للمرة الأولى فيلم فنزويلي يسرق “الأسد الذهبي” في مهرجان فينيسيا!
في واحدة من أكبر المفاجآت التي عرفتها مهرجانات السينما العالمية خلال السنوات الخمس الأخيرة على الأقل، أعلنت لجنة التحكيم الدولية التي رأسها المخرج المكسيكي الفونسو كوارون ،منح جائزة الأسد الذهبي الى الفيلم الفنزويلي الروائي “من بعيد” للمخرج لوزنزو فيغاس. وهذا هو أول فيلم من أمريكا اللاتينية يفوز بالأسد الذهبي في فينيسيا كما أنه أول فيلم من فنزويلا يشارك في مسابقة المهرجان العريق، وهو أيضا الفيلم الأول لمخرجه.
والفيلم من الانتاج المشترك مع المكسيك، وهو يروي قصة علاقة غريبة تنشأ بين رجل وحيد في منتصف العمر، وشاب صعلوك من شباب الأحياء الهامشية في كراكاس. في البداية يخضع الشاب لرغبات الرجل الذي يستمتع بمشاهدته وهو يكشف عن مؤخرته أمامه، فيتطلع إليه الرجل الذي ينتمي للطبقة الوسطى ويعمل في صنع الاسنان الصناعية، ويأخذ في ممارسة الاستمناء أمام الصبي، والأخير يستجيب لرغبات الرجل من أجل الحصول على المال.
صاحبنا يغدق بالفعل عليه، لكن الشاب يستنكر تمادي الرجل في رغباته، ويعتدي عليه بعنف شديد ويصيبه بجروح، يصفه بالشاذ المنحرف ويسخر منه ويهدد بفضحه، يسرق المال من بيته، لكنه تحت الرغبة في الحصول على مزيد من المال لشراء سيارة من صاحب الورشة التي يعمل فيها، يخضع مجددا لرغبات الرجل، وبعد أن يستمع لقصة طفولته ويعرف أنه أيضا قد عانى مثله من قسوة الأب، يتعاطف معه، ثم يقع تدريجيا في حبه فهو أيضا يبحث عم الأب الذي فقده في شخص هذا الرجل الذي يحبه حبا شديدا، إلى أن يصبح رفيقا له برغبته.
يعاني هذا الفيلم من ترهل السيناريو الذي يسير ببطء شديد، دون أن يحدث فيه أي تطور درامي حقيقي لأكثر من ساعة من زمن الفيلم، فالمعنى نفسه يتكرر من خلال تكرار المشاهد، فالرجل الذي يشتهي الفتى كثيرا يرفض تقاربه منه في الفراش، اكتفاء بالتطلع إليه (من بعيدـ أو من على مسافة- حسب عنوان الفيلم)، ورغم كل ما ينزله هذا الشاب بالرجل من قسوة وسوء معاملة، إلا أن الأخير يسامحه فهو يحبه تماما كما يحب الأب ابنه لكنه أيضا يشتهيه ويريده أن يصبح حبيبا له، وهو لا يقبل منه أي عطاء جسدي قبل وجود مشاعر، ولا يقبل تبادل الجنس معه سوى بعد أن يتأكد من وقوع الشاب في حبه. ولكن نهاية الفيلم تكشف عن تغلب الطبيعة الطبقية للرجل على نزواته!
فيلم تقليدي
بسبب تقليدية السرد والمعالجة السطحية للموضوع، لم يتوقع أحد من النقاد أو السينمائيين الذين تابعوا أفلام المسابقة الـ 21، فوزه بأي جائزة من جوائز المهرجان، خصوصا وأنه لا يطرح فكرة انسانية أو فلسفية كبيرة يمكن أن تثري نسيج الفيلم. إلا أن الواضح أن رئيس لجنة التحكيم المخرج المكسيكي الفونسو كوارون مخرج فيلم “جاذبية الأرض” (حصل على عدد من جوائز الأوسكار) ضغط على باقي أعضاء لجنة التحكيم من أجل منح هذا الفيلم الذي شاركت المكسيك في انتاجه مع فنزويلا، جائزة الأسد الذهبي، أرفع جوائز المهرجان، وهي جائزة لا يستحقها الفيلم بالتأكيد فقد كان هناك ما هو أفضل منه كثيرا!
لقطة من فيلم “من بعيد” الفائز بالأسد الذهبي
ولم يكن هذا الفيلم ضمن قائمة توقعات النقاد الايطاليين، ولا الاستطلاع اليومي الذي تنشره مجلة “تشياك” التي يصدرها المهرجان وتشمل تقديرات عشرة من نقاد العالم، ولا قائمة ترشيحات الجمهور من خلال عينات محددة تصوت يوميا!
ودارت معظم الترشيحات للفوز بالأسد الذهبي حول خمسة أفلام هي أولا الفيلم البولندي “11 دقيقة” للمخرج سوكوليموفسكي، والفيلم الفرنسي “فرانكفوفونيا” للروسي سوكوروف، والفيلم الايطالي “دم دمي” لماركو بيللوكيو، والفيلم البريطاني “الفتاة الدنماركية” لتوم هوبر، والفيلم الاسرائيلي “رابين: اليوم الأخير”.
والواضح أيضا أن كوارون ضغط أيضا ونجح، في منح جائزة الأسد الفضي التي تذهب عادة الى أحسن إخراج، إلى الفيلم الأرجنتيني “الجماعة” أو العائلة” The Clan لمخرجه بابلو ترابيرو، وهو الفيلم الثاني في المسابقة من أمريكا اللاتينية، وهو عمل جيد لكنه كان يستحق جائزة أحسن ممثل لبطله غليرمو فرانسيا الذي قام بدور أب لعائلة كبيرة، يتزعم عصابة تقوم باختطاف أفراد من الأثرياء واحندازهم في قبو بمنزل الاسرة التي يعلم أفرادها بالأمر ويشاركون فيه، ثم طلب فدية من أسر هؤلاء الأشخاص المخطوفين، والأب كان يعمل مرشدا للشرطة يتعاون معها في الوشاية بالمعارضين السياسيين إبان فترة الحكم العسكري الديكتاتوري في البلاد، وتستمر جرائمه بموجب صلاته الرسمية وتستر الأمن الخاص عليه مقابل الحصول منه على معلومات مفيدة لهم، ولكن الغطاء الأمني الذي يحميه يسقط عنه بعد سقوط النظام العسكري وتحول الأرجنتين الى دولة ديمقراطية في الثمانينيات.
وإذا كان من الممكن أن نفهم ذهاب هذه الجائزة الى الفيلم الأرجنتيني، إلا أنه لم يكن متوقعا أن تمنح لجنة التحكيم جائزتها للفيلم الأمريكي من نوع التحريك (انيماشن) “أناوماليزا”، للمخرج شارلي كوفمان، فهو رغم طرافته وبساطة فكرته ووضوحها إلا أنني شخصيا لم أجد أنه كان من المحتم أن يتم التعبير عنها من خلال الرسوم المتحركة بل وكان من الممكن أن يكون من خلال التمثيل المعتاد والشكل الكوميدي المعروف، وإن كان كثيرون قد رأوا أن الرسوم أكدت طرافة الفيلم وفكرته!
التمثيل
جائزة أحسن ممثل حصل عليها الممثل الفرنسي فابريس لوشيني عن دوره في بطولة فيلم “فار البحر” وهي جائزة ربما يستحقها الممثل عن دوره كقاض يقع في حب امرأة- طبيبة من أصل دنماركي شديدة الفتنة- كانت ضمن فريق المحلفين الذين ينظرون قضية رجل متهم بقتل ابنته الرضيعة. ورغم براعته في تقمص الدور إلا أن بطل الفيلم الأرجنتيني “العائلة” كان أكثر براعة وتألقا في دور الأب، وربما كان قد حصل عليها لو لم يكن الفيلم نفسه قد فاز بجائزة الأسد الفضي لأفضل اخراج.
وحصلت الممثلة الايطالية فاليريا غولينو على جائزة أحسن ممثلة عن دور البطولة في الفيلم الايطالي “من أجل حبك” للمخرج جيوسيبي غوادينو، وفيه تقوم بدور أم تعول ثلاثة ابناء منهم ابن معاق، تعاني من سوء معاملة زوجها الذي يمارس أعمالا غير قانونية، وسبق أن تعرضت للسجن لحماية شقيقها، وهي تتعرض الآن لاغواء ممثل مشهور يمثل فيلما في مدينة نابولي التي تنتمي اليها، وتعمل في موقع التصوير كمساعدة في تلقين الممثلين الحوار. وتمر بمرحلة صعبة للغاية في حياتها حيث عليها أن تحسم أمرها وتتخذ قرارا ينقل حياتها خارج تلك الدائرة الجهنمية. والفيلم لاشك يستحق مقالا خاصا.
فاليريا غولينو في لقطة من فيلم “من أجل حبك” الذي فازت عن دورها فيه بجائزة أحسن ممثلة
وكان كثيرون قد رشحوا جوليت بينوش للفوز بجائزة أحسن ممثلة عن دورها في الفيلم الايطالي “الانتظار” كما كنت شخصيا أتوقع أن تفوز بها الممثلة السويدية الجميلة أليسيا فيكاندر (سبق أن تألقت في فيلم “إكس ماشينا”) عن دورها في الفيلم البريطاني “الفتاة الدنماركية” لتوم هوبر، أو الممثلة الفرنسية الكبيرة كاثرين فروت، التي تألقت بشكل لافت، في الفيلم الفرنسي “مرغريت” في دور غير مسبوق، بل وكان الفيلم نفسه يستحق جائزة من الجوائز الرئيسية ربما كانت جائزة لجنة التحكيم الكبرى.
وفاز بجائزة مارشيللو ماستروياني لأحس ممثل ناشيء الممثل ابراهام عطا الذي قام بدور طفل مراهق يخوض الحرب الأهلية في دولة افريقية ويكتوي بينرانها ويتحول من الطفولة الى الرجولة، في الفيلم الأمريكي- البريطاني “وحوش بلا أمة” للمخرج كوجي فوكوناغا.
أما جائزة أحسن سيناريو فقد حصل عليها كريستيان فنسنو عن الفيلم الفرنسي “فأر البحر” وهو من اخراجه.
وحصل الفيلم التركي “فزع” الذي خيب آمال أغلبية النقاد للمخرج أمين ألبر، على جائزة لجنة التحكيم الخاصة. والفيلم من الانتاج التركي الفرنسي القطري.
مسابقة آفاق
أما بالنسبة لجوائز مسابقة قسم “آفاق”، فقد حصل الفيلم الأمريكي “متحرر من سند الملكية” للمخرج جاك مكافي عل جائزة أحسن فيلم.
وحصل المخرج البريطاني برادي كوربيت على جائزة الاخراج عن فيلمه “طفولة القائد” وهو انتاج مشترك مع المجر.
أما جائزة لجنة التحكيم الخاصة فذهبت الى الفيلم البرازيلي “ثور النيون” للمخرج غابرييل ماسكارو (مشترك مع أوروغواي وهولندا).
ومنحت لجنة تحكيم هذا القسم التي رأسها المخرج الأمريكي جوناثان ديم، جائزة لجنة التحكيم لأحسن ممثل إلى الممثل دومنيك ليبورن عن دوره في الفيلم الفرنسي “تيمبيت” للمخرج صامويل كولاردي.
وهكذا أسدل الستار على دورة سيئة لم تشهد عرض أي تحفة من التحف السينمائية الكبيرة التي تبقى في الذاكرة كما كان الأمر في العام الماضي مع الفيلم السويدي “الحمامة التي وقفت على غصن تتأمل الوجود” لروي أندرسون مثلا، بل وقد ضمت المسابقة أفلاما لم تكن لترقى للاشتراك في مسابقة اي مهرجان في العالم ناهيك عن مهرجان فينيسيا العريق، مثل الفيلم الجنوب افريقي “نهر بلا نهاية” أو الفيلم الأمريكي “متعادلون” Equals للمخرج درايك دورموس، أو الفيلم الأمريكي “قلب كلب” للمخرجة لورين أندرسون.