانت فرقته المسرحية تحتاج إلى ممثّل في سنّي.
مثلت دور صديق البطل في مسرحية تنيسي وليامز “عربة إسمها الرغبة”. كان الدور مناسباً جداً لي، فقد نشأت في البيئة نفسها التي نشأت فيها الشخصية. والدي كان نجاراً. وأنا لم أتلق دروساً في التمثيل. كنت أمثّل ذاتي في ذلك الدور: الفتى الطيب المنتمي إلى الطبقة العاملة.
مع فيسكونتي
فيسكونتي أعجب بي كثيراً إلى درجة أنه حين أعاد تقديم المسرحية بعد عام، رشّحني للقيام بدور البطل ستانلي كوالسكي.
أعتقد إنني كنت محظوظاً.. ففي تلك الفترة، في 1950، كان مجرد الإنتساب إلى فرقة فيسكونتي حلم أي ممثل. بقيت معه لمدة عشر سنوات، خلالها قدمنا أغلب المسرحيات المهمة. تلك المسرحيات كانت مدرستي، وفيسكونتي كان أستاذي.
لا أظن إنني كبرت ونشأت على نحو ملائم. لهذا كنت أحاول أن أكون محور الإهتمام مثل الطفل. حين أشارك في فيلم، فإنني لا أهرع دائماً لمشاهدة نسخ التصوير اليومية، ذلك لأنني لا أريد أن أجازف بكراهية ما فعلت. من الأفضل أن تدفن رأسك في الرمال مثل النعامة.. وهذا ما أفعله في حياتي اليومية. أنا لا أميل إلى النظر إلى نفسي في المرآة. ربما يكون هذا نوعاً من الجبن، نوعاً من الخداع. أنا لا أرغب في معرفة من أنا ومن أكون.. في كل مرّة أقول لنفسي، غداُ سوف أذهب وأنظر إلى نفسي.
عندما يرفض شخص ما أن يكبر، فإن هناك مركّباً قوياً في الشخصية يدفعه إلى الرغبة في التمثيل. هذا بالطبع لا يعني أن الرغبة في التمثيل تقتضي بالضرورة الرغبة في عدم النموّ والنضوج. التمثيل يمنحك الفرصة لأن تلعب بدلاً من أن تعمل. الشخص الذي لا يثق في نفسه، ولا يثق في كونه مثيراً للإهتمام بالنسبة للآخرين، يجد في التمثيل وسيلة مدهشة لجعل نفسه مثيراً للإهتمام.
الممثل والشخصية التي يؤديها
في التمثيل أنت تنتحل هوية وذاتية شخص آخر، شخص من خلق الحلم، قادر أن يثير الآخرين ويبهجهم، وليس مضجراً مثلك. ومثل جميع الأطفال ترغب في أن تكون في قلب الأشياء، وأن تكون محور الإهتمام.. هذه الخاصية توجد في أعماق كل ممثل.
في التمثيل أنت تخفي ذاتك الحقيقية خلف كل تلك الوجوه الأخرى، وتدع الشخصية تحتلّك. إنك تشعر بالأمان والثقة حين تصبح شخصاً آخر لمدة ثلاثة شهور (فترة تصوير الفيلم) حيث الآخر يمتلك حيوية أكثر، وضوحاً أكثر، ثراءً أكثر. إن ذاتك الكئيبة تتوارى تحت الريش الفاخر للشخصية التي تؤديها.
ثمة خيط رفيع بين الكائن الحقيقي والشخصية التي يمثّلها. غالباُ ما أجد نفسي مغموراً بالشخصية النابضة بالحياة التي أؤديها. عندئذ أنتحل، تحت مستوى الوعي، بعض سمات الشخصية، سواء أكانت طيبة أم شريرة. لقد عانيت من عملية الإختفاء خلف واجهة الشخصية في حياتي الواقعية. كمثال، عندما تهجرني امرأة فإنني أؤدي دور الضحية ثم أكتشف في ما بعد أنني أؤدي دوراً.
من الصعب أن أحدّد الأشياء التي غفلت عنها أو قصّرت في أدائها.. لكن كان يمكن أن أكون أكثر وفاءً، أن أكبر على نحو طبيعي، أن أكون أكثر وقاراً، وأكثر شجاعةً. كنت دائماً أتحاشى اتخاذ مواقف تجاه القضايا المهمة. أبداً لم أسمح لنفسي بأن أكون ملتزماً. كنت دائماً أقف عند النافذة وأنظر إلى العالم وهو يعبر. يتعيّن على المرء أحياناً أن ينزل وينخرط في ما يحدث في الشارع، لكنني لم أفعل ذلك أبداً. لم يكن ذلك موقفاً نبيلاً، مع إن العالم استطاع أن ينحدر لوحده ومن دون حضوري.
العالم الجديد ليس مبهجاً. الإنحدار، في كل الدوائر، شيء لا يمكن تفسيره بالنواح والرثاء الذي يقدّمه كل جيل يعتبر الماضي أجمل وأفضل.. إنه أمر يتجاوز الرثاء والندم.
في يومنا هذا نصادف الكثير من السطحية، الكثير من المادية. ويبدو لي أن الأمور تزداد سوءاً في إيقاع سريع. وحده العمل في السينما، وفي المسرح، ينقذني بشكل أو بآخر: ها هنا نعيش في عوالم خرافية، خيالية. نعيش في بقعة آمنة، في قلعة حصينة، حيث لا يمكن للحياة الحقيقية أن تخترقها. في الخارج يوجد الجحيم، أما هنا – بحس نوستالجي ورومانسي – فنستمر في سرد القصص الجميلة.
المصدر:
Film Quarterly, Winter 1992/93
نبذة عن ماستروياني:
ولد في العام 1924، في فونتانا ليري، الواقعة بين روما ونابولي، وتوفى في باريس، في ديسمبر 1996
بدأ مسيرته السينمائية ممثلاً وهو في الرابعة عشرة من عمره، أما أول أدواره الرئيسية فكان في العام 1951، ولم يمض عقد من الزمن إلا وأصبح ماستروياني واحداً من أشهر الممثلين في السينما الإيطالية وأكثرهم موهبةً. تعاون مع كبار المخرجين في بلده مثل: فلليني، أنتونيوني، فيسكونتي، دي سيكا، إيتوري سكولا، بيترو جيرمي. وقد حاز على العديد من الجوائز العالمية
من أهم أفلامه: الحياة اللذيذة، ثمانية ونصف، الليل، الطلاق على الطريقة الإيطالية، يوم خاص، الأعين الغامضة.