فيلم كوري يخطف “السعفة الذهبية” في مهرجان كان وتارنتينو يخرج خالي الوفاض

ترأس لجنة تحكيم المسابق الرسمية في مهرجان كان الـ 72 المخرج المكسيكي الشهير أليخاندرو غونزاليس إيناريتو حائز جائزة أحسن إخراج في مهرجان كان 2006 عن فيلم “بابل”، وجائزة الأوسكار لأفضل فيلم “بيردمان” (2015). وضمت اللجنة ثمانية أعضاء من بينهم المخرج اليوناني لارغوس لانتيموس والمخرجة الإيطالية أليس رورواشر والمخرج البولندي بافل باوليكوفسكي والممثلة الأميركية إيل فاننغ.

ولا أظن أن مهمة اللجنة كانت سهلة في التوصل إلى قائمة الأفلام الفائزة بالجوائز خاصة الفيلم الذي تمنحه “السعفة الذهبية”، فقد حفلت المسابقة التي ضمت 21 فيلما، بعدد كبير نسبيا من الأفلام البديعة المثيرة للخيال والتأمل والتي تتناول الكثير من المواضيع والقضايا التي تهم عالمنا.

إلا أن اللجنة استقرت في نهاية المطاف على منح “السعفة الذهبية” لفيلم “طفيل” Parasite للمخرج المرموق من كوريا الجنوبية “بونغ يونهو”دون شك أفضل الأفلام التي عرضت في المسابقة. وكنت قد توقعت حصوله على الجائزة، وأكدت استحقاقه لها دون سائر أفلام المسابقة بما في ذلك فيلم “ذات مرة في هوليوود” لكونتين تارانتينو الذي كان المنافس الأول له على الجائزة.

المفاجأة الأكبر

تمثلت المفاجأة الأكبر من بين مفاجآت إعلان الجوائز في خروج الفيلم الأميركي البديع “ذات مرة في هوليوود” من سباق الجوائز في كان دون أي جائزة أو مجرد إشارة أو ذكر، وكان المتوقع أن يحصل إما على “السعفة الذهبية” فإن لم يحدث، ينال الجائزة الكبرى الخاصة للجنة التحكيم التي تأتي في المرتبة التالية مباشرة بعد السعفة الذهبية، وكان يستحقها عن جدارة.

لكن المفاجأة الأكبر تمثلت في منح هذه الجائزة المرموقة لأحد أضعف أفلام المسابقة وهو الفيلم الفرنسي “الأطلانطيون” أول أعمال المخرج السنغالية- الفرنسية ماتي ديوب، ولكنها مفاجأة توقعتها في مقالي السابق حينما قلت إنها تقدم موضوع فيلمها في “سياق أسلوب مضطرب مشوش وصورة غير واضحة ومساحة خانقة تعيق اكتشاف المكان، ومستوى تمثيلي ضعيف ومونتاج مفكك. ومع ذلك لن أُدهش شخصيا إذا ما حصل هذا الفيلم على إحدى الجوائز، بعد أن أصبحت حملة “مي تو” (أو “أنا أيضا”) النسائية الغاضبة، تطالب بالمساواة سواء في عدد الأفلام التي تقبلها المهرجانات في برامجها، أو في تقاسم الجوائز وإلا أعتُبرت المهرجانات “ذكورية متعصبة” ومنحازة ضد المرأة”!

جائزتا التمثيل

 صدق توقع كاتب المقال أيضا في فوز الممثل الاسباني أنطونيو بانديراس بجائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم “ألم ومجد” لبيدرو المودوفار، في حين خرج الفيلم نفسه دون جوائز سواء في السيناريو أو الإخراج. وكان كثير من النقاد الفرنسيون قد توقعوا فوزه بالسعفة الذهبية.

رئيس لجنة التحكيم بجوار أنطونيو بانيدراس وجائزة أفضل ممثل

اما جائزة أفضل ممثلة فقد حصلت عليها البريطانية إيملي بيتشام عن دورها في فيلم “جو الصغير” وهو فيلم بريطاني من اخراج المخرجة النمساوية جيسيكا هاوزنر، لم ينل أي اهتمام نقدي حقيقي بسبب رتباة موضوعه وآلية إخراجه. وكان الأجدر منها بالفوز بالجائزة زميلتها البريطانية ديبي هونيوود التي تألقت كثيرا في دورها الكبير في فيلم المخرج كن لوتش “عفوا.. لم نجدك”.

منحت لجنة التحكيم جائزة خاصة إلى فيلمين هما الفيلم الفرنسي “البؤساء” وهو أول فيلم لمخرجه لادج لي وهو عمل جيد ومتميز كثيرا في معالجة موضوع عنصرية الشرطة في تعاملها مع أبناء المهاجرين في الأحياء الهامشية الباريسية، والفيلم البرازيلي “باكوراو” الذي اشترك في إخراجه مخرجان هما كليبر مندونسا وجوليانو دورنيلس، وهو عمل خيالي يفترض وقوع هجوم منظم على احدى القرى البرازيلية (المتخيلة) من مجموعة رجال أعمال وممثلي شركات احتكارية أجنبية بغرض إبادة السكان. وفي مقالنا االسابق، توقعنا فوز هذين الفيلمين بجوائز ما في المهرجان.

أحمد الصغير

من المفاجآت التي لم يتوقعها أحد فوز فيلم الثنائي البلجيكي الأخوين جان بيير ولوك داردان “أحمد الصغير” وهو من أضعف أفلام المسابقة، ولكن الجائزة جاءت دون شك تقديرا لموضوعه الذي يشغل الرأي العام الأوروبي والعالمي حاليا، وهو كيف يتم غسل أدمغة الشباب المراهق المسلم في أوروبا ومن ثم تجنيدهم للالتحاق بصفوف التنظيمات الإرهابية المسلحة مثل تنظيم “داعش”.

وفازت الفرنسية سيلين سكياما بجائزة أفضل سيناريو عن فيلمها “بورتريه لامرأة مشتعلة” وهو يصور العلاقة المثلية بين امرأتين ولكن بأسلوب فني متميز. ولم تمنح لجنة التحكيم جائزة لأفضل إخراج لكنها منحت “تنويها خاصا” وهو أضعف أشكال التقدير ويتمثل في شكل شهادة لفيلم “لابد ان تكوم الجنة” للمخرج الفلسطيني إيليا سليمان. وهي أقل من الجائزة الخاصة للجنة التحكيم التي حصل عليها في المهرجان نفسه فيلمه “يد إلهية” عام 2002. لكن الفيلم نال الجائزة التي يمحنها الاتحاد الدولي للصحفيين السينمائيين (الفيبريسي). وهو فيلم مختلف في بنائه وموضوعه وأسلوبه، ولعله الفيلم الكوميدي الوحيد في المسابقة الذي يتميز بأجوائه العبثية. وسننشر عنه تفصيل في عدد قادم.

في التظاهرات الموازية فاز الفيلم البرازيلي “الحياة الخفية لإيورديس غوسماو” بجائزة أفضل فيلم في تظاهرة “نظرة ما” منحتها لجنة تحكيم ترأستها المخرجة اللبنانية نادين لبكي، وفاز بجائزة “الكاميرا الذهبية” لأفضل فيلم أول “أمهاتنا” لسيزار دياز وهو من الإنتاج المشترك بين غواتيمالا وفرنسا وبلجيكا، وفي مسابقة “أسبوع النقاد” التي تنظمها النقابة الفرنسية للصحفيين السينمائيين فاز الفيلم الفرنسي “فقدت جسدي” بجائزة أفضل فيلم، وهو من أفلام التحريك. وبهذه المناسبة يجب أن أشير إلى أن من أفضل الأفلام التي عرضت في “نظرة ما” فيلم التحريك الفرنسي البديع “سنونو كابول” عن رواية الكاتب الجزائري ياسمينة الخضرا.

فرنسا الدولة المنظمة للمهرجان خرجت للمرة الأولى منذ سنوات بعيدة، بنصيب الأسد من الجوائز رغم عدم حصول أحد افلامها على “السعفة الذهبية” لكن الإنتاج الفرنسي يدخل طرفا في معظم الأفلام التي نالت الجوائز بما فيها فيلم إيليا سليمان الفلسطيني.

بذلك أسدل الستار على دورة حافلة بالأفلام المثيرة التي تراوحت ما بين الموضوع السياسي والموضوع الاجتماعي والخيالي وفيلم الصدمة والرعب.


Visited 89 times, 1 visit(s) today